رأي

هكذا يتم اختراق السودان بطرق سرية (2 -2)

 

عطا المنان بخيت

ورغم أن الحكومة السودانية قد قبضت على عدد من طائرات وموظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الإنسانية متلبسين بجريمة نقل الذخائر والأسلحة لحركة التمرد؛ لإذكاء نار الحرب، ونقل قادة الحركة ومقاتليها على طيران الإغاثة، فإن ذلك العمل الشنيع لم يجد الاستنكار اللازم من دول المركز ومنظماتها.

بالمقابل، استمرّت قيادة عملية شريان الحياة في انتهاك سيادة السودان، والتحريض على الحكومة المركزية والسكوت عن تجاوزات ومخالفات فصائل التمرد، وتجاوزها المستمر للقواعد التنظيمية والإدارية التي قامت عليها عملية شريان الحياة، مما يعني دعمها المباشر أو غير المباشر لعملية توظيف العون الإنسانيّ لدعم حركة التمرّد في جنوب السودان.

دعم الحرب في دارفور
إن تعامل المنظمات الإنسانية المباشر مع حركة التمرد في الجنوب دفعها لمقاطعة الحكومة المركزية تمامًا والانسياق مع برامج وتوجهات حركة التمرد، لدرجة أن هذه المنظمات تبنت أطروحات الحركة وخطابها السياسي.

أصدر تحالف المنظمات العاملة في جنوب السودان، والذي يضم منظمات دولية مرموقة، مثل: أوكسفام وحماية الطفولة، بيانًا ناشد فيه المجتمع الدولي فرض السلام فرضًا في السودان باعتباره الوسيلة الوحيدة لإنهاء حالة الطوارئ الإنسانية المعقدة في البلاد.

تصاعد الطابع السياسي للعملية، حيث بدأ المسؤولون في عملية شريان الحياة في استخدام الخطاب السياسي لحركة التمرد الذي ينادي بحماية حقوق المهمشين اقتصاديًا وسياسيًا في شمال السودان، وينادون برفع الظلم عنهم، في تجاوز فاضح لدورهم الإنساني الذي حددته الوثيقة الأساسية الموقعة مع حكومة السودان، وتجاوزوا في ذات الوقت مبادئ العمل الإنساني القائمة على الحياد والنزاهة.

في وسط هذا المشهد الذي تنمرت فيه منظمات العون الإنساني الدولية وخرجت عن سلطان الحكومة السودانية وعن سيطرة الأمم المتحدة، جاءت أزمة إقليم دارفور في العام 2003، فقفزت منظمات المجتمع المدني الغربية عامة، واليهودية الأميركية خاصة، في مركب دارفور، وقادت حملة تشويه وتحريض ضخمة ضد السودان بشكل لم يسبق له مثيل.

قاد هذه الحملة الشعواء تحالف “أنقذوا دارفور” في أميركا الذي ضم عددًا كبيرًا من المنظمات، معظمها يهودية ودينية مسيحية، ولها مواقف مبدئية معادية لحكومة السودان. استغل تحالف “أنقذوا دارفور “حالة الفوضى التي خلقتها المنظمات الإنسانية العاملة في عملية شريان الحياة، ولم يوقع أي اتفاق مع حكومة السودان، ولم يطلب إذنها للعمل في دارفور أصلًا.

دشن تحالف “أنقذوا دارفور” مرحلة جديدة وغريبة في عمل المنظمات، وهي التعامل مع المانح والمستفيد مباشرة دون الحاجة للدولة، مما يؤكد توجه التحالف لانتقاص سيادة الدولة السودانية بغية توفير الدعم السياسي والدبلوماسي والإعلامي للحركات المسلحة في دارفور.
كما أن التحالف لم يلتزم بمبادئ العمل الإنساني الدولي المعروفة، وإنما أصبح تجمعًا سياسيًا بامتياز يعمل على التحريض ضد الحكومة السودانية وتشويه صورة السودان لدى الرأي العام الأميركي والعالمي.
قامت المنظمات اليهودية الأميركية التي قادت تحالف أنقذوا دارفور بتبني سياسات وإستراتيجيات تهدف لإعادة ترتيب الأوضاع في السودان وإعادة صياغة الواقع السياسي والاجتماعي في البلاد تحت مظلة العمل الإنساني.

وفي سبيل ذلك، استخدمت المساعدات الإنسانية كأداة لفرض نفوذها السياسي وبناء تحالفات خبيثة تخدم مصالح الدول المانحة. ومن جانب آخر، نجحت المنظمات في إحداث تغييرات سلبية عميقة في المجتمع، حيث تحول إنسان دارفور من إنسان منتج وعامل مجتهد إلى متلقٍّ للدعم، عاطل عن العمل، عاجز عن الإسهام في تنمية المجتمع.
وأخيرًا، فقد تحولت عملية شريان الحياة من عملية إنسانية إلى عملية سياسية ممتدة، بدءًا من الحوار بشأن الممرات الآمنة مرورًا بالحوار حول وقف العدائيات وانتهاءً بمفاوضات السلام السودانية التي كانت المنظمات عنصرًا رئيسيًا فيها.

لقد نُشر الكثير من الكتابات عن عملية شريان الحياة وتداعياتها على منظومة العمل الإنساني الدولية. ومن أهم ما كُتب عنها بالعربية كتاب الباحث السوداني محمد الفاتح مجذوب بعنوان: “تقاطع السياسة والعون الإنساني في السودان، عملية شريان الحياة نموذجًا”، الذي نشره مركز الجزيرة للدراسات.
إن استيعاب هذه التجربة مهم جدًا في وقت يواجه فيه السودان الآن أزمة إنسانية خطيرة يحتاج فيها بالضرورة لدعم العالم ومنظماته الإنسانية رغم مساوئها الجمة التي أشرنا إلى بعض منها.
بيدَ أن حاجة السودان الماسة للدعم الإنساني الدولي لا تبرر بأي حال استغلال العون الإنساني لفرض الأجندة السياسية للدول المانحة تحت أي ذريعة كانت.

ولا مشاحة أن يتعامل السودان – ولو على مضض – مع المنظمات الإنسانية الدولية إن التزمت بمبادئ العمل الإنساني الدولي ونظمه. وقديمًا قال الشاعر: “ومن نكد الدنيا على الحُر… أن يرى عدوًا له ما من صداقته بدّ”.

“الجزيرة نت”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى