فيما أرى .. زمن وليم أندريا.. صورة لمقتل فنان (3/3)
عادل الباز
بالأمس رأينا كيف جرى مصرع الفنان ولاعب السلة الشهير، “وليم أندريا”، الذي روَّع العاصمة بفقده في خِضَمِّ الأحداث التي جرت منتصف سبعينيات القرن الماضي (1976)، وعُرفتْ بـ“حركة يوليو” أو بـ“حركة المرتزقة”. آثر الكاتب د. حسن الجُزُولي بعد أن روى وقائع تلك الأحداث أن يُعرِّفنا بشخصيَّة “وليم أندريا”.. من هو؟ وما هي مواهبه؟ وكيف أثرى الحياة السودانية كفنان؟
يقول الكاتب: «وُلد الفتى الأسمر المُلقب بالغزال الأسمر يوم 13 مايو عام 1951 في منطقة الخُرطوم غرب، ووالده هو أندريا فائز نصَّار السُّوداني الجنسيَّة والمنتمي لجنوب السُّودان. جدَّه لوالده طبيبٌ مسيحي عمل بالجنوب واقترن بسودانيَّة وولد منها أولاداً، منهم أندريا، وأمَّه مولودة في القضارف ووالداتها مولودة في المسالمة».
تتبع الكاتب سيرة “وليم أندريا” بتفاصيل مثيرة للدهشة تدُلُّ على مقدرته الفائقة في تقصِّي معلومات المواضيع التي يكتب عنها بعُمق، ولمَّا كان هذا المكان لا يسع لعرض تلك التفاصيل، نُحيل القارئ للكتاب “زمن وليم أندريا”، الذي سيجد فيه مُتعة خاصة لبراعة الكاتب في وصف ورسم تفاصيل حياة وليم أندريا.
لمع نجم “وليم أندريا” كلاعب سلة وعازف جيتار ومغنٍ تبع فرقة الكشافة البحريَّة قبل انضمامه لمجموعة “شاشاتي” التي كانت من ألمع فرق الصفوة الغنائيَّة. درس “وليم” في معهد الموسيقى والمسرح إلاَّ أنَّ المنيَّة وافته قبل أن يُكمل دراسته، ويذكر الكاتب أنَّ المعهد كرَّمه بالتخرُّج مع دفعته (1976)، التي كانت تضُمُّ أبوعركي البخيت والبِلبِلة حياة طلسم وأحمد ربشة.
أسَّس وليم فرقة “أب نايد” وأشهر أغنياته التي راجت في السبعينيات أغنيَّة “كفاية مزاح”، وهي من أشعار صديقه أحمد رُستُم، والذي يقول في مطلعها: «ما قلنا كفاية مزاح وخلي الليل يكون صباح.. بدور أرتاح وأضمِّد في فؤادي جراح». تغنى بتلك الأغنية شباب السبعينيات ورقصوا على إيقاعها زمناً حين كان “وليم” نجماً في ليالي الخرطوم.
حكى الكاتب قصَّة تلك الأغنية ثمَّ سرد أهمَّ الأغنيات التي تغنَّى بها المرحوم، وهي في أغلبها أغنيات بالإنجليزي، لأنها عادة فرق الجاز التي اشتهرت آنذاك (العقارب، الديوم، فرقة جاز أم درمان وغيرها).
طاف بنا الكاتب على الحياة الثقافيَّة آنذاك مُشيراً للأفلام التي شهدتها دُور السينما في تلك الفترة “صائد الغزلان” لربوت دي نيرو، إلى “زروبا اليوياني” لأنتوني كوين، إلى “العودة للوطن” لجين فوندا وغيرها. ثمَّ دلف مُستعرضاً أيام البرامج التلفزيونيَّة والإذاعيَّة الرصينة والمفيدة (بيت الجاك وحمدي بدرالدين وصور شعبيَّة ومتوكل كمال). ثمَّ نظر للمسرح حيث “نبتة حبيبتي” وهاشم صديق ومكي سنادة متألقان، إضافة لعالم الغناء المنتعش بودَّ الأمين وزيدان وعُثمان حسين، ولم ينسَ الكاتب تلك الأندية الثقافيَّة الضاجَّة بالحياة (نادي أم درمان، نادي أبو روف ونادي الديوم).
راعى الله تلك الأيام، فلقد تمتع كاتب هذا المقال بتلك العوالم واستمتع بتلك الأفلام، وطاف بالأندية الثقافيَّة، وطرب في حفلات الغناء، وأكاد الآن أشتم عبير تلك الأيام والأمكنة. شكراً حسن الجُزُولي إنه سِفرٌ جدير بالقراءة لمتعته وفائدته، وشكراً لـ‘مدارك’ التي اعتادت أن تُهدينا دائماً الجِياد من حصاد المطابع، وكيف لا وصاحبها الشاعر الشفيف والعميق الياس فتح الرحمن.