التفاصيل الكاملة لملحمة الفاشر.. (1):

“ما حدث في الفاشر وصمود القوات المسلحة لأكثر من سنتين تحت الحصار والقصف المحموم ملحمة بطولية وسابقة لم تحدث من قبل في كل المعارك بالعالم ويجب ان تدرس بالكليات والأكاديميات العسكرية”.. هكذا حدثني أحد قدامى المحاربين السودانيين والذي كان يحمل رتبة عسكرية رفيعة عما حدث.. (أصداء سودانية) تكشف على حلقات من خلال هذا التحقيق معلومات وحقائق لم تنشر من قبل حول ما حدث بمدينة الفاشر والبطولات الملحمية التي سطرها الجيش السوداني والقوات المشتركة المصاحبة له بالدم والبسالة والجسارة التي نالت إعجاب ودهشة كل العالم
أرقام وإحصاءات:

معلوم ان حصار مدينة الفاشر بدأ في العاشر من مايو 2024 بعد إنسلاخ بعض الحركات المسلحة وخروجها عن مبدأ الحياد وإنضمامها للجيش السوداني.. إستمر حصار المليشيا لأكثر من 500 يوم تحولت خلالها الفاشر إلى مدينة أشباح بعد نزوح الالاف من سكانها وتفاقم المجاعة داخلها وإنعدام كافة مقومات الحياة فيها، بعد منع المهاويش دخول الإمدادات الغذائية والطبية إليها، وإستمرار القصف المدفعي المحموم عليها.. ووصل عدد النازحين منها إلى أكثر من مليون شخص حسب تقارير المنظمات الدولية، بمعدل ألف نازح كل يومين إستنادا لإحصائية لمنظمة الهجرة الدولية.. وحسب تصريح للمتحدث باسم النازحين بلغ عدد النازحين من داخل مدينة الفاشر حوالى 831 أسرة تضم أكثر من 3 الف فرد.. بينما أشار مركز تنسيق الطوارئ بالفاشر ان إجمالي النازحين بلغ 700 ألف نازح.. وحسب تصريح لرئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، ان المواطنين الذين كانوا محاصرين داخل مدينة الفاشر بلغ حوالي 916 ألف شخص.
اما عدد القتلى منذ بدء حصار الفاشر وحتى سقوطها الأحد الماضي الموافق26 أكتوبر الجاري وصل لأرقام كبيرة ومؤلمة، حيث أشار تقرير لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان أن أكثر من 700 شخص قتلوا في الفاشر وحدها منذ بداية الحصار.. بينما تحدثت تقارير للأمم المتحدة عن مقتل 782 وإصابة أكثر من 1143 شخص.. وتقارير لمنظمات عالمية أخرى أشارت ان عدد القتلى أثناء الحصار تجاوز 2000 مواطن من المدنيين، جراء القصف المدفعي للمليشيا للأحياء السكنية.. وهناك 15 طفلا لقوا حتفهم في يوم واحد فقط بسبب القصف العشوائي للمليشيا، بينما توفى 171 طفلا من الجوع، وتقارير أخرى قفزت بالرقم إلى 239 طفلا حصدهم الجوع جراء الحصار.
حصار الفاشر:

كيف كانت مليشيات الدعم السريع المتمردة تحاصر الفاشر؟ توجهت بهذا التساؤل لمصدر عسكر، فأجاب:” الدعم السريع كان يحاصر مدينة الفاشر بطرق متعددة، منها:
ــ قطع الطرق الرئيسية والفرعية المؤدية للمدينة لمنع دخول أي إمدادات غذائية او دوائية او مساعدات إنسانية لداخل المدينة، وهو نفس الإسلوب الذي مارسه الجيش الإسرائيلي تجاه مدينة غزة.
ــ القصف المدفعي العشوائي، حيث إستخدم الدعم السريع المدفعية الثقيلة وصوبها تجاه الأحياء السكنية والمرافق الحيوية خاصة المطار لمنع وصول الإمدادات والمساعدات الإنسانية جوا.
ــ الإنتشار على المحاور، بنشر قواته على المحاور الرئيسية للمدينة.
ــ إستخدام الأسلحة الثقيلة مثل المدافع والمسيرات والتي تسببت في تدمير كامل البنية التحتية للمدينة..
وهناك حقيقة مؤكدة لا يعلمها الكثيرون، وهي ان المليشيا إستخدمت بمساعد (دول الشر) قبل دخولها الفاشر بفترة قصيرة عدد من المروحيات لنقل العتاد الحربي والذخائر والتموين اللوجستي لتجمعات المليشيا المتمركزة بمناطق: قاعدة الزرق، وأم كدادة، ونيالا، وزالنجي، وأم دافوق، إستعدادا لإقتحام الفاشر.
ونتيجة للحصار الغاشم الذي إستمر طويلا ومنع وصول الإمدادات عصف الجوع بسكان المدينة المحاصرة، حيث اشار بعض شهود العيان الذين نجحوا في الخروج بإعجوبة من المدينة:” إنعدمت المواد الغذائية تماما فإنتشر الجوع لدرجة ان إلتهموا ثمار النيم وعلف البهائم واوراق الأشجار والاعشاب البرية.. حيث طال أمد الحصار وإمتد لأكثر من سنتين، وكان الحصار من كل الجهات مما قطع كل الطرق الرئيسية والفرعية المؤدية للمدينة المحاصرة، بجانب منع دخول المساعدات الإنسانية والإمدادات الغذائية والطبية.. فالحصار الغاشم كان شاملا إستهدف كل منافذ المدينة مما أدى لإنهيار الوضع الإنساني والمجاعة الطاحنة والنزوح الجماعي.
معلوم ان عدد أحياء مدينة الفاشر الرئسية 10 أحياء هي: (الوحدة ــ السلام ــ النصر ــ الإنقاذ ــ الفاشر جنوب ــ الفاشر شمال ــ الجبل ــ المجلس ــ المطار ــ السوق الكبير)، والأحياء التي كانت تحت سيطرة مليشيا الدعم السريع أثناء الحصار وقبل السقوط 6 أحياء،هي: (السلام ــ الوحدة ــ الإنقاذ ــ المطار ــ السوق الكبير ــ المجلس).. اما أحياء مدينة الفاشر التي كانت تحت سيطرة الجيش قبل السقوط فهي: (النصر ــ الفاشر جنوب).
نشير ان سكان الفاشر مزيج من مجموعات قبلية وإثنية متنوعة من مختلف انحاء السودان، الغالبية منهم ينحدرون من مكونات: الزغاوة، والفور، والمساليت.. وهناك وجود اقل نسبيا للقبائل ذات الأصول العربية يتركزون بولاية جنوب دارفور.. وتعد الفاشر مركزا تجاريا مهما بإقليم دارفور، سكانها يعملون في الزراعة والرعي وتربية الإبل، مما جعل منها أكبرالاسواق السودانية لتصدير الإبل إلى خارج البلاد خاصة الشقيقة مصر.

Exit mobile version