حوار – رحاب عبدالله
أكد الخبير الاقتصادي د.هيثم فتحي أن هناك صعوبات تواجه المواطنين في سحب الأموال من فروع المصارف ببعض الولايات الغير مستقرة، وبها ايضاً صعوبة إرسال أو استقبال الحوالات المصرفية ، إضافة لعدم وجود شبكات اتصالات في تلك المناطق.
وحذر د.هيثم فتحي من انهيار الاقتصاد بصورة كلية ما يؤدي بدوره إلى تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين النازحين بالداخل.
وأشار في حديثه ل(الاحداث) إلى الارتفاع الكبير في أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية كالعدس والأرز بمعدل 400 إلى 600% في عموم البلاد.
وشدد على ضرورة عمل مصفاة ذهب جديدة في المناطق الآمنة وربطها بمناطق الانتاج، لتعظيم قيمة الذهب المنتج محليا باعتبار أن السودان يرسل الذهب إلى الخارج لكي يُعاد صهره وتجميعه طبقا لبورصة لندن للذهب.. المزيد من التفاصيل في إفاداته التالية.
*كيف تنظر للأوضاع الاقتصادية الراهنة في ظل استمرار الحرب وتراجع الإيرادات؟
الشاهد أن هناك انخفاض في إنتاج الحبوب في السودان بمعدل 40% خلال الفترة بين 2022 و2023 ،كذلك نصف السكان في السودان الآن عاطلون عن العمل، بالإضافة إلى أن النظام المصرفي، تأثر كثيرا وهناك صعوبة في سحب الأموال من فروع المصارف ببعض الولايات الغير مستقرة وبها ايضاً صعوبة إرسال أو استقبال الحوالات المصرفية ، إضافة لعدم وجود شبكات اتصالات في تلك المناطق ، كما ارتفعت أسعار المواد الأساسية كالعدس والأرز بمعدل 400 إلى 600% في عموم البلاد، ونزح أو لجأ أكثر من 20% من سكان السودان من منازلهم إما داخليا أو عبر الحدود بسبب الحرب، كما خسر السودان 25% من الناتج المحلي الإجمالي خلال سنة واحدة من الحرب، ولكن مع ذلك هناك صعوبة في تحديد حجم الخسائر بدقة الا أن هناك مؤشرات واضحة بأنّها قد تصل إلى 200 مليار دولار دون حساب خسائر الفرص الاقتصادية الضائعة للبلاد فقد انكمش بصورة كبيرة جداً في عام 2023، وقد يصل إلى 40%، ومتوقع أيضاً أن ينكمش هذا العام، فهناك ضمور في الإيرادات، وهذا طبيعي لأن المصانع توقفت، والصادرات إلى حد كبير تأثّرت خصوصاً من الولايات الغربية. لم يعد هناك صادر قادماً منها. الإنتاج في كثير من المشروعات تعطّل، أو النقل حتى بعد الإنتاج تعطل، أصلا يعاني الاقتصاد السوداني منذ سنوات من مشكلات هيكلية، وضعف في الإنتاج، وجرائم التهرب من الجمارك والضرائب، والتلاعب في الأسعار وفواتير الصادر والوارد مما تسبب في خسارة السودان حوالي 5.4 مليارات دولار بشكل سنوي.
*هل تعتقد أن الذهب يمكن أن ينقذ الاقتصاد السوداني؟
السودان منذ انفصال جنوب السودان يعتمد على مواده الخام حتى الان ويزود بها الناتج المحلي خاصة الذهب ، لذلك لابد من أن يبدأ السودان في انشاء مصفاة ذهب جديدة في المناطق الآمنة وربطها بمناطق الانتاج لتعظيم قيمة الذهب المنتج محليا ،باعتبار أن السودان يرسل الذهب إلى الخارج لكي يُعاد صهره وتجميعه طبقًا لبورصة لندن للذهب، ولكي تكون المصفاة اقتصادية يلزمها العمل على إنتاج ذهب نحو 18 طنا سنوياً، وانتاج السودان أقرب لذلك.
*بشأن نفط الجنوب..ماهو الأثر على السودان من توقف الضخ حاليا؟
الحرب أثرت على اقتصاد ومصالح السودان ودولة الجنوب، والتي ضاعفت من تداعيات النزاعات داخلها، ما أدى إلى تراجع صادرات جوبا من النفط إلى 150 ألف برميل يوميا من 350 ألفا قبل ذلك،كما تأثرت عائدات السودان البالغة نحو 300 مليون دولار سنويا، ويعتبر خط تصدير النفط المتضرر الأطول في أفريقيا، حيث بلغت تكلفة إنشاؤه نحو 1.8 مليار دولار، وهناك مخاطر تعرض خطوط نقل النفط المتبقية للتلف، مما يعيق اتفاق نقل النفط الخام من مناطق الإنتاج إلى موانئ التصدير، والذي تحكمه اتفاقيات دولية.
وتعرض الاقتصاد بسبب الحرب لاستهداف وتدمير طال البنى التحتية، بما في ذلك مصفاة الجيلي الرئيسية التي كانت تنتج نحو 100 ألف برميل يوميا.
وتمتلك دولة جنوب السودان ثالث أكبر احتياطيات نفطية في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، لكنها تعتمد على السودان الذي انفصلت عنه في عام 2011 لبيع نفطها عبر شبكة خطوط الأنابيب ومصافي التكرير والموانئ.
ويلعب قطاع النفط دوراً مهماً في الاقتصاد السوداني، حيث يعتبر مصدر الدخل الأساسي للبلاد، نظراً لامتلاكها موانئ عدة على البحر الأحمر، وهو ما يسهّل عمليات التصدير إلى الخارج. ويُنتج السودان نحو 60 ألف برميل نفط يومياً، بعد انفصال جنوب السودان، وحيازة الدولة الجديدة نحو ثلاثة أرباع الإنتاج النفطي، وتمتد تداعيات الحرب إلى دول خارجية، مثل الصين التي تأثرت وارداتها من النفط السوداني والجنوبي، حيث كانت تستورد نحو 66% من صادرات نفط جوبا.
*كيف تنظر للمباحثات الروسية في المجال الاقتصادي؟
روسيا بجانب أنها تمتلك أكبر صندوق للاستثمار المباشر تمتلك أيضا خبرات تراكمية هائلة في زراعة القمح كما تعتبر من أكبر مصدري القمح في العالم لما تملكه من تكنولوجيا حديثة في هذا المجال، السودان ينظر إلى موسكو على أنها حليف استراتيجي قوي في إطار تعدد الشراكات السودانية مع القوى الدولية التقليدية، وتنظر موسكو إلى الخرطوم على أنها مركز هام في محيط البحر الأحمر الإقليمي، التقارب الحالي بين روسيا و السودان يأتي في وقت يحتاج فيه كلاهما لتنويع علاقاته الدولية في المجالين السياسي والاقتصادي على ضوء البرود في العلاقات السودانية – الغربية وفرض عقوبات غربية على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية. هناك فرصا واعدة لتصدير الخضار والفواكه السودانية إلى السوق الروسية خاصة أن هناك تجربة سابقة في العام 2018 ، هذه التجربة كللت بالنجاح بعد اجتياز هذه المنتجات كل اختبارات الجودة تفوق موسكو في القيمة التكنولوجية المضافة وعمليات نقل التكنولوجيا وتدريب الكادر الوطني مع إعطاء فرصة لتطوير المنتج والتكنولوجيا المستوردة من روسيا وكسر احتكاره وفتح الباب لتطبيقاته في مجالات علمية وتطبيقية مختلفة، فضلا عن أن موسكو تسعى لاستعادة دورها الدولي للتأكيد على استمرارها السياسي والاستراتيجي كقوة عظمى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، خاصة في ظل ما تعانيه روسيا مؤخرا من مشكلات على المستوى الدولي على هامش الأزمة الأوكرانية، خاصة مع ما يمثله السودان من منفذ هام يمكن أن تتغلب به موسكو على بعضاً من تلك المشكلات سياسياُ واقتصادياً، والشاهد أن حجم التبادل التجاري الحالي بين السودان وروسيا لم يبلغ في افضل حالاته أكثر من 500 مليون دولار،
لذا هنالك ضرورة لتضافر الجهود من خلال العمل المشترك لرفع حجم التبادل التجاري بين البلدين لأنه متواضع جداً مقارنة بحجم الاقتصاد الروسي،
العلاقات السودانية الروسية تتمتع بطابع تاريخي ممتد مما يجعلها من أقوى العلاقات ، حيث تميزت كافة الأنشطة الاقتصادية والفنية والتكنولوجية والعسكرية بميزة وعامل مهم لم يتوافر في معظم علاقات السودان مع العالم الخارجي ،الظروف الحالية التي يمر بها السودان فيها فرص استثمارية يمكن أن تستغل لكن بنسبة مخاطرة عالية وهنا يأتي دور دراسة المخاطر ، الزيارة في تقديري لها وجه سياسي آخر لما تتمتع به العلاقات السودانية الروسية في هذا الوقت بالذات من أهمية لدى الطرفين.
*إلى أي مدى ستساهم عودة الصين في إصلاح الوضع الاقتصادي؟وهل تعتقد أن ديون الصين يمكن أن تكون عقبة لعودة الشركات؟
الصين أكبر شريك تجاري للسودان بحجم تناقل تجاري بلغ من قبل أكثر من مليار دولار،
وبلغت الاستثمارات الصينية المنفذة أكثر من 11 مليار دولار.
وتتميز العلاقات بالخصوصية، و دائماً يسعى السودان ويجتهد لتطويرها في المجالات التجارية الدولية والمحلية، وبناء شراكات اقتصادية.
والشاهد أن الصين تمول بدون أي شروط سياسية،لذلك هناك قبول واسع النطاق لها في أفريقيا،كما أنها تبذل جهودا نشطة لمساعدة الدول الأفريقية على تخفيف ضغوط الديون من خلال قنوات مختلفة، حيث شاركت في حل مشكلة الديون لدول مثل زامبيا في إطار مجموعة العشرين.
وتنازلت عن قروض بدون فوائد كانت تستحق في نهاية عام 2021 لـ 17 دولة إفريقية.
*كيف تنظر لصادرات وواردات السودان؟
أكبر حصيلة إنتاجية وجمركية تتم من خلال المصانع الموجودة في الخرطوم والوحدات الاقتصادية المختلفة هناك إن كانت خدمية أو زراعية وصناعية،
والإيرادات الضريبية الأعلى تأتي من الخرطوم كأكبر ولايات السودان وتضم عدداً كبيراً من الوحدات الاقتصادية، وبالتالي بتوقف الحياة هناك تتأثر إيرادات الدولة بهذا التوقف بشكل كبير.
*ماهي مآلات المستقبل للاقتصاد؟
المهم أن يحدث توازن بين اقتصاد التنمية للمناطق الآمنة واقتصاد الحرب في المناطق غير المستقرة، وكذلك ضرورة الإنفاق على التسليح وتوفير احتياجات الجيش واحتياجات المواطنين رغم أن هذا يشكل صعوبات على ميزان المدفوعات وموارد النقد الأجنبي فهناك أزمات ظهرت مع الحرب وتراكمت مع استمرارها، حيث ارتفعت نسبة البطالة، ودمرت البنية التحتية وتعثر التصنيع، وتوقفت المصانع عن الإنتاج، وتراجعت مقدرات الاستثمار إلى مستوى كبير، وتوقفت موارد النقد الأجنبي التي يعتمد عليها السودان، ما أدى إلى ارتفاع قيمة العملات الأجنبية وانهيار الجنيه، وارتفاع أسعار المواد التموينية الأساسية، وانعدمت موارد أخرى للنقد الأجنبي وأبرز هذه الموارد، “العبور للطيران الجوي فوق الأراضي السودانية، وموارد السياحة على قلتها، وموارد بعض الصادرات التي تأتي من مناطق الإنتاج في كردفان ودارفور.