من داخل الاحتفال.. وقائع توقيع الأبالسة

الصادق الرزيقي
حول حفل التوقيع على ما يسمى ميثاق التأسيس الذي تم في فجر يوم الأحد 23 فبراير 2025م بالعاصمة الكينية نيروبي، تتسرب الأخبار والمعلومات من مجموعات داخل مليشيا الدعم السريع، ومن المجموعات الأخرى المتحالفة معها المتعاونة مع جهات أخري، وتبرع لفيف من الناشطين الذين حشدوا في الحفل، بعضهم غاضب وبعضهم يعمل لصالح أخرين، بالتفاصيل الكاملة للساعات التي سبقت حفل التوقيع، والإجراءات التي تمت داخل القاعة والاجتماعات الطويلة التي امتدت لساعات لإنقاذ عملية التوقيع من الفشل أو التغطية على ما صاحب الحدث من خيبة وإخفاقات وكلها معلومات متطابقة مع ما سربه بعض المستشارين والمقربين من قائد ثاني الدعم السريع، وما نثرته أفواه الموقعين من الشخصيات السياسية التي كانت بمنزلة طيور الزينة في الحدث كله.
لماذا كانت الترتيبات للاحتفال سرية ..؟ وأُطبق حولها ستار حديدي، ومنعت وسائل الإعلام الكينية والاجنبية والصحافيين من تغطيتها، فالسبب كان واضحاً ويرجع إلى الانتقادات الحادة الضغوط التي مورست على الحكومة الكينية من المعارضة ونواب في البرلمان والحملة الصحفية والإعلامية الضخمة والالتماس القضائي الذي قدم للمحكمة العليا، فطلبت السلطات الكينية من مليشيا الدعم السريع إقامة حفل التوقيع دون جلبة وضجيج والترتيب لمكانه سراً، وأن لا يتضمن أية فقرات خطابية سوي مقدم الإحتفال والاغاني ثم التوقيع .
تمت حراسة مقر الاحتفال في فندق (THE EDGE HOTEL AND CONVENTION CENTRE) بعدد ( 200) من الشرطة الكينية، وبعض عناصر الامن الكيني بملابس مدنية، وأشرفت عناصر من المليشيا تحت ( لجنة التأمين) بقيادة (مصعب وموسى ع ك) على تنظيم دخول المشاركين والتأكد من بطاقات الدخول،ومطابقة الأسماء بالقوائم،والتأكد من عدم وجود أية اختراقات، ومُنعت وسائل الإعلام التي لم تتم دعوتها أصلاً من الدخول أو التواجد بالفندق .
كان الوقت المحدد لبداية حفل التوقيع الساعة الثانية ظهراً، تأجل إلى الرابعة عصراً، ثم السادسة مساء، وبعدها تم مط الزمن وتطويله ليتم التوقيع عند الواحدة صباح اليوم التالي، فلماذا كل هذا التأجيل وتغيير الموعد؟ فطبقاً لمعلومات من عدة أطراف لصيقة بالترتيبات وبقيادة المليشيا وحلفائها، أن التأجيل ما بين الثانية ظهراً حتى الواحدة من فجر اليوم التالي، كان لسببين، الأول حرص السلطات الكينية على إحكام التدابير خشية الضغوط الداخلية المتصاعدة، والسبب الثاني هو المفاوضات مع رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور، وممانعة عبد العزيز الحلو وتعديلاته التي سعى لتضمينها، وإصراره بأنه لن يوقع شخصياً، وتكليفه يوسف تكة من النيل الأزرق ليوقع إنابة عن الحركة الشعبية شمال، وكان ذلك مثار إعتراض من المليشيا وحلفائها، باعتبار يوسف تكة لا يعطي الدلالة والمغزى الكبير المطلوب، وذلك سيجعل الحلو في حل من الالتزام في أي لحظة، ويضمر التملص والمراوغة، لذا استمرت محاولات إثناء الحلو وزحزحته عن موقفه أربعة ساعات من السادسة مساء حتى العاشرة ليلاً .
موقف عبد الواحد محمد نور نابع من طبيعة فهمه للمشهد السياسي والعسكري وتعقيدات الأوضاع في دارفور، فقد تلقي عبد الواحد تحذيراً من ( يوسف كرجكولا ) قائد قواته في دارفور بأنه سيتم عزله إذا أقدم على التوقيع والتحالف مع المليشيا، كما وردته إتصالات غاضبة من قيادات النازحين بمعسكرات النزوح بدارفور، وتلقي نصائح جاءته من جهات سياسية وأجنبية بأن سيحترق سياسياً بالتوقيع وسيتحمل جرائم وانتهاكات المليشيا، لذلك باءت محاولات السلطان أحمد دينار لإقناعه بالفشل، ولم تفلح الإغراءات المالية . ويبدو أن عبد الواحد حتى يخلو له وجه الفور وحده، أعجبته فكرة تورط مخالفيه من أبناء الفور ( الهادي إدريس، احمد عبد الشافع- وكانوا معه في حركته سابقاً ) وتحالفهم مع الدعم السريع بأياديه الملطخة بالدم، مع ذلك يشاع أن عبد الواحد ترك الباب موارباً قال قد يوقع يوماً ما في المستقبل، ووافق على طلب الدعم السريع بأن لا يعمل ضد الميثاق أو يسعى لإعاقته .
.لم يحضر حفل التوقيع أي ممثل للحكومة الكينية، ولا ضيف واحد من الجهات الاأنبية أو السلك الدبلوماسي المقيم في نيروبي، ولا موفدين من منظمات اجنبية، لكن تسرب أن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة السابق فولكر بيرتس، المتسبب في حرب السودان كان موجوداً في نيروبي والتقى بقيادات حفل التوقيع، وسبب وجوده أن نص الميثاق التأسيسي قام هو ومعاونيه بكتابته وإعداده ثم ترجمته للعربية، بالتنسيق مع الدكتور نصر الدين عبد الباري وسليمان صندل وآخرين من الدعم السريع. وعمل فولكر خلف الكواليس.
حسب المعلومات من مصادر كينية وتقارير دبلوماسية أن شخبوط بن زايد وزير الدولة للخارجية الإماراتية وأحد مسؤولي الملف السوداني زار نيروبي سراً والتقي الرئيس الكيني وطاقم مكتبه، واجتمع بقادة المليشيا، وقال أحد أتباع قائد ثاني المليشيا أن الإمارات دفعت لهذا الاحتفال خمسة ملايين دولار تسلمها القوني حمدان ولجنته الخاصة التي كانت تصرف على الاحتفال وتجهيزاته بالاضافة الى الاموال الخاصة بالمليشيا .
رجال الادارة الاهلية قاطع بعضهم الاحتفال، وبقي أكثرهم في الفندق وكانوا في غاية الاستياء والحنق، بسبب تجاهلهم وسوء معاملتهم المعاملة التي تليق بهم، وعندما رفض الحضور أغلبهم الحضور، طلب منهم عناصر المليشيا ومعهم محمد حسن التعايشي في مفاوضات ماراثونية تفويض السلطان دينار للتوقيع بالإنابة عنهم، وهذا ما تم، ولا يزال التذمر قائماً .
لم يحضر من قيادات الادارة الاهلية سوي 20 فرداً، بينهم فقط ناظر الفلاتة –تلس، وناظر قبيلة البني هلبة ووكيل ناظر الرزيقات، وأمير من غرب دارفور، والبقية كانوا عمد ودرجات أقل، فقد غاب كبار النظار وزعماء القبائل في دارفور وكردفان، فولاية شمال دارفور لم يحضر منها أحد من القبائل العربية او غيرها وكذلك وسط دارفور، وتعتبر مقاطعة الإدارة الأهلية هي المعضلة الأبرز التي تواجه الميثاق وصناعه .
تم الإتفاق على تكوين لجنة خاصة ستمكث في نيروبي لإجراء المشاورات حول تشكيل ما يسمى بالحكومة الموازية ومحاصصاتها، وتدور أقاويل حول مقرها هل سيكون في نيالا بجنوب دارفور أم في كاودا بجنوب كردفان.
خلال مراسم التوقيع تم منع بعض الناشطين من التوقيع، فتراجي مصطفي التي جاءت لتمثل ما يسمى بالهامش، لم يسمح لها بالتوقيع، وحدثت مشادات بينها وبين منظمي الحفل، وتساءل البعض في قيادة الدعم السريع والسياسيين الآخرين في كيفية حضروها ومن الذي دعاها، واستاءت لعدم توقيعها.
شركات السلطان أحمد دينار بنيروبي تولت الأعمال اللوجستية ( DINAR GROUP) و (SULTAN) والجوانب الوجستية والتنقل الداخلي وتأجير السيارات والحافلات وحجز الفنادق والقاعة والاتصالات مع السلطات، بينما تولت منظمة (SARHO) وهي منظمة الدعم السريع للشؤون الانسانية عبر مكتبها بنيروبي الذي يديره عز الدين الصافي ويعاونه محمد مختار، تنسيق العمل مع بعض المنظمات والاتصال ببرنامج الغذاء العالمي ومنظمات إغاثية.
تلاحظ أن الجانب المالي كله يديره القوني حمدان وعلاء سليمان رغم وجود مصطفي عبد النبي المدير المالي للعم السريع والخبير المصرفي في نيروبي، كما تلاحظ ضعف أدوار مستشاري الدعم السريع المتواجدين في الاحتفال وبعضهم وصل في يوم 18 فبراير 2025م قادماً من دبي.
بالرغم من وصول عائلات قائد وقائد ثاني مليشيا الدعم السريع وابناءهم وبعض أخوالهم، إلا أنه لم يشاهد في نيروبي كل من ( عادل حامد دقلو – موسى حمدان دقلو – جمعة حمدان دقلو ).
أما السؤال الأكبر الذي يحتاج بالفعل إلى إجابة، أين محمد حمدان دقلو (حمديتي) الذي راجت معلومات كثيفة عن وجوده في كينيا وعن مشاركته في حفل التوقيع وعن لقاءاته الخاصة التي عقدها، إلا أنه لم يظهر قط..! ولم يشاهده أحد…! ونفى بعض مستشاريه حضوره من الأساس، كل ذلك…. من غياب قائد التمرد إلى المرأى الفطير المرتبك للاحتفال والتوقيع يجعل السؤال أكثر الحاحاً ….!