إلى: الدكتور كامل إدريس رئيس وزراء جمهورية السودان

راشد شاويش
الموضوع: خارطة طريق استراتيجية لنهضة السودان وبناء دولة العدالة والتنمية
تحية واحترامًا،،
أكتب إليكم هذه الرسالة، لا بصفتي فردًا عاديًا فقط، بل بصفتي مواطنًا يحمِل الهمّ الوطني في قلبه، ويؤمن أن السودان لا يزال يملك فرصة تاريخية للتحول إلى دولة مستقرة، مزدهرة، وعادلة، رغم ما يحيط به من دمار وتشظٍّ غير مسبوق.
سيادتكم،
إن توليكم مسؤولية رئاسة الوزراء في هذا التوقيت بالغ التعقيد، لا يمكن أن يُنظر إليه إلا باعتباره لحظة استثنائية تفرض علينا جميعًا إعادة تعريف مشروع الدولة السودانية. فالسودان، كما تعلمون، لم ينهَر فقط بسبب الحرب، بل بسبب مشروع دولة فاشل منذ الاستقلال، اعتمد على النخب المؤقتة، والتكتيكات القصيرة الأجل، والمساومات السياسية بدلاً من بناء مؤسسات دولة حقيقية.
أولاً: تشخيص الأزمة – دولة بلا مشروع
دولة انهارت فيها مؤسسات الخدمة المدنية والتعليمية والعدلية.
نخبة سياسية عاجزة عن الاتفاق على الحد الأدنى من الرؤية الوطنية.
اقتصاد هش قائم على الريع، والفساد، والسمسرة بدلًا من الإنتاج.
عقل جمعي مشوش، يعيش على الشعارات أكثر من الخطط الواقعية.
ثانيًا: مفاتيح التحول الاستراتيجي – خارطة طريق النجاح
1. بناء مشروع وطني جامع
يجب أن نؤسس لـ”هوية وطنية سودانية جديدة” تتجاوز الجهوية، القبلية، والمناطقية.
فتح حوار وطني حقيقي، لا لاقتسام السلطة، بل لتحديد “ما الذي نريده من الدولة؟” و”كيف نعيد بناءها؟”.
2. إصلاح مؤسسات الدولة لا ترميمها
لابد من إعادة بناء الدولة من القاعدة إلى القمة: مؤسسات الخدمة المدنية، القضاء، الشرطة، الجيش، والتعليم.
الاستثمار في الموارد البشرية السودانية وعودة الكفاءات المهاجرة.
3. اقتصاد الإنتاج لا اقتصاد الأزمات
لا بد من إنهاء عهد السمسرة والمضاربات وتوجيه الموارد نحو الزراعة، التصنيع، والتكنولوجيا.
سياسات مالية ومصرفية واضحة تحفّز الاستثمار المحلي وتستقطب المستثمر الأجنبي وفق معايير وطنية صارمة.
4. بناء تحالفات ذكية وليس ارتهانات
السودان لا يحتاج إلى وصاية من أي جهة كانت، بل إلى شراكات استراتيجية مع الدول التي تحترم إرادته.
المصلحة الوطنية يجب أن تكون البوصلة في أي علاقة خارجية.
5. العدالة الانتقالية والمصالحة الحقيقية
لا يمكن بناء دولة جديدة على أنقاض المظالم القديمة.
مسار واضح للعدالة الانتقالية لا يقوم على الانتقام، بل على الاعتراف، المحاسبة، وجبر الضرر.
6. الجيش والدولة
يجب إعادة تعريف العلاقة بين الجيش والدولة، لا بصيغة الانفصال ولا بصيغة الهيمنة، بل من خلال عقد دستوري يضمن للجيش أن يكون حاميًا للسيادة، لا لاعبًا سياسيًا.
ثالثًا: التواصل الاستراتيجي مع الشعب
يجب ألا نُكرر خطأ النخب السابقة في الانفصال عن وجدان الشارع.
أنتم بحاجة إلى خطاب دولة وليس خطاب أزمة، يُلهِم الناس ويستنهض الطاقات.
بناء منظومة إعلامية وطنية قوية تقدم المعلومة وتحارب الشائعة وتصنع الأمل.
وأخيرًا…
سيادة الرئيس،
إنّ السودان اليوم في لحظة فارقة: إما أن ننقذه أو ندفنه. لا نملك ترف الوقت، ولا نحتمل المزيد من التجريب. والشعب السوداني – رغم كل الجراح – لا يزال يملك روحًا حيّة تؤهله للنهوض إذا وجد القيادة الصادقة، والرؤية الواضحة، والعمل المنظم.
هذه رسالتي، وهي في حقيقتها نداء من عمق الأزمة، لكنها أيضًا شهادة على الأمل.
وفقكم الله لما فيه خير السودان.