السودان: أبوظبي تسعى لتعزيز علاقاتها مع الجنرال البرهان

الأحداث – وكالات
منذ أن استعادت القوات المسلحة السودانية السيطرة العسكرية واسترجعت الخرطوم في أبريل، بدأت الإمارات العربية المتحدة في محاولة إعادة التواصل مع السلطات في العاصمة الفعلية للبلاد، إلا أن هذه السلطات لا تزال تحافظ على مسافة من تلك الجهود.
في 12 مايو، جرى التخطيط لعقد اجتماع سري في مدينة شرم الشيخ الساحلية بمصر، بين وفد من الجيش السوداني (القوات المسلحة السودانية) وممثلين عن الإمارات، وهي الدولة التي كان لها التأثير الأكبر في الصراع السوداني. كان من الممكن أن يكون هذا اللقاء الأول من نوعه منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، لكن القوات المسلحة السودانية رفضت الحضور، ولم يُعقد الاجتماع.
جاءت هذه المحاولة للتقارب بين الجنرال عبد الفتاح البرهان وسلطات أبوظبي — التي يتهمها بدعم قوات الدعم السريع — بمبادرة من جامعة الدول العربية. وقد سعت الجامعة، بقيادة المصري أحمد أبو الغيط، إلى جمع الطرفين المتصارعين قبل قمتها المنعقدة في بغداد في 17 مايو، في خطوة اعتبرتها أساسية نحو التهدئة.
رأت الجامعة العربية أن اللقاء يأتي في توقيت حرج، خاصة مع تعرض بورتسودان — العاصمة الفعلية — لهجمات بطائرات مسيّرة من قبل قوات الدعم السريع لمدة ستة أيام متتالية من 4 إلى 10 مايو. وفي 19 مايو، اتهم السودان رسميًا، عبر ممثله لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس، دولة الإمارات بتنفيذ تلك الغارات الجوية.
مطالب إماراتية غير واقعية
وفقًا لعدد من الدبلوماسيين، فإن رفض الجيش السوداني المشاركة في الاجتماع يعود بالأساس إلى الشروط المسبقة التي وضعتها الإمارات، والتي اعتبرها الجيش مبالغًا فيها. من بين هذه الشروط، طلبت الإمارات أولًا تأكيدًا على إقصاء الإسلاميين من حكومة البرهان، إضافة إلى اشتراطها إعادة إحياء مشاريع استثمارية ضخمة كانت قد أعلنت قبل الحرب. من بين هذه المشاريع: استثمار بقيمة 6 مليارات دولار لبناء ميناء ومنطقة تجارة في أبو عمامة على البحر الأحمر، وكذلك مشاريع زراعية في منطقتين تقعان حاليًا تحت سيطرة الجيش السوداني في الفشقة، على الحدود الإثيوبية. وترى حكومة بورتسودان أن هذه المطالب غير واقعية.
وعلى الرغم من أن الجيش السوداني استعاد الخرطوم وعدة مناطق في دارفور وكردفان ضمن هجوم مضاد طويل، إلا أنه لا يزال يرفض الدخول في حوار مع دولة يعتبرها خصمًا، لا سيما وأن أبوظبي تواصل دعم قوات حميدتي بالأسلحة والمرتزقة عبر شبكة إمداد معقدة.
آخر اتصال رسمي وفشل الوساطات
كان آخر تواصل رسمي بين الطرفين في يوليو الماضي، عقب زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى بورتسودان، حيث قدّم نفسه وسيطًا بين البرهان ورئيس الإمارات محمد بن زايد. إلا أن المكالمة الهاتفية التي تلت ذلك، والتي كان من المفترض أن تبقى سرية، تحوّلت إلى فشل دبلوماسي. ومنذ ذلك الحين، أطلقت السلطات السودانية حملة علنية ضد الإمارات، كان آخر فصولها الدعوى القضائية (التي رُفضت) أمام محكمة العدل الدولية بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية.
الروابط الاقتصادية مستمرة
منذ يوليو، فشلت جميع محاولات الوساطة بين بورتسودان وأبوظبي، بما في ذلك محاولة تركية لإدراج السودان في حوار ثنائي مع الإمارات في أبريل. ومع ذلك، لا تزال الإمارات تحاول فتح قناة تواصل مع الجيش السوداني، رغم دعمها لقوات الدعم السريع، إذ لم تتوقف الروابط التجارية بالكامل.
فعلى الرغم من التوتر الدبلوماسي، لا يزال جزء من الذهب القادم من مناطق خاضعة لحكومة بورتسودان يُصدّر إلى دبي، كما أكد وزير المالية جبريل إبراهيم. بالإضافة إلى ذلك، فإن بنك الخرطوم — أكبر بنك تجاري في السودان وتعتمد عليه حكومة بورتسودان في عمليات التصدير والاستيراد — يملك فيه بنك دبي الإسلامي حصة.
ومن وجهة نظر أبوظبي، فإن إعادة فتح قنوات الاتصال مع بورتسودان تشكّل أيضًا خطوة تحضيرية في حال تعرّضت قوات الدعم السريع لانتكاسات عسكرية جديدة في كردفان ودارفور، خاصة وأن تلك القوات تعاني من غياب الاعتراف الدولي، ولم تستطع تشكيل إدارة فعلية رغم سلسلة اجتماعات في العاصمة الكينية نيروبي ضمن ما يُعرف بتحالف “تأسيس”.