رأي

الدفاع الشامل ورئيس الوزراء 

 

د. حسن عيسى الطالب

المطلوب اليوم من قيادة الدولة، وبإلحاح حاسم، وكضرورة عملية وواجب طني مُلِّح، إصدار مرسوم بتكليف الولاة بتشكيل مجالس مشورة شعبية، على مستوى الولاية، ولجان مشورة شعبية على مستوى كل محلية، عبر التراضي الوطني العام، للمشاركة والمساهمة في اتخاذ القرارات الإدارية التشريعية والأمنية بالولاية، فما خاب من استشار، والرأي الجمعي أفضل وأبرك وأسلم من رأي الفرد، وقرارات الثلة والشرزمة القليل.

وهذه خطوة ضرورية ومطلوبة نحو المشروعية الدستورية.

فقد افتقدت البلاد فضيلة الشورى والرأي والمشورة الشعبية، وكافة مبادئ وأسس الحكم الراشد، منذ قرارات أبريل 2019م التي تحفظت على رأس النظام، فحلّت المجلس الوطني المنتخب، وأحالت رئيس القضاء، فجرى تهميش المحكمة الدستورية، وانتُهك الدستور، مما أفضى لحالة السيولة الإدارية وتفتيت النسيج الإجتماعي.

إن ما تعانيه البلاد اليوم، من جراء تغوّل الميليشيا الإرهابية العميلة ببندقيتها المستأجرة ومرتزقتها، هو نتيجة طبيعية للتهاون المؤسسي الذي أنتج مصيبة جمعية حاقت بالجميع، ونجمت من جراء تناسي الذين غلبوا على أمرهم عمداً فريضة الشورى، وإسناد الشأن الوطني العام، بما في ذلك إسناد المنصب الثاني الأعلى في هرم الدولة لغير أهله، ممن ليس له كفاءة ولا أهلية، ولا سابق علم ولا دراية بهذا الإختصاص، وهذا هو ضياع الأمانة وخيانة الأمة.

كما أن ترك الشورى، ومن حيث المبدأ، هو أمر خطير ومهلك لبنية الدولة، وتماسك وترابط النسيج الاجتماعي لشعبها، ونذير بتعظيم قيّم الشللية والفساد والإستبداد، والتفتت الجهوي، والنزاع والفشل، نظرا لتغاضيه وتجافيه عن فريضة دينية قطعية الثبوت، وعقيدة تشريعية ثابتة، نصّ عليها الأمر القرآني: “وشاورهم في الأمر” وهو القتال. وظلت الشورى كذلك سنة عملية متواترة، تقرّرت في كل معارك المسلمين الفاصلة، وبين ظهرانيهم وقائدهم هو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، في معارك بدر وفي أُحُد وفي الخندق.

وللأسف، فمنذ الفوضى الإدارية الناشزة، التي فرضت على البلاد، بالقهر الأيدولوجي، والتنابز الفاسق، والتشهير الإعلامي، والإقصاء السياسي، والعمالة الفاضحة، وبالإرتزاق المهين، ورهن مقدرات البلاد لأجندة السفارات الأجنبية، ظلت البلاد بلا هيئات شورى، ولا منصات للمشورة والتشاور، وبلا منظومة للاستشارة الديوانية، بل أضحت تدار شؤونها بالهوى والرأي الفردي، بلا محاسبية ولا شفافية، وبلا مساءلة قانونية.

ظلت بلادنا للأسف تدار بذلكم النمط المخزي المهين على مدى ست سنوات استلهاما لعقلية الناشط اليافع، الساذج سياسيا، والمتخلف إداريا واستراتيجيا الذي فرض هذا الواقع. وما هو ومن يسوقه لحتفه المحتوم، سوى بيادق مستأجرة، لإنفاذ أجندة الأجنبي المعلومة، عبر خيانة وطنهم، وقتل شعبهم، وقطع رحمهم، بعد أن باعوا أعراضهم ودينهم وكل قيّمهم الموروثة بثمن بخس، فأفسدوا في الأرض، وقطّعوا أرحامهم، فباءوا بخزي الدنيا، تطاردهم لعنات الثكالى والمنهوبين، والقتلى المغتصبين، والحزانى المغلوبين.

الحلول المطلوبة اليوم، وبدون تردد ولا تقاعس ولا مجاملة، وفي ظروف التعرض للإستهداف الوجودي الشامل، ومحاولات التصفية والتهجير واحتلال المقدرات، والتهديد المستمر من الميليشيا بقتل وتصفية كل مواطن لا يتماهى مع المخطط الغازي، يستوجب تجييش كل الشعب وبكل فئاته، وفق فقه: “انفروا خفافا وثقالا”؛ وكل في مجال اختصاصه وتخصصه.

ولذا فيتعين، وبصورة فورية وناجزة، وبإشراف السيد رئيس الوزراء المكلف، أن تتشكل في كل محلية وفريق وحارة، وعلى مستوى البلاد، مجموعات قاعدية للدفاع والاستنفار الشعبي. وينبغي أن تُدعم هذه المنظومات القاعدية الشعبية بالمدربين الأكفاء في القوات المسلحة، وفي مجالات الأمن العام، والدفاع المدني والإجتماعي والأهلي، والقيام بمهام التدريب الفني على كافة الأسلحة، واتخاذ هذه التشكيلات بمثابة خطوط دفاع أمامية لكل منطقة ولاية ومحلية، وكموارد إسناد مستدام، واحتياطي شعبي ووطني للسودان.

فلا يمكن أن تُدار البلاد بعد اليوم، وفي الظروف الراهنة، بعقلية الفرد الحاكم المستبد، الذي لا يُري شعبه إلا ما يرى، ولا بمنظور قائد المنطقة العسكرية ذي التخصص العملياتي المحدود. لأن الهمّ العام أكبر من القدرات التنفيذية والعملياتية للحاكم الفرد، مهما بلغت كفاءاته وقدراته، واعتداده بنفسه. ولنا في الهدي الحكيم، والتنزيل الرحيم، والمآثر المعتبرة، وتجارب التاريخ الموثّقة وعواقب الأمم عِبَر وسيّر تعتبر.

نقلا عن موقع “المحقق”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى