تعيين كامل إدريس: قرار الضرورة في زمن الأزمات

د. عبدالله المحجوب أحمد
أعلن مؤخراً عن تعيين الدكتور كامل إدريس رئيساً لمجلس الوزراء في السودان بعد فراغ دام اكثر من ثلاث سنوات منذ استقالة الدكتور عبدالله حمدوك في يناير 2022 ورغم أن القرار جاء متأخرا فإنه يعدّ خطوة أساسية لاستكمال البناء الدستوري للمرحلة الانتقالية إذ تنص الوثيقة الدستورية بوضوح على قيام السلطة التنفيذية على مجلسي السيادة والوزراء معاً
جاء التعيين في توقيت بالغ الحساسية في ظل واحدة من أعقد المراحل التي تمر بها البلاد ، حرب شاملة ووضع إنساني متدهور وانهيار شبه تام في المؤسسات والخدمات ولهذا فإن قبول المنصب في مثل هذا الظرف لا يعد مجرد مهمة سياسية بل تحمل لمسؤولية وطنية استثنائية سيكون لها ما بعدها في ذاكرة التاريخ
لايمكن الحكم على الدكتور كامل ادريس منذ البداية فالرجل يتسلم مهامه وسط تعقيدات متشابكة وضغوط كبيرة ورغم سيرته الدولية والعلمية المعروفة فإن النجاح في هذا الظرف يتطلب أكثر من الخبرة والسجل المهني يتطلب رؤية واضحة وشجاعة في اتخاذ القرار وواقعية في إدارة المرحلة
الحكومة التي سيشكلها كامل ادريس ستكون المؤشر الأول لنجاحه أو تعثره فإذا اختار وزراء من اصحاب الكفاءة والخبرة وابتعد عن المحاصصات السياسية والمجاملات فقد يتمكن من احتواء الأزمات وفتح نوافذ أمل أما إذا وقع في فخ الحسابات الضيقة فإن مصيره لن يختلف كثيرا عمن سبقوه في هذا الموقع
منذ لحظة تعيينه بدأت موجة من الاتهامات والتشكيك تلاحقه وهو أمر معتاد في بيئة سياسية مضطربة تغلب فيها ثقافة الهدم على البناء لذا فإن أول ما يحتاج إليه رئيس الوزراء الجديد هو تجاهل الضجيج والتركيز على العمل لأن الشعب لا ينتظر الشعارات بل ينتظر حلولا ولو تدريجية تخفف من وطأة الأزمة التي يعيشها يوميا
النجاح في مثل هذا الموقع لا يقاس برفض الامتيازات أو إلقاء الخطب بل بإحداث أثر فعلي فإن استطاع كامل ادريس أن يضع بصمة إيجابية ولو جزئية فسيكتب التاريخ اسمه ضمن من خدموا بلادهم في أصعب اللحظات أما إذا لم يقدم شيئا فسيكون ضمن من أضافوا خيبة جديدة إلى رصيد خيبات كثيرة عاشها السودان في سنواته الأخيرة
في النهاية تعيين رئيس وزراء في هذا الظرف ليس تشريفاً ولا إنجازا شخصيا بل اختبار وطني حقيقي فإما أن يكون بداية لتحول فعلي أو عبئا جديدا على كاهل وطن مثقل بالجراح.