مأزق بشري في حرب السودان

عبد اللطيف البوني
من البديهات أن التقنين يلاحق الأحداث.. فعندما تتراكم الأحداث والسوابق… يأتي المشرعون ويصيغون القواعد في شكل نصوص محكمة الصياغة.. لتصبح موادا قانونية مرقمة … ومع ذلك يصر أهل القانون على قاعدة لا جريمة بدون نص… منعا للقضاء من التشريع… وتأسيساً على قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة.. وإن يفلت مجرم من العقاب خير من أن يُجرم بريء … وبما أن أي فعل مؤذي لابد من أن يُعاقب مرتكبه يلجأ القضاة في حالة عدم وجود المادة القانونية التي تنطبق تماما على الوقائع… للسوابق وأصول الأحكام القضائية وغيرها حتى لا يفلت مجرم من العقاب بقدر الإمكان…
هذة واحدة، أما الثانية فقد حاول أهل القانون الدولي محاصرة الجريمة المتعدية للحدود… وتقليص فكرة السيادة… التي كانت تحتمي بها بعض الجرائم… فطوروا القانون الجنائي الدولي وحددوا جرائم تبيح التدخل الأممي… مثل جريمة الابادة الجماعية.. والجريمة ضد الإنسانية… وجريمة الحرب… وتوسعوا في توسيع مدى هذة الجرائم…. ومع ذلك فإن الحرب السودانية الحالية أفرزت جرائم لا تحتويها الجرائم الثلاثة أعلاه… والإشارة هناك لسوق المعتدين للمحرقة جماعات ووحدانا… ولنأخذ لذلك مثلا بما حدث في الفاشر مؤخراً، فهذة المدينة ظلت محاصرة لمدة 600 يوم وقاربت الهجمات عليها من قبل الدعامة الثلاثمائة هجوم.. وفي كل هجمة تزهق فيها أرواح العشرات وأحيانا المئات من المهاجمين… الذين لا بواكي لهم… فمعظمهم… مغامرين مأجورين… أو باحثين عن الغنائم… وبعضهم مغيب العقل… وبعضهم بدافع عنصري… يهجمون ويموتون دون أن يسأل عنهم سائل… لأن معظمهم قد قبض ثمن حياته مقدما.. قد يكون استلمها مباشرة أو قد يكون استلمها السمسار الذي أتى به …. لذلك يستخدمون في التكتيكات الحربية… كتفجير الألغام… أو استنزاف الخصم أو حتى إرهاقه…
لنا أن نتخيل عدد الذين ماتوا في الفاشر قبل سقوطها من قبل المهاجمين… وقبل ذلك حدث نفس الشيء في سلاح المدرعات وفي جهات أخرى… دون شك هذة جريمة مكتملة الأركان.. َولكن للأسف لا تدخل في جرائم الحرب المتعدية الثلاثة المشار إليها أعلاه… لأنه ليس هناك نصاً ينص عليها…. فالجرائم المعرفة الآن كلها محصورة في المعتدى عليهم…. جربمة المعتدي على من يستخدمهم في العدوان لم تتبلور بعد.. فهذة جريمة حرب تبحث عن نص…
لكن الأخطر أن هؤلاء المستخدمين لم يُعدوا فاقداً بشرياً لا يسأل عنهم أحد فحسب…. بل إن هؤلاء تمت إعادة صياغتهم وتم القضاء على طبيعتهم الآدمية…. فأصبحوا وحوشا بشرية يتتلذون بالقتل بدم بارد… وهم لا يدرون أن ما يقومون به عمل ممنهج لإثارة الرعب في الآخرين…. فمن يستخدمهم يريد أن ينتصر بالرعب… فهولاء لن تكون لهم حرفة بعد الآن إلا العدوان بكافة أشكاله وعلى كافة البشر مقاتلين أو مسالمين .. ..فالذي رباهم لابد من أن يواصل حربه تجاه بقية السودان (دا أكان وقف على السودان)… لأن تركهم في حدود دارفور يعني قتل من بقى فيها… وإن لم يجدوا خصما يقتلونه فسوف يقتلون بعضهم البعض.. وقد رأينا شيئا من ذلك في الجزيرة بأم أعيننا… يومها كان قتالا من أجل التغنيم… أي صراع حول الذي تمت (شفشفته)… لكن يبدو الآن أن نزعتهم العدوانية قد تطورت لتصبح القتل من أجل القتل… فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم….



