الأخ الأستاذ عادل الباز:
أراك قد جعلت “ابتسامة العمامرة في أوضاع مكفهرة” عنواناً لمقالك عالي القيمة والأهمية، حول موضوع المبعوثين الدوليين، كان الراحل المقيم الأستاذ حسن ساتي يقول عن المدن الساحلية: إن النساء فيها يلدن بأعين جميلة، بينما يتصف رجال تلك المدن بالابتسام الواثق، ولعل السيد العمامرة المولود بولاية بجاية الساحلية في شرق الجزائر، قد أفتى بابتساماته أمام كاميرات التلفزة، بمصدر تلك الابتسامة التى لفتت أنظار المتابعين وسط أجواء مكفهرة، رغم أن ابتسامات الدبلوماسيين، تخفي خلفها بحراً غضوباً من عدم اليقين، وليست كما توخى شاعرنا على عبد القيوم في:”بسيماتك تخلى الدنيا شمسية ..بغمزة طفلة تتشرا.. وتتصرا.. إذا ضاريتي بالأبنوس سنيناتك”..
وبدون الدخول في تفصيلات مهمته فإن ظهور العمامرة خلافاً لمبعوثين سابقين، قد استدعى فيضاً من مشاعر وصل موجبة في المخيال الشعبي، منذ أن صدح تاج السر الحسن وعبد الكريم الكابلي في “آسيا وأفريقيا”: يا جزائر.. ها هنا يختلط القوس الموشى.. من كل دار كل ممشى”، ومنذ أن غنى كابلي: لـ” أغلى من لؤلؤة بضة.. صيدت من شط البحرين.. لم تبلغ سن العشرين واختارت جيش التحرير”، بل أن تلك الوشائج قديمة قدم تاريخ البلدين.
ودور السودان المشهود في دعم حركة التحرير الجزائرية، وهو مشروع توثيقي متكامل تعمل لإنجازه سفيرتنا النابهة هناك نادية محمد خير عثمان،استدعى ظهور العمامرة أيضاً انخراطاً سابقاً لدبلوماسيين جزائريين في شأننا السوداني، إذ كان الأمين العام الأسبق كوفي عنان قد ابتعث السفير محمد سحنون للسودان ودول المنطقة، في مهمة لتقصي مسار اتفاقية السلام الشامل، ودور الأمم المتحدة فيها، وجاءنا السفير محمد سحنون قبل ذلك أيضاً مبعوثاً لبحث آثار قرارات مجلس الأمن ضد السودان، التي كان قد اعتمدها عقب اتهام السودان بضلوع في حادثة أديس أبابا، حيث أعد السيد سحنون تقريراً أوضح الآثار والتبعات الكارثية لاقتراح حظر سودانير في بلد مترامي الأطراف، يلعب فيه النقل الجوي دوراً رئيسياً فى نقل المستلزمات الضرورية للمواطنين، وقد كان لتقرير السيد محمد سحنون أثره في أن يرفع مجلس الأمن عقوباته عن السودان ..
يحدثك ساسة الجزائر بإعجاب عن السودان، ودوره، وكان الأخضر الإبراهيمي قد اختار الأستاذ أمين مكي مدني كنائب له، عندما كان الإبراهيمي ممثلاً للأمم المتحدة في أفغانستان، وعلى الرغم من أن الإلمام المسبق بمشكلات البلد ليست العامل الحاسم والوحيد في نجاح المبعوث من عدمه، إلا أن للسيد العمامرة معرفة طيبة بمشكلات السودان من خلال عمله ثلاث مرات وزيراً لخارجية الجزائر، ومفوضاً للأمن والسلم بالاتحاد الأفريقي خلال ٢٠٠٨ /٢٠١٣، كما كان قد زار السودان في يوليو ٢٠٢١ طارحاً مبادرة جزائرية لحل مشكلة سد النهضة، هذا إلى جانب تفاعله المستمر مع شواغل السودان المختلفة في اجتماعات المنظمات الدولية والإقليمية.
وكما هو معلوم فإن للعمامرة تجارب وخبرات ثرة على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية، فقد عمل سفيراً لبلاده لدى الأمم المتحدة بنيويورك، وسفيراً للجزائر بواشنطن وأديس أبابا وجيبوتي ولشبونة وفيينا، وعمل مبعوثاً أممياً لدى ليبيريا، واختاره أمين عام الأمم المتحدة غوتيريس مبعوثاً لليبيا قبل أن يسحب العمامرة موافقته، وسجلت جهوده كمبعوث لدى مدغشقر نجاحاً كما يعتبر العمامرة مهندساً لاتفاقية مالي بين حكومتها وحركة ” الأزواد ” في شمال البلاد، وقد سعت جهات دولية للاستفادة من خبراته في قضايا إحلال السلام وحل النزاعات، فعمل لفترات في السابق مع مجموعة الأزمات الدولية، ومع مركز استكهولم للسلام، وللأمم المتحدة التي كثيراً ما تضجرنا منها كارهين وشانئين كثر أبرزهم سفير الولايات المتحدة زمناً بها جون بولتون، الذى كان شديد السخرية منها، فقال إن عادته ستكتمل إذا لملمت الأمم المتحدة أغراضها ورحلت عن بلاده، وقال إنها منظمة تعيسة وغير ذات جدوى، وأنه في حالة إزاحة نصف طوابقها الثمانية وثلاثين فلن يتأثر العالم بشيء.
ومن المآخذ المسجلة على الأمم المتحدة، الفساد وترهل جهازها البيروقراطي حتى أن اختيار المبعوثين نفسه يكتنفه الفساد السياسي، على أيامنا بنيويورك، التقيت في أحد الممرات بإبراهيم قمباري، وزير خارجية نيجيريا الأسبق، مسؤول الإدارة السياسية بالأمانة العامة وقتها، وعلامات الضيق تبدو على محياه، سألته فأجابني: أنه وبرغبة بريطانية تمت إزاحته من موقعه كمبعوث أممي لدى ماينمار، رغم النجاحات التي حققها معللاً ذلك بأن هؤلاء لا يرغبون في رؤية نجاح يحققه أفريقي في تلك المواقع الدولية،.
في الدبلوماسية الحب لوحده “ليس بمبرر كاف”!. وظائف المبعوثين الدوليين أصبحت نفسها مدخلاً للفساد والترضيات وتشغيل الفاقد السياسي والدبلوماسي العالمي ” لحل النزاعات وسك العملة، “.. وأنا أهم بإكمال هذا المقال ورد أن مفوض الاتحاد الأفريقي موسي فكي قد “كمل الناقصة” فقد شكل لجنة قال إنها “رفيعة المستوى” لتسوية الصراع في السودان، بالله عليكم ماذا عساها أن تفعل مثل هذه اللجنة التي لم نسمع لأفرادها إنجازاً في بلدانهم بل إن إعلانها يعكس ضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا، كما يعكس أن إرادتنا الوطنية قد خرجت عن الخدمة.