الأحداث – عبدالباسط إدريس
ثمة تشابه بين السودان وأثيوبيا من حيث الأزمات والفرص، فالبلدان اللذان تجمع بينهما حدود وسنوات من العلاقات المتقلبة، يجمع بينهما أيضاً سجل حافل بالتوترات وحروب الوكالة عمقتها تقاطعات مصالح كل بلد مع المتغيرات الإقليمية والدولية، فما فرص البلدين بالتغلب على تلك المشكلات وإقامة جوار آمن يسوده الهدوء وتبادل المنافع؟.
تحول جديد:
شهدت العلاقة التي خيمت عليها ظلال الغيظ المكتوم خاصة عقب اندلاع حرب 15 أبريل، بارقة أمل جديدة، لقد زار رئيس وزراء أثيوبيا آبي أحمد العاصمة الإدارية بورتسودان، بعد أكثر من عام على الحرب، معلناً تضامن بلاده مع الشعب السوداني، ووصل آبي إلى المدينة الساحلية، مرتدياً بدلته البيضاء، البدلة ذاتها التي ارتداها الرجل يوم هبط الخرطوم عارضاً الوساطة بين الجيش وقوى التغيير.. هي إذا ذات الملامح بل هي المشية ذاتها بتشابك الأيدى التي أراد بها التذكير بدوره المشترك مع الاتحاد الأفريقي في حل الأزمة التي شهدها السودان وقتها بين الجيش والقوى المدنية عقب فض الاعتصام وتظاهرات 30 يونيو الحاسمة، وللتذكير بكيف كان دوره شخصياً مرحب به وكيف صفقت الخرطوم الثائرة طويلاً له يوم حفل توقيع اتفاق الشراكة في السلطة بين الجيش والحرية والتغيير في قاعة الصداقة، وبالتالي يبدو القائد الأثيوبي الطموح وكأنه يلوح من جديد أن بمقدوره إعادة الشيئ نفسه بين البرهان وحميدتي متى ما اطمأنت الحكومة السودانية لقدرته على تحقيق ذلك، هذا بجانب ماكشفته عنه الزيارة من أن ثمة قلق قد انتاب إدارة أديس أبابا، وربما من واقع معلومات استخبارية أنها على موعد جديد من سلسلة حرب دموية قد تطول هذه المرة، في حال تمدد الحرب في السودان وفقدان السلطة المركزية السيطرة عليها، خاصة عقب إعلان البرهان عن دخول لاعب جديد لميدان الحرب، يتمثل في مشاركة مقاتلون من تنظيم داعش الإرهابي وهم يقاتلون إلى جانب قوات حميدتي.
مأخذ السودان :
تدرك الحكومة الانتقالية في السودان التي يرأسها قائد الجيش، الفريق أول ركن البرهان، أن العلاقة بين السودان وأثيوبيا، مصيرية ولا تقبل القسمة على إثنين، فإما أنها علاقات تعاون أو عدوان ومواجهة، لكن إدارة بورتسودان لاتخفى غيظها من مواقف سلطة آبي أحمد المتماهية مع مليشيا حميدتي التي من جانب السودان، أنه قد حاول الاستيلاء على السلطة بانقلاب أعد له مسبقاً وبعلم عدد من الدول من بينها أثيوبيا، ثم تحولت لحرب وعدوان على الدولة السودانية عبر غزو أجنبي قوامه المرتزقة من عدة دول بما فيها أثيوبيا التي يشارك مقاتلون ومقاتلات يحملون جنسيتها مع مليشيا حميدتي، النقطة الأخرى إعلان آبي احمد أنه لاتوجد سلطة في السودان، وقيامه بشكل متعمد ومستفز باستقبال حميدتي على البساط الأحمر، استقبال رسمي حوى كل تفاصيل وبورتوكولات المراسم الرئاسية والسيادية، رغم علمه بعزل حميدتي من منصبه وحل قواته، بجانب مشاركة أثيوبيا في كل التحركات الأفريقية عبر إدارة موسى فكي لصالح المليشيا وحصار السودان إقليمياً، فضلاً عن الحنق الشعبي على سوء المعاملة التي قوبل بها اللاجئون السودانيون في أثيوبيا.
رأي أثيوبيا:
من جانبها بدت أثيوبيا ولأشهر طويلة منذ اندلاع الحرب، غير مكترثة للمآخذ السودانية، لقد قال آبي أحمد أن بلاده تقف على الحياد من الحرب في السودان، وأكد أمام البرلمان الأثيوبي أن حكومته لن تستغل الوضع في السودان للقيام بعمل عسكري في منطقة الفشقة، ومن ذلك تبدو الرسالة الأثيوبية أكثر وضوحاً بلسان حال يقول إنها محايدة تماماً بمثلما موقف السودان خلال الحرب التي اندلعت في إقليم التقراي بين حكومة آبي أحمد وقوات تقراي، وكذا الحال ينسحب موقفها من مبدأ التعامل بالمثل، على أوضاع اللاجئين السودانيين المتواجدين بغاباتها، بعد أن فتح السودان حدوده للاجئين خلال الحرب الأثيوبية وأقام لهم معسكراً ضخماً في منطقة القضارف.
أزمات مشتركة:
تمر الأوضاع في البلدين بمشكلات وتعقيدات متشابهة، رغم إيمانهما المتبادل من أهمية وحساسية العلاقة بينهما لتأثير تفاعلاتها من كل بلد على الآخر، ويصطدمان بعقبة عدم نضج واكتمال بناء الأمة ذات الأهداف الموحدة، بجانب الغياب المفاجئ لرموز وشخصيات مهمة، في ظل المتغيرات السريعة التي مرت على البلدين، وصعود مجموعات قيادية في أديس أبابا ملهمة بالنموذج الغربي حيث تلى معظمهم دراسته هناك وراغبة في الارتباط معه، ولكنها تفتقر للمعرفة الكافية بالأوضاع الجيو سياسية التي تحكم محددات توجهات أثيوبيا بما في ذلك العلاقة مع السودان، لتحل محل قيادات معروفة ظلت تدرك بعمق وشمول أهمية العلاقات، أما من جانب الخرطوم فقاد تشكيل حكم انتقالي من شخصيات غير معروفة لإهمال وتجاهل البعد الاستراتيجي في علاقات البلدين، حيث أدارت الحكومة الانتقالية تلك العلاقة بطابع ساده التعاطف والهياج المبني على تصور أن الحكومة الأثيوبية داعمه للمدنيين والتحول الديمقراطي، بجانب ذلك يواجه السودان وأثيوبيا إدارة التنوع، وسوء العلاقة بين المركز والأقلية التي كانت وماتزال العامل الأساسي في اندلاع الحروب، كما يعاني البلدان من انهيار اقتصادي وموقع جغرافي لايمتلكان القدرة على إدارة علاقاتهما في ظل تأثيرات الخطط والمصالح الدولية المبنية على ميزة هذا الموقع.
كسب المعارك بالسياسة:
من جانبه يبدو السودان حريصاً على عدم الدخول في مواجهة أو حرب مفتوحة مع أثيوبيا، ويحاول كسب المعارك عبر السياسة والدبلوماسية، فبورتسودان تدرك أولاً قلق أثيوبيا المستمر من أن جبهته الحدودية تشكل الخطر الاستراتيجي الأعظم إذا ما استمرت لعبة شد الحبل وسجال حروب الوكالة، وتدرك ثانياً أن أثيوبيا تعمل على إكمال قاعدتها العسكرية التي أظهرتها صور الأقمار الصناعية داخل حدودها وعلى مقربة من منطقة الفشقة، وهي دلالة قوية ترسخ الاعتقاد أن أثيوبيا تتحسس خطراً استراتيجياً متوقع وتريد الاستعداد له وأنها أيضاً تعمل على احتلال منطقة الفشقة بالقوة، وتدرك بورتسودان أن أثيوبيا مهتمة بإقليم النيل الازرق المجاور لإقليم بني شنقول الأثيوبي حيث “سد النهضة”، ويستوعب طبيعة التحركات الأثيوبية في حرب مليشيا حميدتي على الدولة السودانية بما في ذلك محاولات تقسيم البلاد وجعل أثيوبيا شريكاً رئيسياً حول أي ترتيبات محتملة خاصة بانفصال إقليم النيل الأزرق.
إدارة خلاقة :
يقول المحلل السياسي د.عوض إسماعيل ل(الأحداث) إن أهمية العلاقة بين السودان وأثيوبيا مسألة وجودية بالنسبة للبلدين وتحتاج لإدارة خلاقة تبعد شبح انهيارها وجر البلدين للصدام، ويشير إسماعيل لعدة نقاط قوية قال إنها تشكل إيجابية وخصوصية كبيرة في علاقات السودان وأثيوبيا أهمها عمق العلاقة الشعبية والتداخل السكاني الكبير، والإرادة المشتركة التي يجب أن تتوفر للأجهزة الدبلوماسية والأمنية بين البلدين، ويشدد على أهمية أن تكون حدود السودان وأثيوبيا مرنة وخالية من أي تواجد عسكري كثيف.
بدوره يقول المهتم بقضايا الاستثمار الفاضل عبدالجبار ل(الأحداث) إن هناك فرص استثمارية واقتصادية ضخمة بين البلدين، ويضيف: “بعض الناس يتكلمون عن القوة العسكرية للسودان خاصة بعد استرداد الفشقة لكن فى الواقع لدى السودان قوة وتأثير اقتصادي كبير على أثيوبيا”، ويؤكد الفاضل أن أثيوبيا بلد حبيس بلا منفذ بحري ولن تحصل عليه في جوار آخر غير السودان إلا بالقوة المسلحة، لكن السودان يمكنه طرح مساحات استثمارية في الفشقة بينه وأثيوبيا ويمكنه منح أثيوبيا طرق برية ومرفأ على البحر الأحمر، بكلفة أقل من أي مواجهة وخلافات بين البلدين.