ترامب والشرق الأوسط: تحوّل براغماتي في السياسة الأمريكية تجاه حماس والحوثيين

عبدالعزيز يعقوب
(١)
يبدو أن الرئيس الأمريكي الجمهوري، دونالد ترامب، يعيد رسم ملامح مقاربته للشرق الأوسط بطريقة مفاجئة لكثيرين، ومتعارضة – ظاهريًا – مع مواقفه المعلنة سابقًا. فالرجل الذي كان أبرز الداعمين لحكومة نتنياهو، وصاحب قرارات مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وطرح “صفقة القرن”، والتلويح بتحويل غزة إلى منطقة سياحية، يبدو اليوم وقد شرع في إعادة ترتيب أوراقه على نحو مغاير.
ففي الآونة الأخيرة، بدأت تتكشف خيوط مفاوضات غير مباشرة بين فريق ترامب وحركة حماس، جرت في قطر بوساطة أمريكية، بهدف تأمين إطلاق سراح رهائن أمريكيين في غزة. هذا التحرك، الذي تم من دون تنسيق مسبق مع إسرائيل، لم يكن معزولًا عن سياق أوسع، إذ سبقه حوار مشابه مع جماعة الحوثي في اليمن، برعاية سلطنة عمان، بعيدًا عن إشراك الحلفاء التقليديين في المنطقة، وعلى رأسهم تل أبيب. وتطرح هذه الوقائع سؤالًا محوريًا ما دوافع هذا التحول المفاجئ؟ ولماذا يتجاوز ترامب هذه الملفات الحساسة بتلك الطريقة؟
(٢)
الجواب الأقرب إلى الواقعية أن ترامب يتعامل مع السياسة الخارجية كما يتعامل مع الصفقات التجارية، انطلاقًا من خلفيته في عالم الأعمال. مبدأه واضح لا عداوات دائمة، ولا ولاءات مطلقة، بل مصالح يُعاد ترتيبها كلما اقتضت الضرورة.
فحماس، رغم تصنيفها السابق كـ”منظمة إرهابية”، أصبحت اليوم طرفًا لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات تخص غزة، خاصة في ظل إخفاق إسرائيل في القضاء عليها بعد أكثر من 24 شهرًا من الحرب. أما الحوثيون، فرغم المواقف المتباينة من أيديولوجيتهم، فقد أثبتوا قدرتهم على التأثير في أمن الملاحة الدولية، مما يجعل التفاوض معهم ضرورة تمليها الحاجة لا القناعة.
ترامب يدرك أيضًا أن التماهي الكامل مع حكومة نتنياهو – التي تواجه عزلة متزايدة حتى في الأوساط الغربية، وتراجعًا في شعبيتها داخل إسرائيل – لم يعد ورقة رابحة. فقد تآكلت صورة إسرائيل كـ”شريك ديمقراطي” في أعين كثيرين، بعد المجازر المرتكبة في غزة، والانقسام العميق في مجتمعها السياسي الداخلي. من هنا، فإن تجاهل إسرائيل في الجولة المرتقبة لترامب إلى الشرق الأوسط، والتي يُرجّح أن تشمل السعودية وقطر وربما الإمارات، يحمل رسالة مفادها السعي لإظهار قدر من الاستقلالية، وبناء توازن جديد مع اللاعبين الخليجيين، الذين أصبحوا أكثر تحفظًا تجاه مشروع نتنياهو.
(٣)
إلى جانب ذلك، فإن التحولات العميقة في المزاج الشعبي الأمريكي، خاصة داخل أوساط الشباب وطلاب الجامعات والمجتمع الأكاديمي، بل وحتى داخل تيارات متقدمة من الحزب الديمقراطي، ساهمت في كسر الهيمنة التقليدية للخطاب المؤيد لإسرائيل. وهذا لا يغيب عن ترامب، الذي وإن لم يكن محسوبًا على اليسار، إلا أنه يمتلك قدرة فريدة على التقاط التحولات وتوظيفها انتخابيًا متى ما استدعى الأمر.
وربما الأهم من ذلك أن ترامب، وفريقه الاستراتيجي، يراهنون على مستقبل سياسي ما بعد نتنياهو، أو على الأقل على ترتيبات تتجاوز حالة الارتهان المطلق لشخصه. فإسرائيل، من وجهة نظرهم، ستظل حليفًا، لكن ليس بالضرورة عبر بوابة حكومة يمينية متطرفة تتصادم مع معظم دوائر القرار العالمي.
من هذا المنطلق، يمكن فهم الانفتاح المفاجئ على قوى مثل حماس والحوثيين، لا باعتباره انقلابًا على المبادئ، بل تكيّفًا براغماتيًا مع واقع جديد، تفرضه موازين القوى على الأرض، وتحولات الحسابات داخل واشنطن وخارجها.