رأي

“مصطفى سعيد.. لعنةُ اللهِ عليك”! (1)

فيما أرى

عادل الباز

 

لا أعرف كيف بُعث مصطفى سعيد للحياة مرة أخرى.. لقد فارقتُ مصطفى سعيد منذ منتصف الثمانينيات حين كان أدب الطيِّب صالح موضوعاً لمنتديات الجامعة المزدهرة آنذاك.. يبدو أنَّ مصطفى سعيد، كعادته، إذا ما أطلَّ على عالم شخصيَّة ما، تُصبحُ طريدةً له ولن تستطيع مفارقته. الطيِّب صالح، الذي خلق الشخصيَّة في عالمٍ خيالي جعل الرَّاوي نفسه طريدة لمصطفى سعيد..

محمَّد طه محمَّد أحمد صاحب صحيفة ‘أشواك’ في الجامعة، وصاحب ‘الوفاق’ الغرَّاء الآن، نموذجٌ للشخصيات التي ظلت طريدة لمصطفى سعيد.. لقد كتب محمَّد طه عن شخصيَّة مصطفى سعيد منذ أيام الجامعة وانتقدها نقداً بديعاً، أبصرنا من خلاله التعقيدات التي تكتنف هذه الشخصيَّة، فأعدنا قراءتها أكثر من مرَّة.. تلبَّست شخصية مصطفى سعيد محمَّد طه منذ ذلك الوقت وطاردته، فلا يمر شهر أو شهران حتى يُبعث مصطفى سعيد من خلال ‘الوفاق’ حياً في وسط الجدل السياسي، المحلي والعالمي.. لقد وهب محمَّد طه شخصية مصطفى سعيد حياة متجدِّدة، وهي الشخصيَّة الرَّاوية التي عاشت في حياة السُّودانيين وأدبهم، كما لم تفعل أية شخصيَّة أخرى.

عاش مصطفى سعيد حياة مليئة بالتناقضات والصراعات والغموض.. وهو ما أعطى شخصيَّته جاذبيَّة خاصة.. على أنني طيلة متابعتي لتطوُّر شخصيَّة مصطفى سعيد، كنتُ في حيرة من أمري حول طبيعة بناء هذه الشخصيَّة.. ينتابني أحياناً إحساسٌ بأنَّ مصطفى سعيد ليس أكثر من مجرمٌ ذكي، بل هو أفَّاكٌ عظيم.. مصطفى سعيد ليس أكثر من داعر في حانات ومقاهي لندن.. مصطفى سعيد شخصيَّة تافهة لا يستحق أن يُكتب عنها سطراً.. وَهَبَ الله مصطفى سعيد عقلاً عظيماً لكنه حوَّله إلى آلة حادة لقتل وتدمير عشرات الشخصيَّات.

مصطفى سعيد ضحيَّة لظروف وأقدار لا يَدَ له فيها.. مصطفى سعيد ضحيَّة لليُتم وضحيَّة للاستعمار وضحيَّة للحضارة الغربيَّة.. مصطفى سعيد لم يذهب للغرب غازياً.. لم يكن “عُطيل”.. عُطيل كان أكذوبة كما قال هو نفسه.. مصطفى سعيد حينما أدرك أنَّ الحضارة الغربيَّة دمَّرته حاول الانتقام، فاستخدم أداته التي استخدمها للانتقام من جين مورس ومسز روبنسون وغيرهما.

كانت هذه بعض أصداء جَدَلٍ مضى عليه أكثر من خمسة وعشرين عاماً.. سقى الله تلك الأيام حين كان للجَدَل قيمة ومُتعة، قبل أن يُطِلَّ علينا مُفلسون بذيئون أفسدوا الصحافة بفساد أفكارهم وضمائرهم.

قبل يوم من مغادرتي الخُرطوم إلى لندن، وجدتُ نفسي أنقِّب في مكتبتي.. أحاول أن أستلَّ منها الكتب التي لم أقرأها، وما أكثرها.. لقد أصبحنا في هذا الزمن اللئيم خزنة للكتب وليس لقراءتها.. نظرتُ لمجموعة من الكتب مُتحسِّراً، إذ كيف تبقى كتب بهذه القيمة في متناول يديَّ ولم أقرأها.. المهم، جمعتُ بعضاً منها وأخذته إلى “الشنطة” وغادرتُ مُقسماً أنني لن أعود قبل قراءة هذه المجموعة من الكتب
# من كتاب تجديف على شؤاطئ مزهرة للكاتب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى