#مجرد_رأي
أسلفنا أن النطق ليس هو الخطاب فالخطاب يكون بالنطق وبالصمت وبالأفعال والإمتناع عن الفعل حال توقعه، كل ذلك هو بيان وخطاب.و قد تساءل الصحفيون والإعلاميون كثيرا لماذا لا تتخذ الحكومة لها ناطقا بإسمها يعبر عن سياساتها ويخبر عن قراراتها؟ وألا تجعل ما تفعله وما لا تفعله مساحة للمفسرين وللمستفسرين الحائرين ولأهل التسريبات والتأويلات الشاطحة أحيانا والمغرضة أحيانا أخرى.
ولربما تظن الحكومة أنها لو أقتصدت في الكلام فربما تقضى أمورها بالكتمان. ولكن مالا تدركه الحكومة أن الأمر أول الشأن ليس بأمرها، بل هو أمر الشعب و قراره ومصيره ، ولن يقبل الناس أن تقضى أمورهم بعيدا عنهم، وبغير علمهم، وهي تمس ما يثير الهموم والقلق لديهم، ثم أن الحكومة قد تضطر للكلام ولكن إستدراكا لنفي معلومة أو تصحيحها أو تدقيقها، أو لإستنكار تسريب خاطيء أو خبر غير دقيق ،وهكذا تأتي أخيرا، ومن يأت في الأخبار أخيرا لن يضحك قليلا ولا كثيرا،
ولعل الحكومة التي من غرامها الحديث عن الحوكمة لن يعزب عن فهمها أن الشفافية والعلانية هي رأس الحوكمة، فهي أولا رد للأمر لصاحب الأمر وإعلامه به، وصاحب الأمر ههنا هو الشعب والحكومة وكيل له ، وليست ممثلة له، فالشعب لا يعطي حكومة منتخبة تخويلا مطلقا بالتصرف عنه فكيف بحكومة الأمر الواقع الذي رضي بها الشعب بحكم الإضطرار، وفرق بين التمثيل والتوكيل.
فالممثل مخول بالتصرف عن من يمثله دون مراجعة
والوكيل يتصرف في حدود التفويض مع المراجعة
لذلك لا يحدثنا أحد عن الحوكمة، وهو يخرق أول
مطلوباتها هي العلانية والإفصاح ، وقد تعلم هذه الحكومة أو لاتعلم، أن أكثر ما ضرها منذ تعيينها و إنتصابها هو عجز الخطاب ،وكلامها في موضع ،
حيث يجب أن يكون الإفصاح للفعل لا للقول وصمتها في معرض الحاجة للكلام والإفصاح. لذلك لا أتعجب من حاجة الحكومة دائما للإستدراك والنفي، وكان يجديها أن تقود الرأي العام لا أن تلهث خلف الوسائط والأسافير
وما يجب ان تعلمه حكومتنا الحكيمة أن القضايا ذات المساس بالهموم التي لا تنتسى للناس لا يجدي الصمت بشأنها ، فلابد لها من أن تقول شيئا بشأنها مسبقا عبر أعلان سياسة واضحة فإنما الحكومات صانعات للسياسات والقرارات، فلا يمكن ان تخضع قضايا مهمة مثل قضايا الحرب والسلام للتكهنات والمراهنات، وأعجب ما يثير عجبي أن نسمع مثلا بخارطة طريق ذهبت للأمم المتحدة ثم لم تنشر لأهل البلاد ،ولم يعلموا عنها إلا شذرات من القول هنا وهناك
يحدث هذا في قضية محورية هي قضية الحرب والسلام بينما يعلم الناس عن شروط الرباعية المتطفلة التي فرضت نفسها وسيطا بشروطها ، وقد أنفقت عمرا أو شطره في التفاوض ولم أسمع بوسيط قسري، ولا بوسيط لها شروط، و له خطوط حمراء . بإزاء ذلك لابد لحكومتنا من موقف واضح وصريح يؤكد على المؤكد المعلوم للكافة بأننا منفتحون على الحوار والتباحث ولكننا لن نقبل وسيطا لم نختره، ولن نقبل وسيطا يأتينا بشروط
ولابد للحكومة أن يكون سياسة معلومة بإزاء جهود السلام والمصالحة، تصدر هذه السياسة من مجلس السيادة في وثيقة ذات قوة تشريعية،تؤكد على ماظل يؤكده قادة الجيش كل مرة، وتحدد ظروف و شروط الجلوس مع أي طرف كان، وتضع خطوطها الحمراء. وكيف لها ألا تفعل وقد وضع المتطفلون خطوطهم الحمراء بإزاء طبيعة الحكم الإنتقالي وإبعاد القوة العسكرية عنه ووضعوا خطوطهم الحمراء بمن يجب أن يكون
طرفا ومن يجب ألا يكون طرفا
يا حكومتنا الحكيمة نحن الشعب ونحن مستمسكون بكم فأنتم خشبة نجاتنا في بحر عاصف ونحن خشبة نجاتكم لو تعلمون ،وبكم نحسن الظن فأحسنوا العمل كي يعظم الظن الحسن وتذهب الريب تغيب الظنون.
والله هو المعين والمستعان على كل أمر جلل .
د. أمين حسن عمر

