تصور بديل
علي عسكوري
منذ فترة ليست قصيرة ظلت فكرة الحوار السودانى/ السوداني تدور بين القوى السياسية حتى اصبحت حاليا ال motto المفضل للجميع، يراها البعض انها (المراقة) بلغة حرفاء (الويست)، او طوق النجاة كما يفضل العربيون، ام آخر طلقة وآخر عسكرى بلغة العساكر!
تسألت كتيرا، وتوجهت بالسؤال التالى لعدد من القادة السياسين: ماهو البديل في حالة فشل الحوار السودانى/ السوداني؟ اوما هى الخطة (ب) حسب قول الامريكان! اقول ذلك ليس تشاؤما، ولكن من واقع النظرة التاريخية لمحاولات السودانيين السابقة الفاشلة للحوار. عليك ان تبدأ بمؤتمر المائدة المستديرة ١٩٦٥، مرورا بمحطات كثيرة واتفاقات سلام ومؤتمر اسمراء للقضايا المصيرية واخرها ” حوار الوثبة” الذى نظمه نظام المؤتمر الوطني! كل هذه لم تفض الي نتيجة! اذن يبقي السؤال ما هو مبعث التفاؤل عند القوى السياسية هذه المرة؟!
احاول في هذه المقالات طرح تصور بديل لتنظيم الحوار السودانى/ السوداني حتى لا يكون حوارا فوقيا بين النخب بلا جذور وحتى لا يكون مصيره مصير المؤتمرات السابقة.
عودة الى التاريخ
هنالك حوجة حقيقية للعودة لتاريخ بلادنا حتى نستلهم منه الدروس والعبر، لاننا ان لم نستلهم الدروس والعبر سنكرر الاخطاء، او كما يقال (النسي قديمه تاه)، وقد نسينا قديمنا فتهنا!
ذكرنا مرارا ان الدولة الحالية هي ذات الدولة التى صنعها الاتراك بما يناسب شروطهم في استغلال الموارد، ثم جاء البريطانيون وحسنوا شروط الاستغلال فادركوا بعض الاستقرار وقدموا بعض الخدمات وادخلوا نظم حديثة في ادارة الدولة لم يعرفها السودانيون من قبل.
اذا تركنا الدويلات النوبية القديمة جانبا وقد كانت دويلات وطنية كاملة الدسم نهضت بذاتها وبلغت ما بلغت من المنعة لدرجة تمددها وتوسعها خارجيا، فان الدولة التى اعقبتها كانت دولة سنار (١٥٠٥- ١٨٢١) التى حكمت حوالى ٣١٦ سنة. وايا كان رأيك في دولة او مشيخة سنار، تبقي الحقيفة الاسياسية التى لا جدال فيها هى انها كانت دولة وطنية نشأت بعد صراع داخلى محض.
كان اهم ما انجزته المجموعات التى اسست دولة سنار اول ايام تكوينها هو تفضيل الحوار على الحرب ونجاح الوساطة التى قادها الشيخ ادريس ود الرباب (قدس الله سره) لحقن الدماء واتفاق الطرفين على تقاسم السلطة (لا اتحاد افريقي ولا امم متحدة) الذين كانا في رحم الغيب! ذلك كان تاريخ اسلافنا فما بالنا اليوم نتوه وننسي تاريخنا. لقد كان اسلافنا اكثر حكمة منا تنازلوا لبعضهم البعض فحقنوا الدماء واسسوا دولتهم!!
اللافت في كل ذلك ان مناطق نفوذ سنار عند قيامها لم تشمل كردفان او دارفور. وبينما اخضع الفونج لاحقا اجزاء واسعة من كردفان، ظلت دارفور خارج نطاق سلطة سنار الى ان اخضعها الزبير باشا. و حقيقة لم يهتم الاتراك كثيرا باخضاع دارفور وضمها لبقية اجزاء البلاد، وان رغبوا في ذلك، ولم يجردوا لها حملة وقد كان بوسعهم فعل ذلك، ربما زهدوا فيها لبعدها او لعدم قيمتها الاستراتيجية او لصعوبة ادراتها وعلى كل لم يهتموا بضمها الى بقية السودان!
جاء اخضاع دارفور لاحقا عام ١٨٧٤ على يد الزبير باشا رحمة الذى هزم الريزيقات واخضعهم بعد ان نقضوا عهدهم معه فيما يتعلق بأمن القوافل التجارية التى كانت تحمل العاج وريش النعام من جنوب السودان الى المناطق الاخري والى الخارج، كما كانت تعود ببضائع اخري. انغمس الرزيقات في نهب وسلب القوافل التجارية فجرد الزبير باشا عليهم حملة عسكرية اخضعتهم ودخلت الفاشر.
خرجت دارفور مرة اخري بعدما اسقط الانجليز حكم الخليفة عبد الله ١٨٩٨، لمدة ١٨ سنة ثم اعادوا اخضاعها بعد غزوها وقتل السلطان على دينار العام ١٩١٦. اذن فخروج دارفور من الدولة السودانية ليس امرا جديدا، ان كنا نستلهم العبر من وقائع التاريخ!!
وهكذا نلاحظ ان دارفور اخضعت لدولة الاتراك بعد اكثر من نصف قرن من الغزو التركي لبلادنا. كانت تلك واقعة تاريخية كبري غيرت تاريخ السودان الى اليوم، اذ قبل ذلك لم تكن دارفور جزء من بلاد السودان طوال تاريخه من قبل الميلاد.
حقيقية، ارتكب الزبير باشا خطأين استراتيجيين تاريخيين ما زالا يؤثران على تاريخ السودان وما جري فيه من احداث حتى اليوم. اولهما اخضاع دارفور وضمها لبلاد السودان ولم تكن تاريخيا جزء منه، اما الخطأ الثانى فاطلاقه لسراح الخليفة عبد الله بعد ان هم بقتله بعد اعتقاله كمشعوذ يكتب (المحايات) للنساء وغيرهم من الذين يصدقون خطرفات الدجالين.
استصحاب هذه الاحداث التاريخية بالغ الاهمية خاصة فيما يتعلق بالحوار السودانى/ السودانى، خاصة وان الغزو الحالى لبلادنا تقف خلفه بعض مكونات ذات المجموعات التى هزمها الزبير باشا قبل مايزيد على القرن ونصف!
اذن، نجحت وساطة الشيخ ادريس ود الارباب في الصلح بين الفونج والعبدلاب، وتم الاتفاق على تقاسم السلطة فيما يعرف اليوم بالفدرالية.
كان حل ذلك الخلاف في ذلك الوقت بين جيشين قائمين وبتلك الصور السلمية عن طريق تقاسم السلطة امر جديد لم تعرفه الممالك والدول في ذلك الزمان حيث كان الحكم دائما لملك طليق اليد يفعل ما يريد هو القانون نفسه وما يفعله يصبح قانونا. اللافت في الامر ان المجموعتين اتفقا على تقاسم السلطة وليس قسمة البلاد، اى انفراد كل منهما بما تحته من ارض ليقيم عليها دولته او ممتلكته، وقد كان ذلك بوسعهما، خلافا لذلك اتفقا على تقاسم السلطة لكل صلاحياته بدلا عن تقيسم البلاد! رغم انه لم يكن هنالك ما يمنعهما من فعل ذلك، ولو فعلا – اى تقاسما البلاد – لكان السودان دولة غير التى نعرفها اليوم وقطعا كان تاريخ بلادنا سيتخذ مجرى آخر!
هذا هو الرد التاريخي للذين يتحدثون عن دولة الخديوية، فقد كانت مناطق واسعة من بلادنا دولة موحدة قبل غزو الخديوي، اما ما فعله الخديوى فقد تمثل في الحاق جنوب السودان ودارفور في فترات مختلفة لأصل الدولة الذى كان قائما.
ان الذين يتحدثون عن دولة ١٩٥٦ انما يحاولون محو تاريخ بلادنا وتشويش الذاكرة الجمعية لشعب السودان. فقد كان السودان دولة مستقلة لاكثر من ثلاثة قرون في وقت كانت فيه الفتوحات الاستعمارية الاوروبية تتمدد في جميع الاتجاهات بعد ان خرجت اوروبا من قرونها المظلمة وقامت كالذي يتخبطه الشيطان لتهلك الحرث والنسل في مواقع كثيرة من بقاع الارض تجارة في الرقيق ونهبا للموارد.
وبينما كانت اوروبا غارقة في البؤس والمجاعات حتى نهاية القرن السابع عشر مثال لذلك (المجاعة الكبري ١٦٩٥ – ١٦٩٧) وهلاك الكثير من الخلق في استونيا واسكتلندا والسويد والاراضي المنخضة شمال فرنسا، كانت دولتنا ترفع علمها خفاقا تدير اراضيها بحكم فدرالى وتدافع عن سيادتها. للاسف لم اعثر على ما يفيد ان سنار ارسلت معونات انسانية لاوروبا في ذلك الوقت لتخفيف المجاعة وانقاذ الارواح، والراجح عندى انه حدث لكن الاوروبين (نكروه حطب)، و على كل لم اعثر على ما يفيد بحدوث ذلك لضعف السجلات في سنار. لكن تبقي الحقيقة التاريخية ان علمنا كان يخفق عاليا (قبل ضم دارفور) بينما كان الاوروبيون يتضورون جوعا في شوارع استكهولم واستونيا وفنلندا واسكتلندا وغيرهم!
ولأننا ننسي تاريخنا، اصبحنا الآن ننتظر الحل من اوروبا التى كانت تتضور جوعا او ننتظره من بعض الافارقة الذين كانوا يصطادون ابناء جنسهم من ادغال بلادهم ويبيعونهم رقيقا للاوروبيين بينما كنا نحن امة لها مجد وسؤدد تهابها الامم!
اوردنا هذه التفاصيل لتذكير من نسي اننا امة ذات تاريخ تالد لها قدرة متفردة على حل مشاكلها بمبادرات داخليه دون تدخل من آخرين! وللاسف خلف خلف اصبح همه الاساسي تسول الحلول عند الاجانب، الذين (يادوبك) حلوا مشكلة الجوع عندهم بعد ان تمكنوا في غفلة من الزمان من نهب الشعوب! تري متى سننتبه لقدراتنا الذاتية وننهض لنبحث عن حلول لمشاكلنا من واقع تاريخ اسلافنا الذين فتحوا واسسوا لنا الطريق لكيفية حكم بلادنا، ولكن للاسف في بلادنا هناك من يعشق العيون الخضراء بينما عيون نساءنا عسلية! ذلك هو مقتلنا!
اوردنا تلك الخلفية التاريخية للتمهيد لطرح تصور بديل للحوار السودانى/ السوداني، وهو كما سبقت الاشارة اصبح كما يراه غالب الناس البلسم الشافي لعللنا السياسية والمدخل لحل مشكلة الحكم في البلاد.
اشرنا الى المناطق التى مثلت (عظم) دولة سناراو الكتلة الصلبة كما يقال، وهي تشمل اجزاء واسعة من كردفان، والنيل الابيض والجزيرة والنيل الازرق، وشرق السودان بولاياته الثلاثة وو لايتي الشمالية ونهر النيل وبالطبع منطقة الخرطوم. تاريخيا عاشت المجموعات السكانية في هذه المناطق مع بعضها البعض لاكثر من ثلاثة قرون تحت رأية دولة واحدة، حينها لم تكن دارفور جزء من ذلك التعايش والتصاهر والتواصل. نقول ذلك كحقيقة تاريخية ثابتة.
انتج ذلك التعايش الطويل تقاربا في المفاهيم وطرق الحياة واسلوبها و ثقافة مشتركة وانصهار اجتماعي كبير، فشل الخليفة عبد الله في تفكيكه رغم العسف الشديد بالمكونات الاجتماعية في هذه المناطق، واكتفي بتهجير عشيرته الى ام درمان في احياء معروفة حتى اليوم. وسريعا ما نسي من هجروا الى امدرمان ثقافتهم البدوية وجرفهم تيار حضارة المكونات السنارية الراسخة فتنكروا لبداوتهم وذابوا في ثقافة الكتلة الصلبة، بل تكاد تكون علاقتهم بجذورهم في دارفور قد انقطعت تماما.
نخلص من كل ذلك الى ان هنالك مجموعتين اساسيتين في السودان حاليا.
اولهما المجموعة السكانية التى شكلت دولة سنار وعاشت تحت رأيتها لثلاثة قرون وأكثر فتقاربت مفاهيمها وثقافتها ونظرتها للحياة ساطلق عليها اسم (الكتلة السنارية).
الثانية هي دارفور حديثة العهد بالدولة السودانية يختلف تاريخها عن تاريخ الكتلة السنارية وتخلف نتيجة لذلك نظرتها للحياة وثقافتها الخ من واقع انها لم تكن جزء من الكتلة السنارية.
ما اود قوله من كل ذلك هو ضرورة استصحاب حقائق التاريخ عند اقدامنا على الحوار السودانى/ السوداني.
تتفق الكتلة السنارية في كثير من القضايا ومقومات التعايش السلمى. فهذه المجموعة لها ارث راسخ في حل الخلافات بالطرق السلمية، واحترام الحرمات والخصوصية ورفض العدوان والعنف والقتل الفوضوى للنساء والاطفال و احترام كبار السن وتوقيرهم وحرمة الاعراض الخ…
مجموعة دارفور تفتقد للاسف الكثير من ما اوردناه عاليه عن الكتلة السنارية! وحتى لا نتهم بالتعميم المخل، انظر مثلا لعدد الحركات المسلحة في دارفور الذى قارب المائة حركة. ولا تكاد تخلوا قبيلة من عدد من الحركات، و(الكل يدعي وصلا بليلي) اى انه مهمش! وان كان ما يزعمون من تهميش صحيحا، فلماذا لا يتوحدون في حركة واحدة! وقد قيل ان المصائب يجمعن المصابينا. لماذا لم تجمع هولاء مصيبة التهميش التى يدعونها! وان كانت هذه الحركات تفشل في الاتفاق فيما بينها فمن الصعب جدا بل ربما يكون من المستحيل اتفاقها مع مجموعات سكانية من خارج اقليم دارفور.
ما يثير السخرية في بلاد السودان الفهلوة والاستهبال الذى تم فيما يعرف باتفاق جوبا للسلام…! مجموعة قبلية واحدة تنقسم الى حركتين متمردتين ثم تاتي الحركتان لتوقع كل منهما منفردة علب اتفاق مع الدولة وتنال ذات القبيلة بسبب ذلك الانقسام المصطنع نصيبا مضاعفا من السلطة والثروة .. واهل السودان ذاهلون! وكان قد سبق ذلك ان وقعت مجموعة متمردة من ذات القبيلة اتفاقا مع الدولة ونالت ما نالت من السلطة والثروة! الفكرة بسيطة وساذجة.. تتخلص في تصنع الانقسام لمضاعفة المكاسب لذات المجموعة. لكن للاسف انطلت الخطة على الدولة فوقعت في الشرك المنصوب! فبدلا من ان تقاتل مجموعة قبلية بتمرد واحد، تنقسم الى اكثر من مجموعة لتنال أضعاف ما ستناله لو حاربت كمجموعة واحدة! ذلك ما حدث بالفعل! هذا ما يعرف بالضحك على الذقون!
الغريب والصادم انهم يتحدثون عن وحدة السودان و قد فشلوا حتى في توحيد قبيلتهم! الاكثر استفزازا في حديثهم انهم يتوقعون منا ان نشترى منهم حديثهم عن عملهم لوحدة السودان! أليس الصحيح ان يوحدوا قبيلتهم اولا ثم يحدثوا الناس عن وحدة السودان!
الاسواء من كل ذلك انهم يفترضون درجة من الغباء عند الشعب السودانى غير مسبوقة! ادهشنى احدهم في سمنار مركز الدراسات الاستراتيجية عندما قام ليحدث الناس عن تمسكهم بوحدة السودان، وقد خرجت من حركته عدة حركات يصعب حصرها، كما انه عاجز عن التوحد حتى مع المجموعة الاخري من قبيلته! رغم ذلك يمتلك من الجرءة ان يعتلى المنبر ليحدث الناس عن وحدة السودان! كنت انظر اليه باندهاش وتذكرت المثل الشعبي (الجمل لا يري عوج رقبته)! على من يضحكون بشعارات الوحدة يا تري!
نحلص من ذلك وبناء على ما اوردنا من حقائق تاريخية الى ضرورة قيام الحوار السودانى سودانى على اساس كتلتين:
١) الكتلة السنارية المتقاربة في الرؤى والمفاهيم والعادات والتقاليد مما يسهل اتفاقها على اسس حكم الدولة. ترتب هذه الكتلة لتفاصيل كيفية التمثيل في حوارها لتضع اسس التعايش بينها.
٢) مجموعة دارفور تجتمع كل مكوناتها لتتفق اولا على توحيد صفها ورؤيتها للتعايش مع الكتلة السنارية. هنالك عمل ضخم داخل اقليم دارفور يجب ان ينهض به ابناء الاقليم للوصول لتفاهمات واسس تحقق لهم السلام في الاقليم بعدما فشلت كل الاتفاقيات والمبادرات في حل مشاكلهم الداخلية. ان علي ابناء دارفور وقادتها ان يواجهوا حقيقة واقع مجتمعاتهم المزري وينهضوا لوضع الحلول التى تسمح لهم بالعيش مع بعضهم البعض، لا ان يقذفوا بمشاكلهم الداخلية لتطال مجتمعات اخري لم تناصبهم العداء يوما!
منح اتفاق جوبا للسلام اقليم دارفور كل ما طلبه، وكان ذلك على حساب الاقاليم الاخري، رغم ذلك استمر العنف والقتل والخراب، بل خرجت مجموعة من الاقليم لتصب جام غضبها على مجموعات سكانية ضخمة لتقتلها وتشردها وتنهبها وتدمر حياتها دون ذنب! لقد تحملت الدولة والكتلة السنارية فظائع المليشيا بما يفوق الوصف. سفكت الدماء، وشرد الملايين ونهبت الممتلكات ودمرت مؤسسات الدولة وبنيتها التحتية، كل ذلك ويريدون من الناس ان يصمتوا! ترى من يرغب في وحدة مع هولاء!! نتوحد الآن لينقلبوا علينا بعد عدة عقود مرة اخري ليرتكبوا نفس المجازر والتخريب، او يعودوا مرة اخري ليذرفوا دموع التماسيح ويتمردوا باسم التهميش وكأن بقية اقاليم السودان مثل جنيف او سينغافورا!
ان المسؤولية الدينية والوطنية والاخلاقية تحتم علينا مواجهة ما يجري في بلادنا وما حاق بمجتمعنا بالشجاعة الكاملة! دماء سفكت، وارواح بريئة ازهقت، واعراض انتهكت، وممتلكات نهبت وملايين شردوا، كلنا مسؤولين عن ما حاق بمجتمعنا. اى فرد من الكتلة السنارية رجل او امراءة فوق سن الثامنة عشر تطاله المسؤولية وان ادعي بغير ذلك! السؤال الذي يواجه الجميع: كيفية تحقيق السلام والاستقرار في بلادنا؟ الاجابة على هذا السؤال يجب ان يشارك فيها الجميع ويدلوا برأيهم، فليست السلطة القائمة وحدها من تقع عليه مسؤولية الاجابة على السؤال!
ان الزج بقضايا الخلافات القبيلية المتوارثة في دارفور – لاسباب لا علاقة لبقية مجتمعات السودان بها – في القضايا القومية يجعل من المستحيل تحقيق السلام والاستقرار في بلادنا. اهل دارفور انفسهم لا يطرحون حلولا لحل خلافاتهم الداخلية فماذا عسانا ان نفعل والقوم منهمكين في قتل بعضهم البعض لاتفه الاسباب!
من الواضح انه لم يعد ممكنا كما انه ليس من العقل تحميل الكتلة السنارية تكلفة خلافات دارفور الداخلية وما يدور من عنف مجتمعي فيها! فمن غير المقبول تحميل الكتلة السنارية تكلفة حفظ الامن لاقوام هم انفسهم لا يرغبون في تحقيق السلام بينهم.
ان الصرف الامنى على شراء السلاح لدحر المليشيا المنفلتة جاء مباشرة على حساب التنمية في مناطق الكتلة السنارية وسيستمر هذا النزيف ان تمسكنا بأسبابه، هذا ان تركنا جانبا دماء ابنائنا التى سفكت والارواح التى ازهقت! الواجب يقتضي علينا حماية حياة مجتمعاتنا وحقها في البقاء وحق ابنائنا في الحياة واستئصال منابع الشر! لقد حدثت هذه المقتلة مرتين من نفس المجموعات، وعلينا ان نعمل لنتأكد انها لن تحدث مرة ثالثة للاجيال القادمة! ولن يتأت لنا ذلك بغير تصحيح الاخطأ الاستراتيجية التى ارتكبها الزبير باشا.
*هذه الارض لنا*