رأي

الصندوق الأبيض للفِراسة والاستخبارات الفريق طيار الفاتح عروة

عبدالعزيز يعقوب

(١) الفِراسة بين التراث والعِلم

الفِراسة عند العرب علمٌ قديم، اعتمد على قدرة الإنسان في تنمية مهاراته لمعرفة الناس من خلال تعابير الوجه، وطريقة الكلام، ولغة الجسد، ونبرة الصوت، وسلوك الفرد. وكان الهدف منها تمييز كفاءة الشخص، ونواياه، وصدقه، وكذبه، وخيانته.

ولم تكن الفِراسة حكرًا على العرب وحدهم، فقد كتب عنها جالينوس في الطب اليوناني، وتحدث عنها أرسطو، مشيرَين إلى علاقة ملامح الوجه بالشخصية. كما قال الإمام الشافعي:
“من تفقّه ولم يتفرّس، فقد تَقصّى عن العلم بابًا عظيمًا.”
كما ألّف ابن القيم الجوزية كتابًا كاملًا بعنوان “الفِراسة”.

أما العلوم الحديثة، فلم تُهمل الفِراسة، بل طوّرتها وجعلتها جزءًا من المنظومة الاستخبارية. فالعِلم، بطبيعته، لا يعتمد على ما لا يمكن قياسه، لذا اعتمد العلماء على الإحصاء، وتطبيقات الرياضيات والتجريب، وعِلم النفس، والعلوم الاجتماعية والذكاء الاصطناعي، وتقنيات كشف الكذب وغيرها، وكلها امتداد منهجي لهذا العلم القديم.

كلا النظامين – الفِراسة والاستخبارات – يعتمدان على القراءة غير المباشرة للسلوك الإنساني: الكذب، التردّد، الخوف، والخيانة.
لكنّ الفارق الجوهري أن الفِراسة تُصدر أحكامًا سريعة، مستندة إلى نور البصيرة والفِطنة، بينما يعتمد العِلم على التحليل المنهجي، وبناء ملفات متكاملة من مختلف الزوايا.

(٢) رثاء الفاتح عروة

نَعَى الناعي سعادة الفريق طيّار الفاتح عروة، الذي وافته المنيّة بعد صراع مع المرض، لم يستسلم له لحظة، مؤمنًا بقضاء الله، محتسبًا مرضه طُهورًا وأجرًا.

ارتبط اسم الفاتح عروة بالعمل الأمني والاستخباري، كقائد عمليات استخبارية من طراز فريد، جمع بين الموهبة والاحتراف، إلى جانب تميّزه في الإدارة، علوم الطيران وتكنولوجيا الحاسوب، والاتصالات.

خلال فترة عمله مستشارًا لرئيس الجمهورية في الشؤون الأمنية، أسّس مع آخرين مداخل للتفكير والعمل الاستراتيجي، كانت بمثابة مَشرَع للهداية والتوجيه والنُصرة. جُمعت فيه المعلومات، وحُلّلت، وقُدّمت في تقارير دورية تُمكّن قيادة الدولة من اتخاذ القرارات الرشيدة بمنهج علمي. كما ساهم في تبادل الخبرات، ونشر الأفكار، ومناصرة المستضعفين في الأرض، طامحًا إلى حياة أفضل لهم ولشعبنا وهداية إلى الصراط المستقيم.

وقد فتحوا بذلك أبوابًا للخير، ونصرةً للمستضعفين، حاملين مشاعل الحق التي تنير دروب الهداية، متحدين بها حدود الجغرافيا، ساعين إلى توحيد القبلة والمنهج والرؤية.

الرحمة لـعابد الله الحق، ونسأل الله أن يتقبّله القَبول الحسن، وأن يُنقّيه من الخطايا كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدنس.
وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى