تقارير

عين سفيراً لدى السعودية دفع الله الحاج.. الهبوط على “أرض زلقة”

الأحداث – عبدالباسط إدريس
لن تكون مهمة سفير السودان الجديد لدى السعودية دفع الله الحاج علي سهلة، ربما هبط السفير على أرض زلقة بللتها الكثير من الهواجس والمواقف الملتبسة، فهل يستطيع الدبلوماسي المخضرم العبور بعلاقات الخرطوم والرياض من وضعها الراهن.

واقع ووقائع:
تلف العلاقات السودانية السعودية موجة ضبابية، فهي في فترة على حال وفي فترة على حال آخر، وبالنظر لتطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين، نجد السعودية الثانية عربياً والثالثة عالمياً من حيث الدول المستثمرة في السودان، وتمتلك السعودية استثمارات منفذة في السودان بحوالي 11 مليار دولار وأخرى مصدقة بما يتخطى حاجز 23 مليار دولار، وحازت المملكة على مساحات زراعية واسعة في ولايتي نهر النيل والشمالية وتعمل على توسعة استثماراتها في ولاية البحر الأحمر، بالمقابل تستقبل السعودية الصادرات السودانية الزراعية والبستانية بجانب صادر اللحوم والماشية، حيث تعتمد على السوق السوداني لسد احتياجاتها المتزايدة من الثروة الحيوانية، وعلى صعيد التعاون الخدمي والإنساني، انشأت السعودية العديد من المراكز العلاجية ومحطات المياه الجوفية وتزويد السودان باحتياجاته الطبية والدوائية فضلاً عن دعم إنساني مستمر، في حالات الفيضانات والكوارث الطبيعية.
سياسياً تقول سيرة العلاقات السودانية السعودية إن الأخيرة لم تكن مطمئنة للنظم الحاكمة في السودان سواء كانت ديمقراطية أو نظم هجين “مدنية وعسكرية”، وسبق أن قطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع السودان في بداية التسعينات وقامت بطرد البعثة الدبلوماسية، احتجاجاً على موقف السودان من غزو الكويت وتقارب الخرطوم وبغداد، فضلاً عن قضايا أخرى أكثر حساسية كشف عنها السفير الراحل عطا الله في كتابه ذكريات ومواقف دبلوماسية.
أيضاً لم تكن الرياض سعيدة بعلاقات الخرطوم وطهران، ووصلت حدا من الاستياء أعادت بموجبها طائرة الرئيس السابق عمر البشير من اجواءها تعبيراً عن عدم رضاءها من زيارته إلى إيران التي كان يقصد وجهتها في تلك الرحلة.
هذا الجانب يكشف للسفير الجديد دفع الله الحاج علي، عن رؤى وتوجهات المملكة ويكشف عن أن المملكة ليست على الحياد دائماً كما قد يظن البعض ولكنها تطل الآن كبلد لديه رؤيته وأجندته وتحالفاته بما يؤكد أن السعودية تتبنى سياسة جديدة داعمة ولكنها ستكون مشروطة.

إدارة في زمن الحرب:
تبدو إدارة العلاقات الثنائية مع دولة بحجم السعودية عملية ليست يسيرة فالموقف الشعبي السوداني العام، كان يتوقع إعلان المملكة بوضوح لا لبس فيه باتخاذ موقف داعم لجيشه الوطني ومؤسساته الشرعية في مواجهة إفشال انقلاب حميدتي والتصدي لتمرده المدعوم إقليمياً.
السودانيون الذين توقعوا هذا الموقف، ينظرون لتاريخ بعيد من العلاقات الزاخرة بالمواقف والتضامن بين البلدين، وليس آخرها مشاركة الجيش السوداني “بالدم” لحماية حدود المملكة من غدر الحوثي.

موقف المملكة:
بالمقابل اتبعت المملكة العربية السعودية منهج الحياد بين الجيش والدعم السريع، ثم رأت في هذا الحياد ما يؤهلها لتكون وسيطاً مع الولايات المتحدة في عملية (جدة) للسلام، ولكن لم يمض كثير وقت حتى اكتشف الناس أن وساطة جدة غير قادرة على إلزام الأطراف بما توصلوا إليه في وثيقة مايو من العام الماضي، للدخول إلى مرحلة تفاوضية أخرى، بل إن السعودية كوسيط ودولة راعية للتفاوض لم تعلن عن الجهة التي لم تلتزم باتفاق جدة إلا بعبارة محدودة قيلت في الأمم المتحدة بعد عام من عدم التزام مليشيا حميدتي بوقف النار، ومن الطبيعي أن تضع أي وساطة الأجندة وتقرب وجهات نظر الأطراف ولكنها لا تصمت عن تحديد مسؤولية أي طرف وإعلانه ما إذا كان جاداً في وقف الحرب أم لا، ففي حالة الوساطة القطرية المصرية الأمريكية بشأن أزمة غزة، أعلنت الوساطة أكثر من مرة عن عدم التزام حكومة نتنياهو أو رغبتها في وقف الحرب بقطاع غزة.
ولعل السفير دفع الله بخبرته الدبلوماسية الطويلة وبصفته عضوا مشاركا في محادثات جدة من جانب الحكومة السودانية فإن التعاطي مع ملف المفاوضات ومسار العملية السلمية عبر منبر جدة والعمل على إنهاءه أو إعادة ترتيب أوراقه بالتنسيق مع الوساطة تبدو المهمة الأكثر تعقيداً أمام السفير دفع الله.

قضايا حاكمة:
من جانبه حدد الخبير المهتم بالقضايا الدولية د. كمال عبدالجليل ل(الأحداث) ثلاثة قضايا حاكمة لمسار علاقات السودان بالسعودية الأولى هي مشاركة السودان المملكة على شاطئ البحر الأحمر الذي يمثل أهمية قصوى بالنسبة للأمن القومي السعودي بصفة خاصة، لما يمثله من كونه معبر حيوي للتجارة الدولية توجد فيه إسرائيل وجماعة الحوثي وتتطلع روسيا وإيران من التواجد فيه، كما أن البحر الأحمر يمثل الحلقة الأضعف للوجود الأميركي في الممرات والمضائق المائية الحيوية حول العالم.
أما النقطة الثانية وفقاً لكمال هي حرب اليمن، ويشير إلى أن السعودية جربت دخول دول لهذه الحرب ورفضت مثل مصر وباكستان ودخلها البشير، وأضاف :”للأسف السعودية لم تحترم ذلك وإن سألتني هل دعمت السعودية السودان في حربه الآن ضد الدعم السريع لأجبتك بلا” .
بالمقابل يقول كمال إن السودان يشكل عمقاً مهماً للأمن الغذائي السعودي وحتى بمفهوم أمنها القومي الشامل، لما يتمتع به من مياه وفيرة وأراض صالحة للزراعة بما يمكن السعودية من زراعة مليون فدان قمح ومثلها من الأعلاف، ويرى كمال أن السعودية لا تعامل السودان بهذا المستوى رغم أنها تحتضن أكثر من مليوني سوداني يعملون في مهن هامشية وغيرها ولكنه يعتقد أن السعودية لا تعامل السودان من هذه المنطلقات، ويضيف كمال “وأعتقد أيضاً إن ذلك ربما كان ناتجاً عن نفوذ اميركا في المنطقة”.
من ناحية أخرى يفند كمال المزاعم التي ترى أن السعودية تشكلت مواقفها من السودان طيلة الثلاثين عاماً الماضية من منطلق عدائي رافض للإسلاميين، ويؤكد كمال عبدالجليل أن السعودية تاريخياً ليست لديها مشكلة مع الإسلاميين فقد دعمت جهادهم في أفغانستان وكانت كتب سيد قطب منذ الستينات والسبعينات وإلى مطلع الثمانينيات ضمن المناهج الدراسية للمملكة وحتى ماقبل الإنقاذ لم تحظ السودان بعلاقة مثمرة مع حكومة الديمقراطية الثالثة بقيادة الصادق المهدي، ويضيف “بالتالي الحديث عن عدم وجود تعاون سعودي مع السودان بسبب الإسلاميين تهمة مردودة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى