رأي

إلى رجال السودان.. حكاية وطن لا يموت

راشد شاويش

في زمنٍ اختلطت فيه المفاهيم، وتاهت فيه البوصلة بين الصراخ والخذلان، يبقى المرابط في الثغور هو المعنى الحقيقي للرجولة. هو من ترك دفء أهله، وراحة بيته، ومتع الحياة، ليقف في وجه العاصفة، ويحرس تراب هذا الوطن الذي نال من الطعنات ما يكفي لتمزيق الجبال.

في معركة الدفاع عن السودان، لم يكن هناك من رفاهية الحياد.
إما أن تكون مع الأرض، أو مع من يسعون لسلبها.
إما أن تصون الوطن، أو تصفق لمن يحرقه.

وهنا، لا حديث يعلو فوق صوت المرابطين.
أولئك الجنود المجهولون الذين جاعوا ليشبع غيرهم، وباتوا على الحفر ليحمي الوطن، ودفنوا أحبابهم بصمت ليواصلوا القتال.
منهم من استشهد، ومنهم من عاد بجراح لا تُرى بالعين، ولكنها تقطع القلب.

هؤلاء هم الصفوة الحقيقية.

ليسوا مشاهير، ولا نجوماً على منصات التواصل،
بل رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه،
فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر.

هم الذين صمدوا في الخرطوم وبحري وأم درمان.
هم من قاتلوا في الجزيرة وسنار ودارفور
من رابطوا في كل بقاع السودان، وأفشلوا الخطة الكبرى التي أرادت اختطاف السودان كاملاً.

هؤلاء لا تظهر صورهم في نشرات الأخبار،
لكنهم في السماء أعظم شأناً من ألف خطبة وشعار.

وفي خضم هذه الحرب، برزت حقائق كبيرة:

من يقاتل لأجل وطنه لا يحتاج إلى من يدعوه لذلك، فهو يعلم أن البقاء بلا أرض هو موت مؤجل.

من يحمي ترابه لا يسأل: “كم سأربح؟” بل يسأل: “كيف أحمي مَن هم بعدي؟”

ومن يصبر في ميادين القتال، أياً كان دوره، هو شريك في صناعة المجد.

هناك في الثغور، لا توجد رفاهية الكلام…
هناك فقط فعلٌ، وعرقٌ، وتكبيرات في وجه الموت.
هناك يُكتب التاريخ الحقيقي، بلا تزييف أو تحريف.

ولعلّ من أجمل مشاهد هذه الحرب، مشهد الجنود وهم يصلّون جماعة في الخنادق،
مشهدهم وهم يتقاسمون الرغيف والذخيرة،
مشهدهم وهم يودعون رفاقهم بالبكاء والدعاء والابتسامة التي تقول:
“نم قرير العين… سنواصل الطريق.”

هؤلاء هم حراس السودان الحقيقيون.
لا يبحثون عن سلطة، ولا يتفاوضون على شبر.
كل ما يريدونه أن تبقى هذه الأرض كما عرفوها:
حرّة، موحّدة، شامخة.

فهل جزاء هؤلاء إلا أن نرفعهم فوق الرؤوس؟
هل نساويهم بمن باع السودان لحفنة دولارات؟
هل نضعهم في كفة، ومن خذل الوطن في الكفة الأخرى؟

لا، والله.

المرابطون، والمجاهدون، والشهداء، والمضحون، هم عنوان هذا البلد،
وسنكتب أسماءهم على جدار الذاكرة،
وسنروي بطولاتهم لأطفالنا،
وسنبني لهم تماثيل في القلوب،
ونقول للأجيال:
هؤلاء من أنقذوا السودان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى