صندوق إعادة إعمار السودان
ابراهيم الطيب الجيلاني
(1)
إعادة الإعمار تمثل عملية سياسية واقتصادية واجتماعية تهدف لتهيئة أوضاع المجتمع ما بعد الحرب بما يضمن من استدامة السلام والتعافي الاقتصادي والاجتماعي وعدم العودة لمرحلة الحرب وما قبلها من خلال إعادة البناء للبنى الحيوية والخدمية والمؤسسات العامة والمساكن وتعزيز سبل وفرص العيش اللازمة للمجتمعات المتضررة..
يُشکل مفهوم إعادة الإعمار أحد عناصر الدولة والمجتمع لرفض الحرب والنزاع المسلح وما يخلفه من الدمار والخراب ويعتبر أحد أهم وسائل بناء السلام من خلال الإعمار الاقتصادي والسياسي والثقافي للمجتمعات بما يسهم في التعافي الشامل بالمجتمع والبني الحيوية والمرافق الخدمية والتنمية الاقتصادية بما يباعد بينها والعودة للنزاع والصراع المسلح مرة أخرى.
السودان من الدول التي عانت من النزاعات المسلحة على فترات طويلة ولكنها متقطعة ما أن يهدأ صراع حتي يبرز آخر في متوالية أنهكت البلاد وجعلتها من أكثر دول القارة الأفريقية التي تعاني من الحروب والصراع المسلح.
(2)
التخطيط الواعي بمتطلبات إعادة الإعمار يظل قضية محورية وتأسيسية تنطلق منها عملية الإعمار التي تخاطب جذور الصراع ومسبباته وتعالج أوضاعه للوصول لمشروعات وبرامج تساهم في إعادة بناء المجتمع والدولة، وللدول من حولنا نماذج كثيرة لبرامج إعادة الإعمار منها ما نجح في تحقيق أهدافه وغاياته ومنها ما فشل.
تجارب ناجحة لإعادة الإعمار رواندا نموذجاً
في القارة الأفريقية تظل تجربة رواندا من التجارب الناجحة في إعادة الإعمار حيث نجد أنها من الدول التي كانت تحتاج لعملية إعادة إعمار شاملة وإصلاحات شاملة حيث دمرت الحرب الأهلية البني التحتية للبلد والبني المجتمعية جراء الإبادة الجماعية، امتازت التجربة الرواندية بأنها ركزت على مابعد الصراع والحرب الأهلية فيها على عملية واسعة النطاق معقدة وشاملة ومتعددة الأبعاد لتحسين الظروف الأمنية (استعادة القانون والنظام) وتقوية وتعزيز العملية السياسية (الحكم وتحديث الدستور، التدبير، وتقسيم الثروات) وإعادة بناء الاقتصاد (إعادة تحفيز وتأهيل الاقتصاد والتنمية) والظروف الاجتماعية (العدالة والمصالحة والتصالح الفردي والاجتماعي) ،،
ما يميز التجربة الرواندية أنها دمجت مابين مرحلة الجهود العاجلة لعملية الإعمار ومرحلة التعافي للإقتصاد الكلي مما كان له أثر في الإسراع بالخروج من الآثار السالبة التي تعجل بفشل عملية إعادة الإعمار.
(3)
تدل كل التجارب الناجحة على أن الدمج بين عملية المهام العاجلة لإعادة الإعمار وعملية التعافي الاقتصادي والسياسي والمجتمعي هي من أنجح تجارب عملية إعادة الإعمار ومن النماذج الناجحة في هذا الصدد نموذج (ألمانيا بأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية – رواندا وليبيريا بعد الحرب الأهلية في أفريقيا) ونشير هنا إلى أن عملية الجهود العاجلة لإعادة الإعمار تتمثل في إعادة بناء البنية التحتية، وجهود إعادة التوطين للنازحين واللاجئين، استدامة السلام، وتوفير الخدمات الأساسية، ودمج وتسريح القوات، ونزع السلاح، والإندماج المجتمعي للمُسرحِين، … إلخ كما نشير إن عملية التعافي الاقتصادي والسياسي تتمثل في رفع المؤشرات الكلية للأداء الاقتصادي، وخفض الدين الخارجي، وتحقيق مستوى مرتفع من نمو الناتج المحلي الإجمالي، وبرنامج تحفيز الاقتصاد، والاستثمار الاقتصادي، وبناء مؤسسات ونظم سياسية قوية، وضع قوانين صارمة تجاه قضايا النزاعات، وإنفاذ القانون والعدالة القانونية، والعمل على برامج تحديث الدولة ونظم الحوكمة … الخ
وعليه نعلم أن التجربتين الرواندية والليبرية حققتا نجاحاً أصبح نموذج بالقارة الأفريقية في الإصلاح الشامل واستدامة السلام والتعافي السياسي والإقتصادي.
(4)
هنالك أوجه مشابهة بين الحالة السودانية والليبرية والرواندية حيث تتشابه الحالة السودانية مع الحالة الليبيرية بأنهما يعانيان من سلسلة النزاعات المتلاحقة التي تفصل بينها فترات من الهدوء النسبي لا تتيح مجالاً لإعادة الإعمار، ومن الجانب الآخر نجد أن الحالة السودانية لها أوجه شبه بالتجربة الرواندية فيما يتعلق بالصراعات ذات الطبيعة الأثنية والاجتماعية كما حادث في دارفور،
وعليه فإن أفضل ما يناسب الحالة السودانية فيما يتعلق بإعادة الإعمار هو الدمج بين عملية (المهام العاجلة لإعادة الإعمار) و(عملية التعافي الاقتصادي والسياسي والمجتمعي) ذلك أنها تعالج مسببات الحرب والصراع بخطط وبرامج ومشروعات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدي يتوالى استمرارها بما يحقق التنمية المستدامة مثال ذلك (الحالة الرواندية انتهاء الصراع المسلح 1994 – تحديث الدستور 2003 -إنتهاء المحاكمات الخاصة برواندا 2015) وهي سلسلة طويلة وممتدة من الإجراءات السياسية والقانونية والاقتصادية خاضتها رواندا وهو ما ظهرت نتائجه الإيجابية لاحقاً.
ونأمل أن يستهدي السودان بالتجربة الليبيرية والرواندية احتذاءً بالتجربة واستفادة من محصلتها ونتائجها في استدامة السلام والإصلاح الشامل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي.
(5)
على السودانيين الشروع في وضع الخطط والبرامج اللازمة لعملية إعمار ما بعد الحرب مسبقاً لإكمال التحضيرات لإنطلاقة ( صندوق إعمار السودان) الذي تسبقه الدعوة ل( مؤتمر إعمار السودان ) الذي يتداعى له المجتمع الدولي والإنساني والدول الداعمة والمنظمات التطوعية والإنسانية والأمم المتحدة ومنظماتها الأممية ودول المحيط الإقليمي والخليج العربي، عملية الإعمار تحتاج لإستعداد كامل من كل أجهزة الدولة والمنظمات والهيئات الوطنية لتقديم مصفوفات علمية وعملية تسرع بعملية الإصلاح الشامل والإعمار، يظل هذا الأمر ملحاً لما بعد الحرب بما لا يقل أهمية عن الانتصار في الحرب والله الموفق..