عادل عبدالرحمن عمر
مازال التغيير الذي حدث في مكتب رئيس مجلس السيادة ساخناً ويتفاعل على مستويات متعددة، حيث تناولته بعض مواقع التواصل الاجتماعي بكيد شديد أو لؤم متعمد أو تواطؤ غريب، وأعتقد أن كل هذا من إنتاج بعض المخيلات المكدسة بشائعات كثيفة، وجله منطلق من ذاكرة مرتابة كان بطلها “الفريق” طه عثمان مدير مكاتب الرئيس السابق عمر البشير، حيث ظهرت وأخرجت في تلك الحقبة سيناريوهات خطيرة إثر تمدد مدير المكتب وتجاوزه لمؤسسات الدولة المعنية في شؤون شتى، مما سبب خللاً كبيراً تجاوز مداه إلى مسائل تقع في صميم أمن الدولة وصارت سيرة طه تخيف البعض أو تزعج البعض الآخر مما جعل مكتب الرئيس مكشوفاً إلى حد كبير للإعلام وبعض أخباره يجري التندر بها. وأكثر الإصابات المباشرة التي دخلت مرمى السودان هو قرار قطع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية الذي يعرف الكثيرون كيف حدث.. وكل تلك التركة الثقيلة تُستصحب في الأذهان حين يتناول الجمهور أي نوع من التغييرات في مكتب الرئيس.
هذه الفذلكة التاريخية صارت لازمة للحديث عن هذه المكاتب المهمة في الدولة، إلا أنني أجد أن الفريق الصادق إسماعيل محمود مختلف جداً من الفريق طه عثمان، فالأول خلفيته عسكرية تماماً أما الثاني فله إرث حزبي متذبذب صعوداً وهبوطاً حيث لا مقارنة تماماً بينهما، فالفريق الصادق أول دفعته (36) حامل السيف وسيرته العسكرية تتسم بالانضباط والصرامة والاعتدال.
ومن أقدار الله أننا تزاملنا سوياً في سفارة السودان بالأردن حيث كان ملحقاً عسكرياً بينما أنا كنت ملحقاً إعلامياً، ومن ثم نمت بيننا علاقة متميزة يسودها الإخاء والدفء والمودة العامرة.
ذات مرة ناداني السفير المرموق عثمان نافع حمد وسألني عن موضوع ما أو بالأحرى استشارني في مسألة ما، وقبل أن يسترسل سألني هل تكون (عادلاً مثل اسمك) و من هذا سأحاول أن أجتهد حتى أقرب صورة الفريق الصادق للرأي العام ما استطعت لذلك سبيلاً، وليعذرني إن لم أستشره في ذلك.
فالصادق يتميز بمزاج معتدل غالب الأوقات وهو دائم الابتسام ولا تجد في أشد المواقف صعوبة أو مرارة غير تلك الابتسامة والاعتدال النفسي، فطيلة الفترة التي عاشرته – وقد امتدت العلاقة بيننا حتى بعد أن غادر كلانا ملحقيته – لم أجده غاضباً أو متعكراً أو منزعجاً وهذا في تقديري منحة إلهية فهو يحترم الكبير والصغير في آن واحد ولا يفرق بينهما والزملاء والأصدقاء وأهل الاختصاص وغيرهم بذات اللياقة النفسية من ابتسام وهدوء و هذا أمر محير جداً بالنسبة لي وللكثيرين، ثم من الأمور أنه مهما كانت درجة القرابة أو الصلة بك لا يتحدث مطلقاً عن قضايا تخص المكتب أو العمل الذي يعمل به، أزعم بأنني كنت أقرب إليه من كثيرين ولكنه لا يتحدث عن تلك المواضيع مطلقاً، ولقد احترمت هذه الصفة فيه ولم أبادر بالأسئلة التي تشغل الصحفي من (شمارات) أو هموم كبرى لأنني أعرف أنه لن يجيبني على سؤال مباشر أو غير مباشر بشأن ما يحدث في محيط عمله.
ولذا مرت فترة رئاسة الصادق لمكتب الرئيس بسلام من دون أي قنابل موقوته أو مفاجأت حرجة، كل هذا حدث في وقت استثنائي جداً حيث صوبت قوى الحرية والتغيير مدفعيتها على قيادة الجيش ومرت تلك الخمس سنوات بمراحل شديدة الالتهاب مست كل أرجاء الدولة السودانية، إلا أن مكتب السيد رئيس مجلس السيادة احتفظ بهدوئه ووقاره وسريته التامة وفي تقديري أن الفضل يعود ل الفريق الصادق ومن ورائه مساعدوه، فإخراج المكتب في فضاء مختلف وبعيداً من آثار الانفجارات والشظايا يعود كل هذا لطبع للفريق الصادق المتجذر في شخصيته وهويته وانضباطه العسكري.
أدعي أنني رأيت الصادق وعاشرته في مواقف شتى فهو لا ينتمى إلى حزب معين ولا حتى قبيلة معينة ولا يستصغر أحداً ولا يطبل لأحد، قد يعتقد البعض أنني أصف الرجل بصفات ليست فيه ولكن كل من عرف الفريق الصادق أو عاشره يوماً يدرك هذه الصفات فيه وبدون استثناء الصغير والكبير والمهم وغير المهم والذي له شأن والذي ينتمي إلى طبقات المجتمع الدنيا، كلهم سواء يحترمهم ويعاملهم المعاملة اللائقة.
الفريق الصادق ينتمي لسلاح المدفعية وهو شديد الاعتداد بذلك، وله مواقف طريفة وحميمة حين ما جاءنا الفريق أول شهيد ياسر فضل الله وهو من أبناء الدفعة 39 فذكر لي بحماس ملحوظ أنه من سلاح المدفعية.
من أيامنا الجميلة التي تحفظ لنا الوداد والعمل الصالح كانت (بيت القراصة) الذي نهضت به الملحقية العسكرية بالأردن وقد نال شهرته ولمّ السودانيين المرضى وأقربائهم وأكرمهم بالقليل الكثير ولذا سمي (بيت القراصة) لأنها الوجبة الرئيسية فيه. وعلى أيامه ملحقاً هناك اتسعت ونالت شهرة وكان حريصاً على مناداة السودانيين من مستشفيات الأردن لتناول وجبة الإفطار يوم الجمعة من كل أسبوع حتى صار منارة وقبلة يحتفي بها الجميع.
تعرفت بعد ذلك على طيف واسع من قادة وضباط وجنود الجيش الذين يأتون للأردن للدراسة لدورتي الحرب العليا والدفاع أو العلاج وعلى قيادة القوات المسلحة التي كانت تهتم بهذا المنشط الاجتماعي لمّا يؤديه من خدمة مؤثرة على قطاع من السودانيين، وتوجد به مضافة لبعض المنسوبين للجيش.
الأقرب عندي للذي حدث من ترقية استثنائية للواء الصادق إلى درجة الفريق وتعيين العميد عادل سبدرات مكانه يقرأ على احتمالات متعددة واحدة منها انتهاء فترة (اللواء) الصادق في مكتب رئيس مجلس السيادة، أما الترقية فتدل دلالة قاطعة على ثقة البرهان في مدير مكتبه السابق الذي حمل عبء المكتب في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد وأحداث عاصفة ومرهقة مرت بها البلاد وأدت لهذه الحرب الوجودية على الدولة السودانية. وقد كان من الممكن أن يُرقى ويُحال إلى المعاش ولكن نظرة رئيس مجلس السيادة إلى الفريق الصادق تبدو بعيدة حيث كلفه بمهمة المبعوث الرئاسي والشخصي له، مما يدحض الأقاويل والشائعات وزبد الأحاديث التي لا تنفع الناس.
ومن المؤكد أن الفريق الصادق سيقبل على تكليفه الجديد بهمة ومهارة فائقة من غير تمدد على مؤسساتٍ قائمة لهذا الشأن، فالمهمة واضحة ومحددة.
لا علم لي بأن العميد ركن عادل سبدرات كان من ضمن أفراد مكتب السيد الرئيس لكن من المتوقع أنه عمل فترة مقدرة تحت إمرة اللواء سابقاً الصادق، وفي تقديري أنه سيمضي على طريقة سلفه في الانضباط والهدوء مع إضافات خاصة ومستحدثة تخصه.
إذا أجرينا استطلاعاً على عينة عشوائية ستتضاءل كلماتي التي ذكرتها عن الفريق الصادق وتظهر العديد من الميزات والصفات التي تجاوزتها حياء حتى لا أدخل نفسي في حيز الانحياز الكامل له، فما ذكرته قليل وقليلٌ جدا.
عذراً للفريق الصادق إسماعيل أعلم إنه لا يحب الأضواء الكاشفة عليه ولقد قصمت ظهره ببذل طريقته وأخلاقه لكن حينما تنتاشك أقلام بعيدة كل البعد عن معرفة الحقيقة وتنتشر الافتراءات كالنار في الهشيم يجعلنا ندلي بدلونا لإجلاء الحقيقة فقط لا غير.