لوموند: الموت في الخرطوم يضرب في كل زاوية من العاصمة المدمرة
الأحداث – وكالات
دخلت الحرب في السودان مرحلة جديدة، ولعلها الأخطر منذ 18 شهرا، حيث لم يعد من خيار مطروح سوى الحرب والنصر الكامل على العدو، فالجيش السوداني مستعد للقتال “مئة عام”، والمليشيا مستعدة لتكوين جيش قوامه “مليون رجل”.
بهذا الملخص، يبدأ التقرير الأول من سلسلة من 8 تقارير أعدتها بعثة صحيفة لوموند من بين الحطام وسط الخرطوم، لتلقي الضوء على الحرب التي تدور بين الجيش السوداني النظامي ومليشيات الدعم السريع والتي تسببت في مقتل أكثر من 150 ألف مدني وتسببت فيما تعد الآن أخطر أزمة إنسانية عالمية.
انطلقت الصحيفة -في تقرير بقلم إليوت براشي- من مقبرة أحمد شرفي في قلب مدينة أم درمان المتاخمة للخرطوم، حيث تمتد القبور على مدى البصر، ويعمل حفار القبور بكل طاقته على طول الجدار في الساحة التي كان يلعب فيها شباب الحي كرة القدم، بعد أن ملأت 18 شهرا من الحرب مقابر المدينة.
وتصف الصحيفة وصول جنازة محمد آدم الذي أصابته قذيفة وهو يستريح على سرير في فناء منزله عندما كانت ابنته إيمان تحضر له القهوة، فقامت الشابة وجارها أسامة بالتقاط القطع، وبعد ساعتين، شق رفاته، تحمله حفنة من الرجال، طريقه ملفوفا في كفن نحو ملجئه الأخير دون أن يغسل نظرا لحالته.
كان شهر أكتوبر الماضي -حسب الصحيفة- من أكثر الأشهر دموية بالنسبة للمدنيين السودانيين منذ بدء الحرب، ففي الخرطوم تقصف القوات شبه العسكرية المناطق التي يسيطر عليها الجيش النظامي، وفي كل يوم تسقط الذخائر بشكل عشوائي على المنازل وملاعب كرة القدم والمدارس التي يسكنها النازحون، وفي المقابل يكثف طيران القوات المسلحة قصفه لمواقع المليشيا، مما أدى إلى مقتل العشرات من المدنيين.
الرقصة القاتلة
وفي أربعة أسابيع، قتل أكثر من 700 مدني -بحسب تقديرات الصحيفة- مع أنه لا توجد إحصائيات موثوقة في السودان رغم أن الأمم المتحدة تواصل الإبلاغ عن عدد القتلى الذي يبلغ حوالي 20 ألف شخص، وإن كانت لوموند تقدر أنه أكثر من 150 ألف ضحية من المدنيين بالتفجيرات والمجازر والوفيات الناجمة عن الجوع والمرض.
وقبل أن تختفي أشلاء محمد آدم تحت الأرض السوداء الباردة، يتفرق الحشد دون مزيد من اللغط بعد أن أصبح الموت طقسا يوميا، يترك المتوفى في عالمه السري ويعود الأحياء إلى مشاغلهم، وينشغل المسلحون بالمجارف بحفر المزيد من القبور، فهناك عائلتان تنتظر بعد أن قتلت قذيفة هاون شخصين بالقرب من محطة وقود في أم درمان.
وتبقى الجنازات مستمرة في هذه الرقصة القاتلة، حيث ينظم الحفار عابدين درما ما بين 15 و40 جنازة يوميا، ويقول “هنا نحفر من صلاة الصبح حتى حلول الليل لدفن المدنيين الذين قتلوا بسبب التفجيرات أو الرصاص الطائش والجنود والوفيات الطبيعية والأوبئة.
وفي جميع أنحاء البلاد، وخاصة في المناطق التي تسيطر عليها المليشيا، لا يمر معظم الموتى عبر المستشفيات والمشارح، وتدفن الجثث في الحدائق أو تحت الأشجار أو على جوانب الطرق وبعضها تلتهمه الكلاب، يقول الحفار “في هذه الفوضى تُدفن حيث تموت حتى لا تتعفن. من المستحيل إحصاء الجثث”.
النهب الممنهج
وبعد أن دخلت الحرب مرحلة جديدة هي الأخطر، تبدو الخرطوم لمن يقترب من الخطوط الأمامية وكأنها مدينة أشباح، بعد أن توقف قلب العاصمة النابض وامتلأت الساحات في أحياء أم درمان التاريخية بالحطام، وتم سحق السوق الشهير، وتحولت المتاجر المدمرة إلى كومة من الطوب الأحمر الممزوج بالأقمشة المتفحمة، ولم يعد سوق الذهب الذي تتلألأ محلاته بالحلي أكثر من صف من الخردة المحروقة، تفوح منها رائحة البارود والموت.
يطلق لقب الجنجويد على قوات الجنرال حميدتي، وقد تم تجنيد هذه المليشيات بشكل رئيسي من القبائل العربية البدوية في غربي البلاد.
ومنذ الأسابيع الأولى، سيطرت مليشيا الدعم السريع على الخرطوم بأكملها تقريبا، إلا أنها على مدى الأشهر أصبحت خارجة عن السيطرة، وانخرطت في عمليات نهب منهجية على نطاق غير مسبوق في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في العاصمة حيث توجد غنائم لا تقدر بثمن كالبنوك والمصانع والمكاتب والمنازل، وقد سُرق كل شيء، حسب الصحيفة.
وجمعت صحيفة لوموند، التي لم تتمكن من الوصول إلا إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني، عشرات الشهادات التي تروي اقتحام مليشيا الدعم السريع للمنازل، وترويع عائلات بأكملها، واغتصاب النساء، وسرقة الأشياء الثمينة من السيارات إلى المجوهرات، وهي انتهاكات يفسرها البعض بالشعور بالانتقام من النخب التي احتكرت السلطة منذ الاستقلال عام 1956.