رأي
لجنة تقصٍ عمياء.. وبلا ضمير! (1/2)
فيما أرى
عادل الباز
1
بالأمس أصدرت بعثة تقصي الحقائق التي كونها مجلس حقوق الإنسان بجنيف تقريراً في غاية الغرابة، ولكن هذا العالم الذي يرزح تحت كل الرزايا بسلطان المستكبرين أصبح لا يُستغرب منه قولٌ ولا فعلٍ، فنحن نعيش بحق في زمن التفاهة!
ما قصة هذه اللجنة وتقريرها؟ وماذا فعلت؟ وما النتائج التي توصلت إليها؟ وكيف وما هي التوصيات التي خلصت إليها؟.. سيتضح لكم العجب العِجاب.. لنرى:
2
في 5 أكتوبر 2023 تقدمت كلٌ من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وبريطانيا والنرويج بطلب لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، لإرسال بعثة خبراء تابعة للأمم المتحدة إلى السودان لمراقبة خروقات حقوق الإنسان، والبحث عن جرائم محتملة ارتكبت ضد النساء واللاجئين والأطفال.. وصوّتت 19 دولة بالموافقة على القرار، فيما رفضته 16 دولة، وامتنعت 3 دول عن التصويت.. (قائمة الدول التي وافقت على القرار لم تتضمن أي دولة عربية ولا إفريقية ولا إسلامية).. أي أن القرار كان غربياً بالكامل، لذلك أطلق عليه كثيرون لقب (القرار الأبيض)!
3
أبدى السودان تحفظه على اللجنة منذ البداية، والسبب كما هو واضح في تكوينها، أن الذين تقدموا بالمقترح يصنّفهم السودان في قائمة الأعداء المنحازين للتمرد مسبقاً، أمريكا موقفها معروف، فهي التي أقامت منبراً للحوار في جدة، وعجزت عن إلزام المليشيا بمخرجاته ثم هجرته إلى جنيف لتضم الإمارات إلى المفاوضات برغم أنف السودان، وظل جنجويد أمريكا بقيادة مولى في والسفير الأمريكي السابق جودفرى يدعمان التمرد منذ بداية الحرب، ألمانيا أصلاً تابع ذليل للسياسات الأمريكية في كل ما يتصل بالسودان، النرويج هي الداعم الأول والحقيقي لـ(تقدم) وممولها الرسمي، وتقدم تمثل الجناح السياسي للمليشيات، ثم إن الذي تبنى الحشد في المؤتمر داخل جلسة مجلس حقوق الإنسان (5 أكتوبر 2023) كانت هي الإمارات مما أدى لتصويت 19 دولة مع قرار إنشاء اللجنة، بينما صوتت 16 دولة ضد المشروع ابتداءً.. وعليه فهي لجنة مشكوك في أهدافها، تحفظ عليها السودان منذ البداية للأسباب أعلاه، ومن ثم رفض التعامل معها لاحقاً، بينما رحبت المليشيات بحسب التقرير بالتعاون الكامل معها، وذلك تم لأحد سببين، إما لأن المليشيات لم ترتكب أي انتهاكات ولا جرائم يمكن أن تعثر عليها اللجنة لتدينها بها!! هذا احتمال، وقد يكون الاحتمال الثاني أن اللجنة التي كونها أعداء السودان تم شراؤها وبيعها في (سوق دقلو) بواسطة كفيلها ولذا فهي مضمونة النتائج!!
_ تٌرى أي السببين ترجحون؟
4
بحسب تقرير اللجنة، المنشور كاملاً في صحيفة (الأحداث) أمس؛ بدأت اللجنة أعمالها ، فماذا فعلت؟ ما الخطوات والتحقيقات التي قامت بها لتصل للنتائج والتوصيات التي أعلنتها أمس؟
قالت اللجنة في تقريرها الفقرة 11: (تحصلت البعثة على معلومات مباشرة من خلال مقابلات مع الضحايا وأسرهم والشهود والعاملين في الخطوط الأمامية ومصادر أخرى أثناء زياراتها لتشاد وكينيا وأوغندا، حتى 31 يوليو 2024، أجرت البعثة مقابلات مع 182 فرداً، (67 امرأة و115 رجلاً).
إذن هذا هو كل البحث الذي قامت بعثة تقصي الحقائق الذي استغرق 10 اشهر (من 5 أكتوبر 2023 إلى 31 يوليو 2024) حسب التقرير واشتمل على ثلاث دول فقط هي كينيا ويوغندا وأوغندا، أي أنهم وخلال عشرة أشهر قابلوا فقط 364 شخصاً (جملةً) أو ضحية خلال زياراتها لثلاث دول فقط (أمانة البعثة أنشئت في مايو 2024 في نيروبي بكينيا!!! )، هي تشاد كينيا وأوغندا!! أي بمعدل شخص واحد كل يوم وبالطبع لن نغفل هنا عن ذكر أن أغلب الذين يقيمون في كينيا ويوغندا موقفهم معلوم من القوات المسلحة.!!
لاحظ أن الضحايا كلهم من خارج السودان، وهم بالملايين بحسب التقرير، ومع ذلك لم تقابل اللجنة إلا 364 ضحية فقط!! ذلك على الرغم من الموارد الضخمة التي توفرت لها والطائرات والمساعدين و الباحثين، ونلاحظ أيضاً أن اللجنة لم تأخذ شهادة أيٍ من الضحايا السودانيين الموجودين في مصر مثلاً، وهي أكثر الدول المجاورة استضافةً للاجئين السودانيين، كما لم تأخذ إفادات من اللاجئين السودانيين المقيمين في جنوب السودان ولا ليبيا ولا إثيوبيا، كما لم تجتهد في تلقي أي شكاوى أو إفادات من الضحايا المحتملين داخل وخارج السودان.؟؟
5
بهذا البحث الهزيل والمفتقر إلى أي مقاييس موضوعية ومنهجية توصلت تلك اللجنة وبناءً على بحثها إياه لنتائج خطيرة انبثقت منها توصيات أخطر!
ما النتائج؟
قال التقرير: (منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، قُتل أكثر من 18,800 شخص وأصيب 33,000 آخرون، وكان العديد منهم من المدنيين المتأثرين بالغارات الجوية والقصف المدفعي والهجمات البرية التي استهدفت منازلهم وقراهم.. بدأت الغارات الجوية والقصف المدفعي في الخرطوم في 15 أبريل 2023، مما أثار حالة من الذعر في المدينة وما حولها، استمرت هذه العمليات، حيث كانت مناطق سكنية بأكملها في الخرطوم وضواحيها تتعرض للقصف بشكل متكرر)!!
لاحظوا كيف أغفلت اللجنة أسباب اندلاع الحرب والذين شنوها وقفز كاتبو التقرير للأحداث مباشرة، وانظر كيف ركزوا على القصف الجوي !!
ثم لاحظ
الفقرتين الأوليتين في الجزء السادس من التقرير (أ، ب) عن القصف “الجوي” وطبعا المقصود هنا إثبات أن الجيش وقواته الجوية هي التي تقصف وتدمر المدن والقرى من دون أي اشارة لما قامت به المليشيا، ودون إثبات حقيقة أن الجيش استهدف معسكرات ومقرات المتمردين بالقصف بشهادة الملايين.
في الفقرة الثالثة تذكروا أن الطرف الآخر تجب الإشارة إليه؛ وهو المليشيا فقالوا في الفقرة 31. (توصلت البعثة إلى أن البنية التحتية المدنية والممتلكات الحيوية تعرضت للهجوم والتدمير من قبل كلٍ من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع) وأضاف التقرير: (تم تدمير أنظمة المياه وشبكات الاتصال وخطوط الكهرباء في عدة مناطق، مما ترك المدنيين في ظروف بالغة الصعوبة، كما تم نهب وتدمير المستشفيات، بما في ذلك مستشفى الشهداء في الخرطوم) بالطبع لم يذكروا من الذي احتل ودمر محطات المياه وشبكات الاتصال والمستشفيات والمدارس وغيرها.. هل فعلت ذلك القوات المسلحة؟ أكاذيب مخجلة ومفضوحة الغرض.!
لاحظ كذلك أن القوات المسلحة مقدمة في الاعتداءات دائماً على المليشيات في التقرير!
كذلك نصت الفقرة 4 من التقرير على: (في أبريل وحتى نوفمبر 2023، شنت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها هجمات واسعة النطاق على مجتمعات المساليت في الجنينة، مما أدى إلى مقتل آلاف الأشخاص وارتكاب أعمال عنف جنسي ونهب للممتلكات)، وهنا بالطبع لا يمكنهم إنكار حقيقة أن المليشيات هى التي ارتكبت جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والمجازر في مدينة الجنينة، وذلك لأن تقريراً أممياً صدر من لجنة الخبراء المعنيين بدارفور في الأمم المتحدة العام الماضي، وأثبت أن المليشيا هي التي ارتكبت تلك الجرائم هناك، ولكنهم حاولوا جهدهم للولوة القصة بإضافة عبارة (المليشيات والقوات المتحالفة معها).. ولا نستبعد أن يعلقوا تلك الجريمة على المليشيات المتحالفة مع الدعم السريع مستقبلاً.. ذلك هو الهدف من إضافة جملة “والمليشيات المتحالفة معها”!
أما في الفقرة 35 الخاصة بالعنف الجنسي فقالوا (النساء تعرضن للإغتصاب بشكل ممنهج من قبل عناصر “يرتدون” زي قوات الدعم السريع.. كما تم توثيق حالات اغتصاب للأطفال دون سن العاشرة).
لاحظ “يرتدون زى الدعم السريع”!! وهي عبارات مستلفة من جهات معلومة بالداخل، أشهرها حزب الامة، كتبها في بيان عندما احتل الدعم السريع داره ! !
في فقرة الانتهاكات (36) الخاصة بالأطفال قال التقرير (قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية متورطتان في هذه الانتهاكات التي تشمل تجنيد الأطفال واستخدامهم في العمليات القتالية)!
كيف ذلك؟ وأين ومتى جنّد الجيش أطفالاً للقتال في صفوفه؟ هنا يصمت التقرير ولا يجيب!
متى انتهك الجيش حقوق الأطفال؟ هل قام بتجنيدهم والزج بهم في المعارك كما تفعل المليشيات؟ الإجابة معلومة للكافة، ولكنهم لا يستطيعون أن يتهموا المليشيات وحدها بانتهاك حقوق الأطفال!!
6
بناء على تلك الطريقة التي اتبعوها في التحقق من الانتهاكات توصلوا للنتائج أعلاه، والتي تبين بوضوح انحياز اللجنة لكل المقولات والروايات التي ترددها المليشيات وداعموها (المخندقين في فنادق كمبالا ونيروبي)، متجاهلة الوقائع والحقائق الماثلة على الأرض والتي يشهد عليها ملايين السودانيين كل صباح، وبناء عليه هندست توصياتها التي سنرى فيها العجب في الحلقة القادمة..!!