تقديم مذكرات الأستاذ أحمد عبدالرحمن محمد (2 – 2)

د. الخضر هارون

ولعل التمثيل النسبي يصبح ترياقا للهيمنة الميكانيكيةmajoritarianism المطلقة لبرلمانات السودان لتوسيع قاعدة المشاركة في الحكم في بلد متعدد الكيانات.
ذكر كذلك أن تنظيم الاخوان في جامعة الخرطوم ساند حكومة عبدالله خليل في قضية حلايب رفضا للتغول المصري عليها.
وللرجل مواقف مستقلة عن التنظيم كتأييده لبناء السد العالي في وقت اشتد فيه العداء بين الاخوان ونظام الرئيس جمال عبد الناصر في مصر مقترحا بناءه في (ابو حمد )لتعم الفائدة البلدين.
استعرض أستاذ أحمد وبتفصيل دقيق ملابسات حل الحزب الشيوعي السوداني وقال (إن بعض العقلاء في الساحة السياسية وفي الوسط الحزبي وبعض الإسلاميين كانوا يخشون مغبة ذلك العمل وتأثيره علي مسار العمل الديمقراطي في السودان لكن أصواتهم كانت ضعيفة.)
وقال إن دكتور حسن الترابي لم يكن في البداية مؤيدا لتضخيم حادثة معهد المعلمين العالي تلك لكنه أيد في النهاية مسعي حل الحزب الشيوعي عبر الجمعية التأسيسة .
وهو ما أكده لي المرحوم الأستاذ عبدالرحيم حمدي بأن الدكتور الترابي لم يكن متحمسا في البداية لتضخيم حادثة معهد المعلمين العالي واعتبر ما تفوه به الطالب من منكر مما لا يستغرب من طالب في تلك السن وأن ذلك يعالج في نطاق ما يستحقه وذلك عندما نُقلت إليه الحادثة كما استنكر تضخيم الإيرانيين وردة فعلهم لكتاب سلمان رشدي (الآيات الشيطانية) وتخصيص جائزة لقتله ,خوفا من إشهاره بينما الكتاب في حقيقته ليس سوي رواية عادية ليست بشيء . ولعلي أعرض لمناسبة ذلك وسياقه في غير هذا الموضع.
استعرض وبالتفصيل أحداث ضربة الجزيرة أباً وأن الاخوان لم يكونوا موضع ثقة تامة لدي الإمام الهادي المهدي رحمه الله ولم يكن يطلعهم علي كل شئ.
وفي السياق أشار إلي أنه كان ممن التقوا الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله ملتمسين استقبال المعارضة في السعودية وكيف أن الملك تحمس لمساعدتهم واستضافهم في أيام مايو الأولي في نسختها اليسارية. وجدير بالذكر ومما يجهله الناس وفي سياق حملة الجبهة الوطنية ضد نظام مايو اليساري ,ما كتبه المرحوم زين العابدين الركابي في بيروت من خطاب باسم الامام الهادي المهدي للرئيس جمال عبدالناصر معاتبا له علي التخطيط لانقلاب نميري علي حكومته التي كان يرأسها المرحوم محمد أحمد محجوب مذكرا بأفضال تلك الحكومة عليه بمصالحته مع الملك فيصل وحشد الدعم المادي والمعنوي له .بعقد مؤتمر اللاءات الثلاث في الخرطوم . وكانت جريدة الحياة في بيروت قد نشرت خبره علي صفحتها الأولي وضمنه محمد أحمد محجوب كتابه ( الديمقراطية في الميزان.) دون أن يعلم أن الإمام لم يكتب حرفاً في ذلك الخطاب .ذكر أستاذ أحمد أن محجوب قد أطلعه علي كتابه المذكور عندما زاره في بيته في لندن وأنه أي أستاذ أحمد لم يشر إلي حقيقة ذلك الخطاب المنتحل!
وفي تفاصيل قصة غزوة الجبهة الوطنية التي عرفت بالغزو الليبي عام ١٩٧٦ أشار أن القذافي وافق علي تدريب عناصر الاخوان المسلمين ضمن قوات الجبهة الوطنية : الأمة والاتحادي علي مضض وهو كاره وربما يسر السماح لهم وجود الأستاذيين عبد الله زكريا وبابكر كرار وقد كانا في السابق من الإسلاميين . كما أشار إلي أن قيادات الجبهة الوطنية المشرفة علي التدريب كانت متوجسة منهم لذلك أسندوا إليهم عند الغزو مواقع ليست مهمة في الخرطوم هي المطار ودار الهاتف. ولم يهتموا حتي بتدبير سكن لهم في الخرطوم. ثم تناول سوء التخطيط للعملية وشراء سيارات قديمة لنقل القوات تعطل أكثرها في الصحراء كما أن محمد نور سعد قائد العملية لم يكن يستشير أحدا وكان يتحرك بمفرده.
تقلد الأستاذ أحمد وزارة الشؤون الداخلية بعد المصالحة مع نظام مايو بعد أن نزعت أسنانها العسكرية والأمنية وأصبحت علي قرار وزارة الداخلية في أمريكا تعني بالحدائق العامة و محميات الحيوانات البرية أضيفت إليها مصلحة المساحة والمطافئ والدفاع المدني وذكر بالخير قائده اللواء محمد طه الذي تعاون معه علي تطويرها كذلك مصلحة السجون والتي أفلح في اقناع النميري بجعلها إدارة مدنية وكذلك إدارة الجوازات .وواضح من خلال السرد أنه أبلي فيها البلاء الحسن.
تفرد الرجل بمواقف مستقلة فقد كان يري التدرج في موضوع تحريم الخمر كما احتفظ بعلاقات وثيقة بشخصيات ناصبتها حكومة الإنقاذ العداء الشديد في بعض المنعطفات. وعن حكم الإنقاذ فقد أفرد فصلا عنها بعنوان ( الإنقاذ في الميزان) تحدث عن انجازاتها واخفاقاتها وتمني لو أنه اعترض علي مسايرتها العراق في حرب الكويت .كذلك عاب علي الإنقاذ فشلها في نقل البلاد من براثن الحكم الشمولي المتسلط إلي نظام شوري ديمقراطي ويري أنه كان في مقدورها أن تفعل خاصة وأنها ابتدرت عهدها بمؤتمر الحوار السياسي المفضي لنظام مدني ديمقراطي.
افتقدت في المذكرات الحديث عن تجربته في مجلس الصداقة الشعبية.
وبعد ..فهذا كتاب تحس بالصدق بين سطوره وبالحرص عبر ذلك علي بقاء السودان بعد المحنة التي يعانيها الآن وضرورة أن يتكاتف الجميع لصونه وإكرامه وتناسي الخلافات من أجله.
متع الله الأستاذ أحمد عبد الرحمن محمد بدوام الصحة وتقبل بذله ومجاهداته في موازين حسناته.

Exit mobile version