السمعة السيئة للإمارات تفشل صفقة بيع “التلغراف” البريطانية

انسحاب RedBird يفتح معركة أكبر حول النفوذ الأجنبي في الإعلام البريطاني

أعادت التطورات الدراماتيكية في صفقة الاستحواذ على Telegraph Media Group النقاش البريطاني حول حدود النفوذ الأجنبي في المؤسسات الصحفية. ورغم تعدد العوامل التي أدت إلى انهيار الصفقة، تشير مصادر مطلعة إلى أن الدور الإماراتي كان المحور الحاسم الذي جعل تمرير أي عرض مرتبط بأبوظبي شبه مستحيل سياسيًا وتنظيميًا.

في خطوة مفاجئة، أعلنت شركة RedBird Capital Partners الأمريكية انسحابها من العرض الذي بلغت قيمته 500 مليون جنيه إسترليني، والذي كانت تقدّمه بالشراكة مع شركة IMI—إحدى الأذرع الإعلامية للدولة الإماراتية. وجاء الانسحاب بعدما أصبح واضحًا أن العرض سيواجه تدقيقًا تنظيميًا غير مسبوق من أوفكوم وهيئة المنافسة والأسواق، إضافة إلى ضغط متصاعد من البرلمان ودوائر حكومية متعددة.

وقالت RedBird في بيانها:

“لقد سحبنا عرضنا للتلغراف اليوم. ما زلنا واثقين في مستقبل المؤسسة وسنعمل بما يخدم مصلحة العاملين والقراء.”

ورغم محاولة RedBird إعادة تشكيل العرض وتقليص دور IMI إلى “حصة سلبية” لا تتجاوز 15%، إلا أن المشكلة—وفق تقييم الجهات التنظيمية—لم تكن في حجم الحصة بل في هوية المالك. فوجود دولة ذات نشاط سياسي وأمني مكثف في الشرق الأوسط داخل ملكية صحيفة بريطانية مؤثرة أثار مخاوف واسعة حول الاستقلال التحريري.

خشية من نفوذ دولة أجنبية داخل غرفة الأخبار

داخل غرفة تحرير التلغراف نفسها، برزت اعتراضات صريحة من كبار المحررين، بمن فيهم رئيس التحرير كريس إيفانز، الذي قال للموظفين:

“كان من الواضح أن كبار المحررين وكثيرًا من كتّابنا لديهم مخاوف بشأن هذا العرض… التلغراف تستحق مالكًا يهتم بالصحافة ويستثمر فيها.”

ويرى مراقبون أن وجود دولة—حتى لو كانت “حليفة”—في بنية الملكية الإعلامية يمسّ جوهر استقلال الصحافة البريطانية، خصوصًا في ظل قوانين جديدة تستهدف الحد من تأثير الحكومات الأجنبية على الإعلام الوطني.

توتر سياسي بين لندن وأبوظبي

تسببت الصفقة في حساسية سياسية كبيرة داخل الحكومة البريطانية. وقد بلغ الأمر درجة دفعت رئيس الوزراء كير ستارمر إلى الاتصال مباشرة بالشيخ محمد بن زايد وسط أجواء خلافية واضحة.

ووفقًا لداونينغ ستريت، أكد ستارمر “أهمية العلاقة مع الإمارات”، لكنه لم ينجح في نزع الشكوك المتعلقة بتأثير الاستحواذ على حرية الصحافة. وفي المقابل، كانت الوزيرة ليزا ناندي تعلن بوضوح:

“سندرس أي صفقة بعقل منفتح… لكن بهدف حماية المصلحة العامة وصحافة عالية الجودة.”

تاريخ من الاعتراضات على النفوذ الإماراتي

الصفقة الحالية لم تكن الأولى التي تصطدم بجدار الرفض. ففي ربيع 2024، أحبط البرلمان البريطاني—بشكل عابر للأحزاب—محاولة مماثلة من RedBird وIMI بسبب المخاوف المتعلقة بحرية التعبير وتأثير دولة أجنبية على صحيفة سياسية رائدة.

ولم يكن النفوذ الإماراتي وحده سبب الاعتراض؛ إذ واجهت RedBird أيضًا انتقادات بسبب علاقات رئيسها جون ثورنتون بالحزب الشيوعي الصيني، ما أثار مخاوف إضافية لدى جماعات حقوقية.

ما الذي يحدث الآن؟

رغم انسحاب RedBird من العرض المُعدل، فإن العرض الأصلي الممول إماراتيًا بصورة أكبر ما يزال قائمًا تنظيميًا، ما يضع الحكومة أمام خيارين:

1. رفض العرض وتحريك مزاد عام تشرف عليه هيئة المنافسة والأسواق.

2. قبول عرض بديل في حال ظهر مشترٍ يتجنب التمويل الإماراتي.

وقالت IMI إنها “ما زالت على تواصل مع أطراف أخرى” وإن الاهتمام بالصفقة “قوي”، لكنها لم تفصح عن هوية أي مشترٍ جديد.

أما اللورد يونغ، الناشط في مجال حرية التعبير، فقال:

“هذه أخبار جيدة… لا ينبغي للدول الأجنبية أن تؤثر على الصحافة البريطانية. يجب بيع التلغراف في مزاد شفاف تشرف عليه هيئة المنافسة.”

خلاصة المشهد

تؤكد كل التطورات أن المشكلة لم تكن مالية أو تقنية، بل سياسية في المقام الأول:

وجود دولة مثل الإمارات—ذات سجل مثير للجدل في مراقبة الإعلام واستخدام النفوذ السياسي عبر الاستثمارات—كان كافيًا لنسف الصفقة بالكامل.

ويبدو أن لندن ترسل رسالة واضحة:

الصحافة البريطانية ليست للبيع لدول أجنبية، مهما كانت العلاقات متينة.

وفي انتظار الخطوة التالية، يبقى مستقبل التلغراف مفتوحًا على سيناريوهات عدة، أبرزها البيع في مزاد خاضع للرقابة الحكومية، مع إصرار واسع داخل المؤسسة وخارجها على أن تكون الملكية الجديدة بمنأى عن أي نفوذ سياسي أجنبي.

Exit mobile version