تقارير

الإمارات تدعو إلى الوحدة في الداخل وتسعى إلى التقسيم في الخارج

 

إنها تنسج نفوذها من خلال ميليشيات تمزّق الدول العربية

16 أبريل 2025

كانت دولة الإمارات العربية المتحدة أول دولة عربية تُنشئ وزارة للتسامح. كما كانت الأولى التي تُحاكم بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية. ففي 10 أبريل، عرض محامو السودان قضيتهم أمام محكمة العدل الدولية، متهمين الإمارات بتمكين القتل الجماعي لجماعة المساليت العرقية من خلال تزويد قوات الدعم السريع (RSF) بالسلاح، وهي ميليشيا ارتكبت سيلاً من الفظائع.

ترفض الإمارات هذه الاتهامات. وتصف ريم كتّيت، مسؤولة في وزارة الخارجية، هذه الاتهامات بأنها “حيلة علاقات عامة ساخرة ولا أساس لها”، وتقترح أنها تهدف إلى صرف الانتباه عن الفظائع التي يرتكبها الجيش السوداني، الخصم الرئيسي لقوات الدعم السريع في الحرب الأهلية المستمرة منذ عامين.

صحيح أن الجيش السوداني ارتكب بدوره جرائم حرب، لكن دعم الإمارات لقوات الدعم السريع لا يثير الكثير من الشك. ومع ذلك، لأسباب إجرائية، من غير المرجح أن تتقدم القضية كثيراً. لكنها مع ذلك تسلط الضوء على نمط أوسع: في جميع أنحاء الشرق الأوسط، دعمت الإمارات مجموعة من الميليشيات التي تسعى إما إلى الاستيلاء على السلطة بالقوة أو إلى تقسيم الدول.

إلى جانب السعودية المجاورة، تقف الإمارات في مركز العالم العربي الحديث. فهما تمتلكان أكبر اقتصادين وأهم نفوذ دبلوماسي في المنطقة. وترى كل منهما نفسها كقوة متوسطة مستقلة في عالم متعدد الأقطاب. لكنهما تتبعان نهجاً مختلفاً تجاه المنطقة؛ فالسعوديون يعتبرون الاستقرار مصلحة أساسية، وغالباً (وإن لم يكن دائماً) ما يصطفون إلى جانب الولايات المتحدة.

أما الإمارات، وهي اتحاد يضم سبع إمارات (بما في ذلك دبي)، وأغناها أبو ظبي، فقد سلكت طريقاً مختلفاً. في ليبيا، تحالفت مع خليفة حفتر، وهو أمير حرب حاول الإطاحة بالحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس. وفي اليمن، تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو جماعة انفصالية. كما أقامت علاقات وثيقة مع زعماء في بونتلاند وأرض الصومال، وهما جمهوريتان انفصاليتان في الصومال. وقد تعارضت العديد من سياساتها مع الولايات المتحدة، بل إن دعمها لقوات الدعم السريع في السودان وضعها على خلاف ليس فقط مع أمريكا، بل مع الصين وروسيا أيضاً – وهو إنجاز ليس بهيّناً.

عندما يُطلب من المسؤولين الإماراتيين تفسير سياساتهم، غالباً ما يصرون على أنها ليست سياساتهم أساساً. تنفي الإمارات إرسال أسلحة إلى قوات الدعم السريع، حتى بعد أن كشفت التحقيقات الأممية وصور الأقمار الصناعية أنها كانت تفعل ذلك عدة مرات أسبوعياً. وفي وقت سابق، زعم مسؤول بوزارة الخارجية أن دعم بلاده لحفتر تم “بالتنسيق الكامل” مع الحلفاء – رغم أن معظم حلفاء ليبيا، بما في ذلك أمريكا، كانوا يعارضونه.

يخمن الدبلوماسيون الأجانب في أبو ظبي وجود دوافع اقتصادية. فالبعض يرى أن الإمارات تسعى إلى صفقات تفضيلية للحصول على ذهب السودان. إلا أن هذا التفسير يبدو سطحياً؛ فمعظم ذهب السودان يُصدَّر أصلاً إلى الإمارات. آخرون يرون أن الإمارات تسعى إلى الوصول للأراضي الزراعية والموانئ في السودان في إطار مبادرة أمنها الغذائي، إذ إنها تستورد 90% من غذائها.

لكن التركيز على الدوافع التجارية قد يعكس الواقع بشكل مقلوب. فالدافع الأبرز على ما يبدو هو الأيديولوجيا. فالرئيس محمد بن زايد آل نهيان يعادي الإسلاميين بشدة. كما تسعى العائلة الحاكمة إلى تقليص نفوذ قطر وتركيا، اللتين تدعمان الأحزاب الإسلامية. ويريدون أيضاً ترسيخ نفوذهم الإقليمي بشكل مستقل عن السعودية.

في اليمن، دفعها شعور بالخطر إلى الانضمام إلى التحالف الذي تقوده السعودية وشن الحرب عام 2015 ضد الحوثيين، وهم جماعة شيعية متمردة استولت على أجزاء واسعة من البلاد. لم يكن أحد يريد لميليشيا مدعومة من إيران أن تترسخ في شبه الجزيرة العربية. لكن الإمارات أرادت حلفاءها الخاصين على الأرض – جزئياً لأن السعوديين كانوا قريبين من حزب الإصلاح، وهو فرع من الإخوان المسلمين.

وكان الانفصاليون في الجنوب، الذي كان دولة شيوعية مستقلة حتى عام 1990، أكثر ملاءمة. وقد تجني هذه التحالفات مكاسب اقتصادية يوماً ما. إذ تأمل شركة “AD Ports”، عملاق الشحن المملوك للدولة في أبو ظبي، في الفوز بعقد لتشغيل ميناء عدن جنوبي اليمن. لكن الوزن الاقتصادي للإمارات يعزز علاقاتها، دون أن يكون هو سببها الرئيسي.

أنهى السودان عقوداً من الحكم الإسلامي عندما أطاح بعمر البشير في عام 2019، لكن ضباطاً إسلاميين ما زال لهم نفوذ في الجيش. وهذا منح الشيخ محمد سبباً لدعم قوات الدعم السريع. وربما شعر أيضاً بالالتزام تجاه زعيمها محمد حمدان دقلو (المعروف بـ”حميدتي”)، الذي أرسل آلاف المقاتلين لمساعدة جيشه في اليمن. يقول مسؤول أمريكي سابق التقى الرئيس الإماراتي: “أعتقد أنه يشعر بولاء تجاه هؤلاء الرجال”.

تُصر الإمارات على أنها تتصرف ببراغماتية. وهذا الطرح يحمل بعض الحقيقة. فحلفاؤها في اليمن كانوا مقاتلين أكفأ من نظرائهم المتحالفين مع السعودية. والحكومة المعترف بها دولياً في ليبيا ليست شرعية تماماً، فهي بدورها تهيمن عليها ميليشيات.

لكن دعم الجهات الخارجة عن القانون لم يكن ناجحاً جداً. فقد أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق عام 2018، وضغطت على دول أخرى لتطبيع العلاقات مع بشار الأسد، دكتاتور سوريا. ويقول أنور قرقاش، مستشار السياسة الخارجية للشيخ محمد، إن هذا التوجه جاء “من منطلق الإحباط بعد عشر سنوات”. ويضيف أن عزل الأسد لم يجدِ نفعاً، لذا كان من المجدي محاولة التواصل معه.

لكن التواصل فشل أيضاً. فقد فر الأسد إلى موسكو في ديسمبر. وتبدي الإمارات تشككاً تجاه الحكومة الجديدة ذات القيادة الإسلامية أكثر من غيرها من دول الخليج (رغم أنها لم تعمل بعد ضد الرئيس الجديد أحمد الشراع).

فشل حفتر في الاستيلاء على طرابلس. وخسرت قوات الدعم السريع العاصمة السودانية الشهر الماضي وفرّت من المدينة. وفي الحالتين، كان لدور الإمارات أثر عكسي على الأرجح. فقد أعطت تركيا مبرراً لتعميق علاقاتها مع الجيش السوداني والحكومة في طرابلس: إذ اعتمد الطرفان على الطائرات التركية المسيّرة لصد خصومهم.

وقد ألحقت هذه السياسات ضرراً متزايداً بسمعة الإمارات. ففي اجتماعات منفصلة بواشنطن الشهر الماضي، أثار ثلاثة من موظفي الكونغرس إمكانية فرض عقوبات. لكن ذلك لا يزال مجرد كلام – في الوقت الحالي. وكما يقول المثل: “دعم جماعات مثل قوات الدعم السريع ليس جريمة فقط، بل هو خطأ فادح”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى