كيف ينظر بعض الأمريكيين المؤثرين لما يجري في دارفور: “صراع جديد على ساحة معركة قديمة”

كتب ديكلان والش بصحيفة نيويورك تايمز الامريكية، وهو الصحفي الذي حاز علي جائزة بوليتسر هذا العام عن تغطياته للحرب في السودان اليوم (الأثنين) مقالاً وصفياً يتركز حول ما يدور في دارفور والفاشر خاصة.
وإذا كان والش من الموثرين إعلامياً فإن نيويورك تايمز ذات أثر كبير على النخب والساسة الأمريكيين، ويمكن اعتبار ما تكتبه موشراً لاتجهات النخب التي تمسك بمفاصل الإدارة فيما دون المنتخبين من السياسين.
قال والش بداية أنه “ومنذ سقوط مدينة الفاشر في السودان في أيدي قوة شبه عسكرية الأسبوع الماضي، أشارت صورٌ موثقة وروايات شهود إلى وقوع مذابحٍ مُتلاحقة في إقليم دارفور وفي ذلك اختصار للمشهد العام للمتابع الأمريكي”، وشرح بعدئذ نقصيلا بقوله “تُطلق النار على المدنيين أثناء محاولتهم الفرار من المدينة حيث تُظهر مقاطع فيديو قوات شبه عسكرية تُعدم مدنيين بلا مبالاة. أما أولئك الذين هربوا بصعوبة إلى بلدة تبعد 65 كيلومترًا، فقد رووا قصصًا مروعة عن الرعب والجوع والموت”.
ويشير إلى انه وقبل عقدين من الزمن، انتشرت كلمة “دارفور” في جميع أنحاء العالم كرمز للفظائع التي لا رادع لها في أرض بعيدة. واليوم، يتكرر ذلك المشهد. حيث تجتاح موجة من عمليات القتل إحدى أكبر مدن المنطقة. ويبدو أن التنافسات العرقية نفسها تُؤجج الفوضى.
تنحدر القوات شبه العسكرية التي تُطلق العنان لإرهابها من الجنجويد، وهي ميليشيات ذات أغلبية عربية انتشرت على نطاق واسع قبل عقدين من الزمن.
في المرة الأولى التي انزلقت فيها دارفور إلى الفوضى، كان هناك على الأقل قدر من الضغط الغربي. أما هذه المرة، فلا يوجد سوى القليل من نشاط المشاهير أو الاهتمام السياسي، فانتشر الإفلات من العقاب على الانتهاكات المتكررة.
ثم أجرى الكاتب مقارنة “بين الماضي والحاضر”:
المقاتلون الذين يجتاحون دارفور الآن مسلحون ومنظمون وممولون بشكل أفضل من أي وقت مضى. وهم مدعومون من إحدى أغنى دول المنطقة، و هي الإمارات العربية المتحدة، وهي أيضًا شريك وثيق للولايات المتحدة “نفت الإمارات دعمها لأيٍّ من طرفي الصراع”.
في السابق، كان المقاتلون يمتطون الخيول والجمال بشكل رئيسي؛ أما اليوم، فهم يقودون المركبات المدرعة والشاحنات الصغيرة، وفي السابق، كانوا يحرقون القرى؛ أما الآن، فيطلقون المدفعية الثقيلة ويحلقون بطائرات مسيرة متطورة.
في الحرب الأولى، قاتلت الميليشيات شبه العسكرية إلى جانب الجيش السوداني. أما الآن، فإن المجموعة شبه العسكرية المعروفة باسم قوات الدعم السريع تقاتل الجيش الوطني في معركة مزقت السودان وتسببت، من نواحٍ عديدة، في أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
اندلعت الحرب الأهلية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، جزئيًا بسبب الطموحات السياسية لقائد المجموعة، الفريق أول محمد حمدان دقلو. وقد أعلن حمدان دقلو عن حكومته الموازية في ولايات جنوب دارفور =لكنها لن تجد أي دعم أو اعتراف بل إن مجلس الأمن و الاتحاد الأفريقي و جامعة الدول الغربية رفضتها رفضا تاماً= ارتكبت قوات حميدتي فظائع صنّفتها الأمم المتحدة كجرائم حرب، بينما وصفتها إدارة بايدن بالإبادة الجماعية، مستهدفةً في كثير من الأحيان أفرادًا من قبيلة الزغاوة. كما يُفيد تقرير الأمم المتحدة بأن العنف الجنسي منتشر على نطاق واسع.
حتى بداية هذا الأسبوع، كانت الفاشر المدينة الوحيدة في دارفور التي لم تخضع لسيطرة مليشيا قوات الدعم السريع. وقد تشبثت مجموعة من الجنود السودانيين وقوات حركات دارفور المتحالفة معهم بمعسكر قرب المطار، آخر معقل لهم في المنطقة.
ومع تشديد قوات الدعم السريع حصارها، بنت المليشيا ساترًا ترابيًا مرتفعًا يلتف حول المدينة، محاصرين حوالي ربع مليون نسمة داخله. وتعرض المدنيون الذين حاولوا تهريب الطعام أو الدواء عبر الساتر للضرب أو القتل. وبدأ السكان يتضورون جوعًا. وفي آخر مستشفى عامل في المدينة، لجأ الأطباء إلى إعطاء الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية علف الحيوانات- الامباز-. قالت ميشيل غافن، الباحثة البارزة في دراسات أفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية: “كان الجميع يعلم ما سيحدث عند سقوط الفاشر – أنه بالإضافة إلى أهوال الحصار الجائر، سترتكب قوات الدعم السريع مجازر بحق الناس”.
غضب محدود:
قبل عشرين عامًا، جعل ناشطون مشهورون مثل جورج كلوني قضية دارفور قضيةً شهيرة. شكلت الأزمة هناك أولويةً في السياسة الخارجية للرئيس جورج دبليو بوش، وأصبحت مصدر خلاف مع الصين، التي كانت تمتلك استثمارات نفطية في السودان.
و رغم أن الفظائع الأخيرة أثارت إدانةً قوية، لكنها اقتصرت إلى حد كبير على الدوائر السياسية – مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وبعض أعضاء الكونغرس الأمريكي، وحفنة من السياسيين في أماكن أخرى.
يحاول مستشار الرئيس ترامب الخاص لشؤون أفريقيا التوسط لوقف إطلاق النار. لكن حتى الآن، لم تظهر بوادر نجاح تُذكر ذلك أن أحد الأسباب هو أن المشاركين يشملون دبلوماسيين من الإمارات ومصر والمملكة العربية السعودية – وهي القوى العربية نفسها التي تُؤجج الصراع.
رغم الاتهامات الأمريكية بارتكاب إبادة جماعية، قالت جافين فإن قلة من المسؤولين أبدوا استعدادًا لانتقاد الدور الإماراتي في تأجيج الصراع علنًا. وأضافت: “الإمارات العربية المتحدة تُسلّح وتدعم قوة إبادة جماعية”. لكن ثمة رفضًا تامًا للاعتراف بذلك.



