زين العابدين صالح عبد الرحمن
إن التعليق الصوتي للدكتور الواثق كمير على “مفاوضات جنيف” الذي طالب فيه أن يكون مدخلا لحوار بين المهتمين بقضايا السياسة، و المحللين السياسيين، و حتى قيادات القوى السياسية، و يعتبر محاولة ذكية و جيدة أن ينقل الحوار من حالة الاستقطاب الحاد في المجتمع، إلى حوار فكري يساعد على تقديم آراء و تصورات ليست فقط توقف الحرب حتى تتعدها لما بعد الحرب.. و الدكتور الواثق درج من بعد اتفاقية “نيفاشا 2005” أن يقدم رؤى بهدف نقل الحوار من حوار سياسي يعتمد على الشعارات، إلى حوار فكري يحاول به إختراق الأزمات و يقدم حلولا عبر تصورات.. حيث كان الواثق ينشر تصوراته في عدد من الصحف يستهدف بها مثقفي التيارات الفكرية، والسياسيين ذوي الانتماءات المتنوعة، و حتى القراء من كل لون و شاكلة، و الآن يقدم رؤيته عن “مفاوضات جنيف المرتقبة” ليس لكي تضاف لباقي الرؤى الأخرى “مع – ضد” و لكن أن يفتح نوافذا بين التيارات من أجل الدخول في حوار عقلاني يساعد على وجود طريق ثالث مغاير.
يوضح دكتور الواثق أن هناك ثلاثة عوامل هي التي جعلت أمريكا تسرع بعقد ” مفاوضات جنيف” والاسراع نفسه هو عرضة للخطأ وعدم تجويد الأجندة بالصورة المطلوبة، و العوامل هي :-
1 – الحسابات الأمنية خاصة إلى إثيوبيا، والتي جعلت المليشيا تحاول الزحف إلى الحدود السودانية الأثيوبية.
2 – تحولات القيادة السودانية العسكرية في المجال الدولي إلى روسيا و إيران وهي بالفعل سوف تؤرق الإدارة الأمريكية.
3 – الدورة الانتخابية المقبلة في أمريكا، وهي تتعلق بموقف الحزب الحاكم الآن ” الديمقراطي” معنى أن يتم استغلالها في الدعاية الانتخابية.
أشار الواثق إلى دور المبعوث السويسري للقرن الأفريقي، و الذي زار بورتسودان والتقى بالقيادات فيها السياسية و العسكرية، وأيضا زار السعودية، ويعتقد الواثق ربما تكون ” مفاوضات جنيف” هي من ترتيب المبعوث السويسري بما فيها فكرة نقل المفاوضات من جدة إلي جنيف، وربما هذه الترتيبات هي التي جعلت أمريكا تعتمد على الترتيبات السويسرية لذلك لم تنظر للأجندة بشكل موضوعي إنما نظرت للمشاركين، وماهية شروط نجاح المفاوضات.. و بخصوص حضور الإمارات ” لمفاوضات جنيف” باعتبارها من المراقبين في المحادثات هل حضور موفق.. يعتقد دكتور كمير مادام الامارات تعتبر هي كفيل للمليشيا و تقدم لها الدعم، لذلك يجب أن يكون الحديث معها مباشرة لإنهاء دورها بالصورة المطلوبة.
بعد ما قدم الدكتور كمير تصوره المقرون بتحليل لمجريات الأزمة، طرح سؤالأ مهما: هل لقاء الجنرالين سوف يفلح في وقف الحرب؟ خاصة أن أمريكا والمبعوثين الأوروبيين يعتقدون أن المفاوضات بين الجنرالين وجها لوجه هو الطريق الأمثل الذي سوف يؤدي إلى وقف الحرب خاصة أن الميليشيا قد فقدت السيطرة على قواتها على الأرض، وبالتالي تحتاج إلي قائدها لكي يساعد على السيطرة عليها.. هل هذه رغبة المليشيا أم رغبة الأمارات؟
الحوار بصوت عال مسألة ضرورية بين مثقفي التيارات الأخرى إلى جانب النخب السياسية بحثا عن الحلول للأزمات المتلاحقة للمشكل السوداني.. لكن السؤال نفسه هل أمريكا نفسها وسيطا نزيها يمكن الاعتماد عليه؟ أن تاريخ العلاقة بين السودان وأمريكا يشير لعدم الثقة في علاقة البلدين، ليس فقط في مرحلة الإنقاذ، ولكن قبل الانقاذ و خاصة في الديمقراطية الثالثة. التجارب تؤكد أن أمريكا دائما تبحث عن مصالحها الذاتية في المقام الأول، دون مراعاة لمصالح الآخرين، و هل أمريكا نفسها هي بعيدة عن محاولة الانقلاب التي قامت بها المليشيا وفشل الانقلاب كان سببا في الحرب المستمرة الآن.. وهل أمريكا ليس لها علم أن الامارات هي التي تدعم المليشيا بالسلاح و كل العتاد المطلوب في الحرب؟ ولماذا أمريكا همها الأول هو إيجاد مخرجا للامارات حتى لا تقع تحت طائلة القانون الدولي..
إن إصرار الرباعية التي كانت تقودها أمريكا الرهان على مجموعة بعينها في فترة “الإتفاق الإطاري” دون النظر إلى المكونات الأخرى، اليست هي التي قادت إلى الحرب، هنا يأتي الخوف، أن تكون مجهودات أمريكا الهدف منها الوصول لعملية “تسوية” بين الجيش و المليشيا لكي تعيد أجندة ” الاتفاق الإطاري” بذات الكيفية التي كان عليها.. وهذا هو الذي تريده دولة الإمارات وساعيه إليه، و لا يمكن أن تعتبر دولة أحد الفاعلين الذين قادوا الحرب وفي نفس الوقت أن تكون وسيطا نزيها..
المشكل يا دكتور الواثق في القوى السياسية التي تنتظر دائما الخارج أن يأتي لها بالحلول. كان ” الإتفاق الإطاري” فكرة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي ” مولي في” و لم تستطيع القوى السياسية إدارته بجدارة، نظرت إليه بأنه يمثل آليتها للسلطة.. و بعد الحرب أكتشفت أمريكا و الاتحاد الأوروبي أن قيادات الإطاري أصبحت غير مقبولة شعبيا، فجاءت وزارة الخارجية الأمريكية بفكرة “تقدم” و قيادات مستقلة، وأيضا فشلوا في إدارتها بتوقيعهم على إعلان سياسي مع المليشيا في أديس أبابا.. ومجموعة أخرى مغايرة عينها أيضا على السلطة بديلا لمجموعة ” تقدم و قحت المركزي”. إذا التفاوض سوف يكون محصورا في العمل العسكري بعيدا عن السياسي، وبالتالي مستقبل العمل السياسي يتحدد مساره بنتائج التفاوض إذا تم بين الجانبين. ولا اعتقد أن هناك قوى سياسية تستطيع أن تدخل حوارا كما تطالبهم، و هؤلاء لا يملكون أي تصورات للحل غير الصعود للسلطة. نسأل الله حسن البصير.