رأي

الشمول المالي: لماذا ؟ وكيف؟ وبأي اتجاه؟ (6/6)

عادل الباز

اختتمتُ الحلقة الماضية من سلسلة هذه المقالات، التي طالت أكثر مما توقعت، بالسؤال: ما المطلوب من الدولة لقيادة مسار الشمول المالي والتحول الرقمي لتحقيق الاتجاهات الثلاثة التي حددناها في الحلقة السابقة، وهي: النمو الاقتصادي، ومحاربة الفقر، وتحقيق العدالة؟
الإجابة: نحن بحاجة إلى “استراتيجية وطنية شاملة للتحول الرقمي”، ونعني بها خطة طويلة الأجل تتبناها الدولة، تهدف إلى تحويل الاقتصاد والمجتمع من النمط التقليدي إلى نمط رقمي متكامل، بحيث تُستخدم التكنولوجيا الرقمية في كل القطاعات (الحكومة، التعليم، الصحة، التجارة، الزراعة… إلخ)، ويكون المواطن جزءًا فاعلًا في هذا التحول.
2
في ورقته التي استعرضناها في الحلقة الثانية من هذه المقالات، خلص الدكتور خالد إلى الدعوة لاستراتيجية وطنية شاملة للتحول الرقمي، واقترح أن تكون هذه الاستراتيجية مرجعية رسمية حاملة لتوجه فكر وممارسات الدولة وشركاء المصلحة نحو هدف مشترك.
تبرز الحاجة الملحة لاعتماد استراتيجية وطنية شاملة للتحول الرقمي، بوصفها خطوة مفصلية نحو بناء دولة حديثة تستند إلى المعرفة والتقنية، وتعزز الشمول المالي وتوسع من فرص الوصول للخدمات.
وهنا، أحاول أن اقدم ملامحَ لرؤيةٍ مبسطة لتلك الاستراتيجية التي أشار إليها د. خالد.
ملامح الاستراتيجية المقترحة:
الاستراتيجية تهدف للوصول لـ: “سودان رقمي مزدهر، يُمكّن مواطنيه من الوصول إلى خدمات عادلة وآمنة، ويعزز الابتكار والنمو في بيئة شاملة ومستدامة”، وتتأسس هذه الرؤية على ست ركائز أساسية:
الحوكمة والتشريعات: تحديث القوانين وتأسيس مجلس وطني للتحول الرقمي.
البنية التحتية: توسيع تغطية الإنترنت والطاقة في جميع أنحاء البلاد.
الخدمات الحكومية الذكية: رقمنة القطاعات الأساسية مثل التعليم، الصحة، والتسجيل المدني.
الشمول المالي الرقمي: تطوير منصة موحدة للدفع مثل (سدد SSD)، مع إتاحة الفرصة للمنصات التي تنشئها البنوك بالتحالف مع شركات الاتصالات بطريقة مستقلة، ودعم حلول الهواتف غير الذكية (USSD).
بناء القدرات الرقمية: دمج المهارات الرقمية في التعليم العام، وتدريب الكوادر في جميع القطاعات.
تشجيع الابتكار المالي: تأسيس صندوق (Fintech Sandbox) لتشجيع الشركات الناشئة على اختبار حلولها الرقمية في بيئة تنظيمية مرنة وآمنة.
وذلك مع توفر الإرادة السياسية، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية بوصفها مشروعًا مستدامًا، لا موسميًا.
3
ولتنفيذ هذه الاستراتيجية، لا بد من إنشاء مجلس وطني أعلى للتحول الرقمي، يتبع مباشرة لمجلس الوزراء أو رئاسة الدولة. ويضم ممثلين من الوزارات ذات الصلة (المالية، الاتصالات، التعليم، العدل، الطاقة…)، إضافةً إلى ممثلين من القطاع الخاص والمجتمع المدني. تكون مهمته قيادة الرؤية، وتنسيق الجهود، ورسم السياسات العامة المتعلقة بالتحول الرقمي.
4
بطبيعة الحال، لن تتمكن الدولة وحدها من إنفاذ هذه الركائز؛ فالتنفيذ يتطلب شراكة فعالة بين الحكومة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والجهات الدولية مثل البنك الدولي، وصندوق النقد العربي، والاتحاد الأوروبي. كذلك، من المهم أن يُمنح الشباب والمجتمع الأكاديمي دورًا محوريًا في صياغة هذه الرؤية وتنفيذها على أرض الواقع.
5
أخيرًا، يمكنني القول إن التحول الرقمي ليس مشروعًا تقنيًا بحتًا، بل هو مشروع نهضوي شامل. إن الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي ليست مجرد وثيقة توجيهية، بل أداة لإعادة صياغة العلاقة بين المواطن والدولة، وتحقيق العدالة في الوصول إلى الخدمات، وفتح أبواب جديدة للنمو الاقتصادي والاجتماعي.
إذا كنا نطمح إلى سودان يتجاوز أزماته ويواكب العصر، فلا بد أن تكون الرقمنة هي العربة التي تقود هذا الانتقال، والشمول المالي هو بوابته الأوسع.
انتهت الحكاية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى