تقرير – أمير عبدالماجد
مع توالي زيارات رؤساء الدول والمبعوثين إلى بورتسودان وتوالي فتح ملفات لطالما جمدت خلال الفترة الماضية، تفتحت بالمقابل تساؤلات عديدة حول جدوى المبادرات المتناثرة هنا وهناك وحول جدوى هذه الزيارات وما إذا كانت تحمل معها مسارات لحلول تقود إلى إيقاف الحرب المشتعلة منذ نحو عام ونصف العام أم أنها كالمعتاد مجرد زيارات استكشافية تنتج المزيد من الجدل.. الجديد في الأمر هذه المرة أن المحيط الإقليمي بدأ يدرك أن تنسيقية تقدم لا تملك ما يدعم ادعاءاتها بجماهيرية مزعومة في الشارع السوداني وبتمثيل لقوى المجتمع المدني وبحياد يسعى لتحقيق السلام.
غضب الشعب
إذ اتضح له أن التنسيقية نفسها تحتاج إلى من يحميها من غضب الشعب السوداني عليها وأن قادتها يخشون على أنفسهم ولا يستطيعون حتى التواجد وسط تجمعات السودانيين خارج نيروبي وعنتبي وربما أديس أبابا حيث كدسوا عضويتهم ويبدو أن الاتحاد الأفريقي الذي تعثر كثيراً في معالجة الأوضاع في السودان بفعل استجابته لتنسيقية تقدم واعتباره إياها ممثلاً للسودانيين قد تحرر من هذه الأوهام واتجه لفتح الباب أمام القوى السياسية الأخرى ما أزعج قادة تقدم وجعلهم يعتذرون عن المشاركة في المؤتمر لأنهم أرادوا أن يقرروا هم وليس الاتحاد الأفريقي من يشارك ومن يستبعد وأن يضعوا الأجندة ومقررات المؤتمر عندما استحال الأمر أصدروا بياناً أكدوا فيه أنهم لن يشاركوا رغم تلقيهم دعوة للمشاركة من الآلية الأفريقية رفيعة المستوى في الاجتماعات الأولية للحوار السياسي في الفترة من 10- 15 يوليو قالت تقدم في ردها إنها أخضعت الأمر للنقاش داخل أجهزتها وأرسلت استفسارات ثم طلبت اجتماعاً مع الآلية عقد إسفيرياً انتهى للاشيء لأن تقدم إنشغلت خلال الاجتماع فقط بمعرفة الأطراف الأخرى التي دعتها الآلية للمشاركة مشترطة موافقتها أولاً عليها قبل الدعوة فيما تمسكت الآلية برفضها الكشف عن هذه الجهات وبأن تقدم لا تملك حق مصادرة حق مشاركة الآخرين في الجلسات لكن تقدم لم تتوقف بل واصلت مساعيها لوضع فيتو على مشاركة الآخرين وعقدت سلسلة اجتماعات مع الآلية بأديس أبابا فشلت جميعها لأن تقدم كانت تطالب بكشف أسماء المدعوين للمشاركة وأن تكون هي التي تمنح أو تمنع مشاركتهم ورؤيتها أنه يجب التشاور معها في الأسماء والجهات قبل أن تتم دعوتها وأن يكون ذلك بصورة مسبقة قبل تقديم الدعوات وهو ما رفضه الاتحاد الأفريقي هذه المرة وما قاد في النهاية إلى عدم مشاركة تقدم التي قالت في بيانها المقاطع للاجتماعات إنها توصلت إلى أن الأمر مسيطر عليه بواسطة عناصر النظام السابق وواجهاته وقوى الحرب.
تعويل وترتيب
يقول د. مامون الخبير أستاذ العلاقات الدولية إن الأمر لا يبدو غريباً للمتابعين لأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح ولايمكن التعويل على أن تقدم لو رتبت أمور المسار السياسي فإننا سنصل إلى تسوية هذا لن يحدث لأن التنسيقية ليست وكيلاً عن الشعب السوداني ولا تملك تفويضاً منه ولا أعتقد أن حجم وجودها وقبولها في الشارع يسمح لها بهذا الطموح كما أن التجربة أثبتت خطل هذا الافتراض، إذ أصرت قحت سابقاً التي تحولت إلى تقدم على الاتفاق الإطاري فأشعلت الحرب في البلاد)، وأضاف (هؤلاء توقفوا عند محطة إقصاء الآخرين لذا فإن الإقليم الذي تجاوب معهم في البداية بات يدرك الآن أن البقاء مع هؤلاء في نفس موقفهم سيقود المنطقة كلها إلى حرب مفتوحة لأن هؤلاء لا معنى لوجود السودان نفسه لديهم لو لم يكونوا حكاماً عليه)، وتابع (الموقف الجديد للاتحاد الأفريقي والآلية رفيعة المستوى فاجأهم ليس لأنه أصر على استيعاب الآخرين بل لأنه أغلق الطريق أمامهم وهو أمر لم يعتادوا عليه)، وقال (يبدو لي أن الهواء قلب) وهم لم يستوعبوا بعد.
تعلم من الأخطاء
وكان الاتحاد الأفريقي قد قدم دعوة لتنظيمات الكتلة الديمقراطية وتنظيمات بقوى ميثاق السودان للمشاركة في الاجتماع التحضيري وهي من بين التنظيمات التي يحرص قادة تقدم على إبعادها من طاولة الحوار، يقول نائب الأمين العام لحركة العدل والمساواة، محمد زكريا إن رفض تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” المشاركة في الاجتماع التحضيري للعملية السياسية التي يرعاها الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا لا يتسق مع تعقيدات المشهد السوداني، ويضيف (رفض المشاركة لا يتسق مع قوى مؤمنة بالتحول الديمقراطي والحوار)، وتابع (الإعداد الجيد يجب أن يشمل المشاورات لخلق نوع من التوافق حول جدول الأعمال والقضايا الإجرائية للاجتماعات إذ من دون معالجة هذا الجانب بوعي وحيادية فإن هذه المبادرات ستواجه صعوبات كبيرة )، وقال (الجلسات تهدف إلى التداول في القضايا الإجرائية التي ستعقد بشكل فردي بين الاتحاد الأفريقي والمجموعات المدعوة من جهة)، معتبراً أن الطرفين سيجلسان تحت سقف واحد وبالتالي فإن الحجة التي بنى عليها تحالف تقدم رفضه المشاركة تدحضها تلك المعطيات، وختم (يجب أن نتعلم من الأخطاء السابقة وتجربة الاتفاق الإطاري وإقصاء العديد من القوى المدنية والسياسية وكل الأمور التي أدت إلى التوتر الذي ساهم بشكل أو بآخر في اندلاع الحرب).
تحولات إيجابية
من جهته قال الفريق مدني كبير الخبراء بالمركز الأفريقي إن المرحلة محاطة بتعقيدات كبيرة لكنه لفت إلى أن مايحدث فيه تحولات إيجابية ويقدم إشارات إلى أن المحيط من حولنا الذي كان داعماً للتمرد بدا يستوعب الآن أن فكرة الاستيلاء على الدولة السودانية أمر غير ممكن وأن الدعم السريع حتى لو كسب معركة هنا أو هناك فإنه غير مؤهل ليكسب الحرب، وأضاف (دخول الاتحاد الأفريقي كطرف يتمتع بالموثوقية يجعل الوصول إلى سلام أمر ممكن).