“الدعم السريع” في الفاشر: حصارٌ مأساوي، انتهاكات جماعية، وموقف دولي مخجل

دخلت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، منعطفًا تستدعيه جديّة المشهد الإنساني والأزمة الناتجة عن تمرد “الدعم السريع” على الجيش السوداني. بعد حصار يزيد على 18 شهرا، وضربات جوية وبراً من جانب القوات المتمردة المعروفة اختصارا ب (RSF)، الجيش السوداني والقوات المساندة قاموا بعملية إعادة تموضع، الأمر الذي فتح الباب أمام مرحلة جديدة من المشهد السوداني والإقليمي تجعلها قضية رأي عام.
حجم الانتهاكات ضد المدنيين
• وفقًا لمكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أوضح أن “الدعم السريع” الذي تصفه كثير من الأوساط بالمليشيا قد نفّذت هجمات على المدنيين تشمل قصفاً، ضربات بطائرات مسيّرة، وتنفيذ عمليات إعدام ميدانية. مثلاً: بين 5 و8 أكتوبر 2025 قتل ما لا يقل عن 53 مدنيًا في الفاشر نتيجة ضربات في مخيمات ومناطق مأهولة.
• تحقيق مستقل من منظمة Amnesty International أظهر أن المدينة تعاني من حصارٍ جعل الغذاء والماء والرعاية الصحية شبه معدومة، مع تدمير أو نهب أكثر من 90٪ من المنازل حسب شهود خرجوا من المدينة.
• تقرير المهمة الدولية الخاصة بتقصّي الحقائق التابعة للأمم المتحدة خلُص إلى أن ما يحدث في الفاشر ومحيطها قد يرتقي إلى جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل، التعذيب، النزوح القسري، الاستهداف العرقي للمجتمعات مثل الزغاوة والفور والماساليت.
• استهداف البنى التحتية المدنية: مستشفيات، مخيمات نزوح، أسواق. مثلاً مُستشفى الفاشر تعرض لقصف عدة مرات، مع سقوط عشرات القتلى والمصابين.
الخلاصة: المدنيون في الفاشر يعيشون ظرفًا كارثيًا، مع حصار متواصل واستهداف ممنهج للبنى الحياتية، ما يضع المدينة تحت ضغط إنساني هائل وعلى شفا كارثة إنسانية.
أسباب انسحاب الجيش السوداني والقوات المسانِدة
• أعلنت القيادة السودانية أن قرار الانسحاب من الفاشر جاء “لتفادي مزيد من الدمار المدني” بعد تدهور الوضع الإنساني، وقال قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إن قواته قررت الانسحاب حفاظا على أرواح المدنيين.
• الواقع الميداني يشير إلى أن الجيش كان محاصرًا فعليًا منذ أكثر من عام، مع فقدان خطوط إمداد وبوادر تفوق ل”الدعم السريع” في محاور متعددة، خاصة أن الفاشر كانت “الحصن” الأخير للجيش في دارفور.
• كذلك، الاستنزاف اللوجستي والضغط المتزايد على المدنيين أجبر القوات المساندة على إعادة تقييم التواجد، إذ إن استمرار القتال وسط أحياء سكنية مكثفة ينطوي على خسائر كبيرة قد تؤثر على الشرعية العسكرية والسياسية للجيش.
• أخيرًا، هناك تحليل يقول إن الجيش قد فضّل “إعادة التمركز” بدلاً من الانخراط في قتال حضري طويل الأمد، ربما يرى أنه غير مجدٍ من حيث التكلفة البشرية والمادية في ظل الأوضاع الراهنة.
الدعم الخارجي لـ”الدعم السريع”:
الطائرات المسيرة والمعلومات الاستخبارية
• تقارير الأمم المتحدة والمحافل الحقوقية تحذّر من وجود إرسال للطائرات المسيرة وتكنولوجيا رصد حديثة تُستخدم في دارفور، لا سيما حول الفاشر، من جانب ال(RSF). فعلى سبيل المثال، مكتب حقوق الإنسان أشار إلى استخدام الطائرات المسيرة والقصف الجوي ضمن الحصار المُسلّط على الفاشر.
• سجلت مصادر حقوقية أن الحصار ارتبط بتشديد التحكّم في خطوط الهروب والإمداد، ما يدلّ على توفر «معلومات استخبارية» مُمكنة من طرف RSF أو داعمين خارجيين يسهلون الرصد والمراقبة – وإن لم تنشر تفاصيل علنية كاملة عن هذه المصادر حتى الآن.
• في تحليل لعدد من الحالات، ظهرت دلائل على أن RSF تستخدم أنواعًا من القنابل الموجَّهة والطائرات بدون طيار (drones) متطورة، ما يشير إلى دخول أجهزة تكنولوجية عالية التكلفة إلى النزاع.
التوصيف: الدعم الخارجي ليس فقط تسليحا تقليديا، بل يتضمن تكنولوجيا استخباراتية/رصدية متقدمة، ما يمنح RSF ميزة تكتيكية في حصار الفاشر.
الأسلحة البريطانية والأمريكية
المتطوّرة لدى RSF عبر طرف ثالث
• تحقيق نشرته صحيفة The Guardian ومُقدم للـأمم المتحدة أظهر أن معدات بريطانية الصنع (مثل منظومات تدريب الأسلحة ومُحرّكات مدرّعات) تمّ العثور عليها ضمن مواقع RSF في السودان، مع شبهات بأنها وصلت عبر طرف ثالث.
• كما أن تحقيقات عدة (من بينها لـAmnesty) أظهرت أن أسلحة صينية متطوّرة (قنابل موجهة، مدافع 155 مم) وصلت إلى السودان عبر طرف ثالث ودُعمت تقنية الطائرات المسيرة، مما يبسط الرؤية إلى أن أجهزة غربية (بريطانية/أمريكية) ربما دخلت المنظومة عبر تجّار أو وسيط دولي.
• من جهة الولايات المتحدة، تمّ تصنيف RSF رسميًا بأنها ارتكبت “إبادة جماعية” في دارفور بموجب قرار أمريكي مطلع 2025، مع فرض عقوبات على قيادتها لدى تزوّدها بأسلحة وتقنيات من أطراف دولية.
الاستنتاج: هناك دلائل موثوقة على تورط أنظمة تسليح دولية – مباشرة أو عبر وسيط – في النزاع السوداني. حتى إن لم يُعلَن كل مسار التوريد بشكل رسمي، فالمعلومات المتاحة تكفي لإثارة التساؤلات حول التزام الدول المصدّرة بمراقبة أنظمة التصدير والامتثال للقرارات الدولية.
لماذا هذا التكهّن مهم؟ – تداعيات محلية وإقليمية
• سقوط الفاشر بيد RSF قد يُحدث تغيّرًا استراتيجياً في خارطة السيطرة في دارفور، وقد يُعجّل بانفصال فعلي أو تقسيم إداري للمنطقة، في سياق الحرب الأهلية السودانية منذ 2023.
• الأبعاد الإنسانية شديدة: الحصار الطويل والضغط على المدنيين يفتح الباب لخطر مجاعة أو كارثة إنسانية حقيقية – ما قد يستدعي تدخلًا دوليًا عاجلاً.
• البعد القانوني والحقوقي: توثيق الانتهاكات يضع RSF والجهات الداعمة تحت مجهر القضاء الدولي، وقد يُفضي إلى محاسبة أو مطالبات بتجريم الدول المصدّرة للذخائر.
• العلاقة مع السلطات السودانية والتحول السياسي: الانسحاب من الفاشر يُعد تحديا كبيرا لقدرات الجيش والحكومة المعترف بها، ما يمكن أن يؤثر سلبا على أي خطط لوقف اطلاق النار.
توصيات سريعة للصحافة/البحث والقرار
• يجب متابعة قوائم التصدير البريطانية والأمريكية، وإجراء تحقيقات ميدانية حول وجود قطع غيار أو معدات بريطانية/أمريكية في مواقع RSF.
• مراقبة تدفق المساعدات الإنسانية إلى الفاشر، والتحقّق من ممرّات النزوح والمخاطر المحدقة بالنازحين واللاجئين.
• دعوة لمنظمات حقوق الإنسان والقضاء الدولي لمتابعة ملف الانتهاكات في الفاشر والدارفور، وبحث إمكانية إطلاق تحقيقات تحت مظلة محكمة الجنايات الدولية إن توافرت الأدلة الكافية.
• تغطية إعلامية مركّزة على تأثير ونوعية الطائرات المسيرة والدعم الاستخباراتي، لتوضيح كيف تغيّرت طبيعة الحرب في السودان من نزاع تقليدي إلى حرب تكنولوجية/مدنية.
خاتمة
تُعدّ مدينة الفاشر اليوم مختبراً صارخاً لنقلات الحرب والإنسانية في السودان: حصار طويل، سيطرة شبه كاملة لـ RSF، انتهاكات دامغة، ودور خارجي محتمل في تسليح الأطراف. إن تجاهل هذه الأزمة ليس خياراً: فالأثر على المدنيين هائل، والمؤسسة الدولية مُطالَبة بـ ردّ فوري، أما الصحافة والباحثون فعليهم معالجة التفاصيل التقنية (من تسليح إلى ضربات الطائرات المسيرة) بجدّية تكشف الصورة الكاملة للصراع.



