الأحداث – وكالات
بتعب بادٍ على محياها، تتحدث السودانية “زينب” (اسم مستعار) عن اعتمادها على تكية الحي الذي تقيم فيه بأم درمان لإطعام أطفالها التسعة.
وتقول للجزيرة نت إنها منذ أشهر لم تطبخ الطعام في المنزل، لأنها لا تملك ما تعد به الوجبات، لذلك تأتي للتكية يوميا وتأخذ وجبتَي الفطور والغداء، وبفضلها لا تجوع هي ولا أبناؤها.
باتت التكايا ملاذا لبعض المواطنين والنازحين موفرة العلاج والطعام، حيث تقدم وجبات مختلفة كالفول المصري والعدس والأرز.
وفي مدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم كانت تكية “مسيد شيخ الأمين” في حي بيت المال، الذي لم يغادر سكانه مع اندلاع الحرب، وظل المسيد (المصلى وخلوات تحفيظ القرآن الكريم والضيافة) ملاذا يقدم الطعام والدواء.
وقال الشيخ الصوفي الأمين عمر الأمين -للجزيرة نت- إن تكية المسيد من أوائل التكايا المستمرة منذ عام، وتقدم 3 وجبات إلى جانب العلاج وصرف الدواء مجانا عبر أطباء وصيادلة، لنحو 5 آلاف شخص.
وأضاف أنه منذ نشأة المسيد عام 1992 زاوية صغيرة، كانت بها تكية، ولكن ليست بسعتها الحالية بعد الحرب، وأنهم بدؤوا بتقديم مائدة رمضان وتوسعت خدمات تقديم الوجبات مع توافد أعداد المتأثرين بالحرب.
ويعمل القائمون على التكايا في ظروف بالغة التعقيد، لا سيما في المناطق التي تقع تحت سيطرة مليشيا الدعم السريع، ويواجه العالقون فيها شحا في الغذاء والدواء مع انتشار الأوبئة وانقطاع خدمات الاتصال والكهرباء والمياه، إلى جانب ارتفاع أسعار السلع الغذائية، مما أدى إلى توقف عدد من التكايا بالخرطوم، خاصة في مناطق “جنوب الحزام”.
غرف طوارئ
وفي وقت سابق، قالت غرفة طوارئ الجريف -للجزيرة نت- إنها تدعم 18 مطبخا توقف معظمها “لضعف التمويل والنهب المستمر من الدعم السريع”، مما يهدد الأمن الغذائي لنحو 7 آلاف أسرة تعتمد على تكية المنطقة. ويعتمد معظم العاملون في التكايا على جمع التبرعات من الخيرين.
ومن شمالي أم درمان، تبرز تكية “فكة ريق” بمسارات مختلفة لتقديم العون للنازحين والمتضررين من الحرب.
ويقول عثمان الجندي -للجزيرة نت- إن التكية تقدم الغذاء والكساء والدواء، وتدعم النساء الناشطات اقتصاديا بتمويل مشاريعهن الإنتاجية وتسويقها في مناطق سكنهن لمساعدتهن على الخروج من دائرة الفقر.
ووفق الجندي، تقدم تكية “فكة ريق” وجبات متنوعة لأكثر من 300 عائلة بمعدل 5 أشخاص في الأسرة الواحدة، وتتضمن الفول والعدس والأرز والمعكرونة، وذلك بدعم من الجهات الرسمية والخيرين في الداخل والخارج.
لم تكن التكايا وليدة تداعيات الحرب، ووفق الشيخ الأمين عمر، فإن تاريخها ضارب في القِدم منذ دخول الإسلام السودان وبدأت عبر الطرق الصوفية، وهي إرث صوفي، وأي “مسيد” يجب أن تنشأ معه التكية. وارتبطت بـ”الزعماء الدينيين” وشيوخ هذه الطرق وخلوات تحفيظ القرآن الكريم.
ومع اتساع رقعة تقدم الجيش، يقول وزير الرعاية والتنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم صديق فريني إن أرقام التكايا في تزايد مع ارتفاع عدد المستفيدين من خدماتها، وإن طبيعة الصراع جعلت الولاية تفكر في جعل التكية النموذج المعتمد للعون الغذائي.
وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن عدد التكايا النموذجية في العاصمة 7 والخيرية 314، وأن عددها متغير، “وتحظى جميعها باهتمام والي الخرطوم عبر تقديم الدعم العيني والمالي”. وبرأيه، فإن تجربة التكايا تعبير دقيق عن تقدّم المجتمع على الدولة في المبادرة، وأثبتت قدمه في إغاثة الملهوف وإطعام الجائع، وهي نموذج متقدم في العون الإنساني.
ووفقا لفريني، بلغ عدد المتلقين للوجبات الجاهزة من التكايا حتى الأسبوع الماضي 75 ألفا. و”بعد اعتداءات الدعم السريع على قرى شرق ولاية الجزيرة، زاد عدد المترددين عليها بمعدل 10 آلاف، يجري حصرهم والترتيب لاستيفاء احتياجاتهم”.