الحياد أم الانحياز.؟.. بقلم: محمد طه

أثناء زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق الركن عبد الفتاح البرهان الأخيرة للإمارات سال حبر كثير عن تسوية سياسية يبحثها البرهان مع القادة الإماراتيين يعود بموجبها عبد الله حمدوك رئيسا للوزراء وتتضمن اتفاقا مع المجلس المركزي لقوي الحرية والتغيير مقابلة ستدفع الإمارات ١٥ مليار دولار للسودان ليس على دفعات كما في السابق وإنما “كاش داون” بغرض تنفيذ اتفاق سياسي تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي لمًا تبقى من الفترة الانتقالية لعبور البلاد بأمان الانتخابات.فهل تحقق ولو نذر يسير مما أثير قبل الزيارة وبعدها؟. الإجابة بالتأكيد لا، فلا تسوية سياسية لاحت في الأفق، فيما سارعت أسرة حمدوك لنفي عودته مجددا لرئاسة الحكومة ولم يستبعد محللون سياسيون أن يكون كل ما أثير عن عودته بغرض التشويش على القضية الأساسية للزيارة وهي التقارب السوداني الروسي والمخاوف الأميركية الامارتية من القاعدة الروسية المزمع إقامتها على سواحل البحر الأحمر بالسودان.
فزيارة البرهان أعقبت زيارة قام بها نائبه محمًد حمدان دقلو لروسيا صرح في ختامها بعدم وجود مشكلة في إقامة قواعد عسكرية روسية أو غيرها من الدول على البحر الأحمر، إذا كانت تحقق مصلحة السودان، ولا تهدد أمنه القومي، وقال موقع أيه بي سي الأميركي إن العزلة الغربية على السودان تدفعه لموسكو. مشيرا إلى أن السودان من بين ٢٥ دولة لم تدين الحرب الروسية على أوكرانيا
التدخلات الإقليمية والدولية قديمة في الشأن السوداني ضمن مخطط يرمي لتقسيم البلاد وصياغتها وفقا لمصالح وأطماع القوى الدولية، بلغت هذه التدخلات أشدها في عهد النظام السابق متخذة شكل العقوبات الدولية والأميركية وتارة شد الأطراف وإثارة التوترات بين السودان وجيرانه، ولم يتوقف هذا التدخل بعد سقوط النظام بل زادت وتيرته في ظل الاستقطاب الحاد بين المدنيين والعسكريين في الحكومة الانتقالية وجهه الصارخ طلب رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك من مجلس الأمن في ٢٧ يناير ٢٠٢٠ إرسال بعثة أممية خاصة تحت الفصل السادس لدعم الانتقال في السودان في خطوة بدت أنها تهدف إلى مواجهة نفوذ المكون العسكري في السلطة الانتقالية وميله نحو الانفراد بالسلطة وهي خطوة قابلها العسكر بتحالفات إقليمية مع إسرائيل والدول الداعمة للثورات المضادة الإمارات والسعودية ومصر بهدف إحداث توازنات داخلية في الصراع على السلطة مع المكون المدني المستقوي بالدعم الأميركي والأوروبي والذي يستهدف هو الآخرعرقلة سعي العسكر للتقارب مع روسيا وإفشال مشروع إقامة قاعدة عسكرية روسية في السودان التي تم الاتفاق عليها أواخر عهد نظام البشير .
المحاور الإقليمية والدولية المتشاكسة أحدثت استقطابا حادا في الساحة السياسية الداخلية وحتى داخل تحالف قوى الحرية والتغيير في ظل تبني حكومة حمدوك الأجندة الغربية لاسيما فيما يتعلق بحقوق المرأة والمثليين وإعادة هيكلة القوات المسلحة دون اعتبار للبرنامج الوطني وما يريده السودانيون، قاد ذلك في نهاية الأمر إلى تكريس سيطرة أربعة أحزاب من التحالف العريض على التحالف والحكومة وأدى في نهاية المطاف إلى إطاحة قائد الجيش بها في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١
وما يزال الاستقطاب الحاد وصراع المحاور على أشده بعد إجراءات البرهان، فقد سارع قادة بالمعارضة بالاستنجاد بحلفائهم الغربيين و شاهدنا صورا على مواقع التواصل لبعض هؤلاء وهم يصطفون داخل إحدى السفارات في خطوة قوبلت باستنكار واسع ووصفت بأنها تنتهك الأعراف الدبلوماسية وسيادة البلاد.
وفي المشهد المقابل يزداد نشاط البعثة الأممية “يونيتامس” التي دعت لحوار بين الفرقاء السودانيين سعيا كما يقول خصومها لصياغة جديدة تؤمن عودة حلفاء الغرب للمشهد، كما يزداد ضغط واشنطن على العسكر عبر حلفائها في المنطقة لوقف خطط روسيا إقامة قاعدة عسكرية في السودان، وللمفارقة فإن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة هم نفس حلفاء العسكريين مع وجود تجاذبات بينهم في دعم هذا القائد أو ذاك وواضح دعم مصر لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، فيما يبدو أن محمًد حمدان دقلو حميدتي هو الحليف المفضل للإمارات، ويتردد أن هناك صراعا بين الرجلين بل إن الإمارات تدعم أيضا بعض الأحزاب السياسية بعضها مؤيد للمدنيين وبعضها مؤيد للعسكريين مما يعقد من الحل
السؤال الجوهري والمهم هل يعي القادة القادة العسكريون والمدنيون بخطورة هذه التدخلات التي ضيعت هيبة السودان وغيبت الإرادة الوطنية وجعلت صياغة القرار الوطني في السفارات والاستخبارات الأجنبية؟
هل يعي قادتنا أن أي تدخلات أجنبية لصالح هذا الطرف أو ذاك معها فاتورة مستحقة السداد عاجلا أو آجلا من مقدرات الوطن واستقلاليته وسيادته وما قضية مساعي الإمارات بفرض وصايتها على الفشقة ببعيد.الأوفق ان تسعى بلادنا التزم الحياد بعيدا عن سياسة المحاور للحفاظ على مكتسبات الوطن وخاصة ان السودان هو أحد مؤسسي حركة عدم الانحياز والتي تأسست في باندونق بإندونيسيا عام ١٩٥٥ والتي شارك فيها الزعيم إسماعيل الأزهري ووثق لها الشاعر الفذ تاج السر الحسن بأنشودة “آسيا وأفريقيا”
عندما اعزف يا قلبي الأناشيد القديمة
ويطل الفجر فى قلبى على اجنح غيمة
سأغني آخر المقطع للارض الحميمة
لرفاق في البلاد الآسيوية
للملايو ولباندونق الفتية
ليالي الفرح الخضراء في الصين الجديدة

Exit mobile version