رأي

كتاب PEOPLE’S AND ECONOMIC IN SUDAN.  

1897-1959

لكاتبة/ Ayoub Balmoan

ذلك الكتاب باللغة الانحليزية، و هناك عمل دؤوب من قِبل مركز عبدالكريم ميرغني لترجمتة للغة العربية (كما سمعت ؟)، ذلك الكتاب الذي  أمضي فيه الكاتب أكثر من من خمسة عشر عاما في تأليفة، طبع الكتاب في مطابع جامعة هارفاد الامريكية.

تطرق الكتاب

لأهم القضايا الذي أثرت في تاريخ السودان الحالي و القادم و اثر الهجرات من غرب افريقيا للسودان.

كان دافع ايوب بالمون في تأليف الكتاب سؤال من والدة الذي كان موظفا بمدني السني، سأله والدة عن مدي معرفته لاصول اصدقائه و اصحابة الذين يزورونه بالمنزل و خلفياتهم المحتمعية و امتداد اصولهم لغرب افريقيا، بالرغم من انهم يظهرون و يفكرون بسودانية واضحة.

اوضح ايوب بالمون، ان الهجرات الي السودان شكلت و أسهمت في صياغة البنية السكانية و الثقافية للبلاد، خصوصا في القرنين التاسع عشر و العشرين، و من ابرز تلك الهجرات التي جاءت من غرب افريقيا.

لم تكن تلك الهجرات عشوائية، بل منظمة تنظيما محكما من قِبل المستعمر الانجليزي خلال الفترة ما بين 1898-1959.

تلك الهجرات التي تتقاطع فيها اسئلة الاقتصاد، و الهُوية، و السلطة، و الاندماج المجتمعي، فالمهاجرون القادمون من النيجر، نيجيريا، تشاد، و مالي، هؤلاء لم يأتوا الي السودان بحثا عن رزق و كطريق للسفر للحج فحسب، بل اندمجوا تدريجيا في نسيج السودان الاجتماعي، و كان لهم اسهامهم في الاقتصاد، و خاصة في مجال الزراعة و السكة حديد، و الانشطة الدينية.

اوضح يعقوب بالمون، عن دور المستعمِر الكبير في تسهيل هذه الهجرات المنظمة بدأً من 1907 و قبلها، ليتماشي ذلك مع سياسات السيطرة السكانية التي انتهجوها عصرئذ، لإعادة تشكيل الخارطة السكانية  ، بسبب طموحاتهم في استثمار الثروات، و نقص الايدي العاملة بسبب الحروب و المجتمعات قبل ١٨٩٨.

يري ايوب بالمون، ان دوافع المهاجرين من غرب كانت بسبب الجفاف، و الفقر، و استبداد حكامهم و ان السودان يعتبر ممرا تقليديا للحج، و التجارة كمصدر رزق، فعّلت الادارة البريطانية تلك الهجرات و نظمتها علي نسق يحقق طموحاتها في استغلال ثروات البلاد.

اوضح ايوب بالمون ان هذه الهجرات انتجت انتشار الجاليات من غرب افريقيا في السودان (كردفان و دارفور و الجزيرة), و كانت لهم مساهماتهم الدينية و التعلمية، و الحِرف التي امتهنوها، ادي ذلك للتداخل مع المجتمعات المحلية و اصبحت مندمجة مع التركيبة السكانية الاصلية و انتجت ذلك التميز في الهُوية و المواطنة الهجين.

تلك الهجرات ساهمت في الصراع في دارفور لاحقا، و اصبحت تشكك في أصل المواطنة بالنسبه للقادمين الجدد.

يحدثنا ايوب بالمون من خلال سِفرة، ان السلطات البريطانية، انتهجت سياسة الهندسة الديمغرافية الناعمة، عبر توجية و تشجيعك تلك الهجرات الجماعية الي مناطق معينة في السودان:

دارفور: نيالا، الفاشر، الجنينة، و زالنجي.

كردفان الكبير: الابيض، الرهد، بارا.

منطقة الجزيرة و مشروعاتها الزراعية، و قد ركز المستعمر علي استقطاب المهاجرين وفق معايير دقيقة، تتضمن المنتمين الطريقة التيجانية و القادرية، لاعتدالهم الديني، و كل من اعتاد الانضباط العسكري، و من لا يملكون مطالب سياسية أو قبلية، و لا تهدد الأمن العام. الهدف هو خلق طبقة مفيدة اقتصاديا، و غير مزعجة سياسيا، لاستخدامها لاحداث توازن سكاني في المناطق التي تشهد مقاومة او نفور من الحكم الاستعماري، و لاضعاف التركيبة القلبية المحلية.

يذهب  ايوب بالمون الي ان البريطانيين ارادوا من خلال هذه الهجرات تفتيت وحدة المكونات القبلية المحلية خاصةً تلك التي تميل للثورة أو المقاومة، لوجود عناصر جديدة محايدة تساعد علي إضعاف التضامن المحلي، و تحويل مركز ثقل القبائل الي مناطق عمل و إنتاج لفائدة المستعمر، و عليه تم تجنيد إعداد كبيرة منهم في قوات البوليس و الوظائف الدنيا في السكة حديد و البريد و المياة.

ما قدمة ايوب بالمون ليس مجرد وصف للهجرات، بل وصف و تحليل دقيق لكيفية تحوّل هذه الهجرات الي أداة استعمارية بإمتياز، لا نزال نعاني من نتائجها الوخيمة في دارفور و كردفان و الجزيرة و ظهور تلك النزاعات حول الارض و الهُوية و الموارد.

يقول ايوب بالمون، تشكّلت طبقة جديدة من السودانيين، غير معترف بهم، لأنهم  مزدوجي الجنسية و يحملون تراثي غرب افريقيا و السودان في ذات الوقت، رغم ذلك لم تُمنح لهم حقوقا كاملة، مثل الجنسية، و تعرضها للتهميش في الوظائف العليا، و وضعت في خانة الاجانب  اجتماعيا رغم اندماجها و تمازجها بالكامل في المجتمع، ادي ذلك الي خلق ما يعرف (بالهوية المعلقة)، حيث يجد الفرد نفسه سودانيا في اللغة و الدين و الثقافة، لكن مستبّعْد من حق المواطنة في حالة شبيهة بما يحدث في دول اخري مثل موريتانيا و نيجيريا.

ادي ذلك القلق المجتمعي في تصنيف فكرة السوداني الاصيل، مقابل السوداني الدخيل، و انتجت ثنائية أبناء البلد (الاصليين) و المتسودنيين (المهاجرين), عمدت الدولة السودانية علي رفض منح الجنسية او تأخيرها، و استبعاد المتسودنيين من الوظائف المدينة العليا او السلك الدبلوماسي، و تهميش دورهم السياسي، رغم اوزانهم السكانية الكبيرة، احدث ذلك الي نشوء شعور عميق بالغبن، و انكفاء هوياتي، ادي الي انخراط كثير من هذه الجماعات الي حركات التمرد، خاصة في اقليم دارفور.

نخلص الي ان تلك الهجرات و علي مر التاريخ كانت و ستظل احد العوامل البنوية في نزاع دارفور بسبب تداخل العوامل الاقتصادية، و البيئية، و السياسية، و الهوياتية، و لا يمكن تجاهل الأثر العميق الذي لعبته الهجرات المنظمة من غرب افريقيا و امتداد اثر ذلك الي يومنا هذا.

حاول ايوب بالمون تناول قضية الهجرات المنظمة من غرب افريقيا، كواحدة من أهم المرتكزات التكوينية العميقة في التاريخ الاجتماعي و السياسي السودانيالحديث، و بأنه مخطط استعماري مدروس، الهدف منع ضبط التوازن السكاني، و السيطرة علي القوي العاملة، و تفكيك البِني القبلية المحلية، أدي ذلك الي خلق واقع جديد متجدد حول الهُوية و المواطنة. و واقع سياسي معقد.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى