رأي
صراع النفوذ في القرن الأفريقي وإنعكاساته السالبة على الإقليم

بقلم 🖋️أنس الطيب الجيلاني
أدى إعلان إسرائيل بالإعتراف بدولة مايسمى “بأرض الصومال” كدولة ذات سيادة في يوم الجمعة 26 ديسمبر 2025م ، إلى ردود فعل متسارعة من دول العالم والإقليم وذلك لما يمثله هذا الإعتراف من تطورات خطيرة تهدد أمن الإقليم ولما يمثله من إنتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وما يسببه من تقويض لأسس السلم والأمن الدوليين ويسهم في زعزعة الأمن والإستقرار بالبحر الأحمر والقرن الأفريقي وخليج عدن، كما ويزيد من شبح الحروب والعنف وعدم الإستقرار في المنطقة الملتهبة منذ عقود، ويعرف القرن الأفريقي جغرافياً بأنه المنطقة الواقعة جنوب البحر الأحمر والنتوء الذي يشبه القرن داخل المحيط الهندي وتطل على ثلاث ممرات مائية حيوية وهي المحيط الهندي وخليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر وتوسع مفهوم القرن الأفريقي سياسياً ليشمل إلى جانب الصومال وجيبوتي وأريتريا السودان وإثيوبيا وكينيا وجنوب السودان وأوغندا.
أما جمهورية أرض الصومال أو مايعرف بصومالي لاند فقد نشأت تاريخياً نتيجة الحروب الأهلية المتطاولة والتحالفات بين القبائل الصومالية عقب سقوط نظام الرئيس سياد بري، وقد عاني الإقليم الشمالي للصومال من تهميش متعمد من حكومات الجنوب المتعاقبة على الحكم في مقديشو مما أدى لتنامي النظرة الإنفصالية والتي توجت في عام 1991م بإعلان مايسمى بجمهورية أرض الصومال من قبل الحركة الوطنية الصومالية (SNM) ،وهو الإقليم الذي يعرف تاريخياً بالصومال البريطاني، حيث كان مستعمراً من بريطانيا، غير أن جمهورية أرض الصومال لم تحظ بأية إعتراف دولي أو إقليمي منذ ذلك الحين، بالرغم من عدم الإعتراف الدولي بصومال لاند إلا أن إثيوبيا، وبإعتبارها دولة حبيسة (land locked) ونتيجة لإحتياجها لمنفذ بحري وخاصة عقب التوترات مع أرتريا وفقدانها لميناء مصوع وكذلك التوترات مع جارتها الشمالية جيبوتي وإرتفاع تكاليف النقل، بدأت الخطوط الجوية والخاصة رحلات إلى هرقيسا عاصمة أرض الصومال، كما بدأت السفن التجارية الإثيوبية تنشط على ميناء بربره والذي يقع في شمال الصومال وداخل أراضي صومالي لاند ومد خطوط السكك الحديدية، ولعل الموقع الهام والإستراتيجي لمنطقة القرن الأفريقي قد زادت من حدة السباق على توسعة النفوذ السياسي والتأثير الأمني والإقتصادي، لذلك عمدت العديد من الدول للسيطرة على الموانئ المطلة على البحار والمحيطات ضمن خطتها الإستراتيجية لزيادة نفوذها العالمي.
الخطوة الإسرائلية الأخيرة بإعترافها بجمهورية أرض الصومال هي نتاج سلسلة طويلة من العلاقات السرية في منطقة القرن الأفريقي ووجودها السري والعلني في المنطقة فقد نشطت شركات نفط تجارية إسرائيلية في الإقليم حسبما كشف تقرير برنامج المتحري التوثيقي وتصريحات موشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، إضافة لتواجدها الدبلوماسي في إثيوبيا والذي مكنها من المراقبة والإنتشار وإقامة العلاقات السرية مع حكومة أرض الصومال، ولابد من قراءة هذه الخطوة بكافة أبعادها الإستراتيجية لتحكم إسرائيل في منطقة هامة ومفصلية بإنشاء قواعد عسكرية مطلة على خليج عدن وباب المندب والسيطرة على الممر المائي في البحر الأحمر. إضافة للخطورة المتوقعة لإحداث خطوة الإعتراف زيادة حجم التوترات الأمنية وعدم الإستقرار، حيث يتوقع أن تؤدي الخطوة الإستفزازية إلى نشاط تنطيم الدولة وحركة الشباب الإسلامي النشطة في الصومال من مقاومة الوجود الإسرائيلي والتوقعات كذلك بزيادة وتيرة إستهداف حركة التجارة في ميناء بربرة والقرصنة البحرية، ولا شك أن الخطوة كذلك ستؤدي لزيادة إستهداف جماعة الحوثي للوجود الإسرائيلي في منطقة القرن الأفريقي، والذي لن تسمح به والقرب من مجالها الحيوي، وللخطوة كذلك إنعكاساتها السالبة على السودان ومصر والمملكة العربية السعودية حيث سيؤدي الوجود الإسرائيلي في أرض الصومال وميناء بربرة لزيادة الإضطراب وزعزعة الأمن في منطقة البحر الأحمر والتي كانت مستقرة لحدٍ كبير، وأي إضطراب في منطقة البحر الأحمر سيؤدي بالطبع إلى تجفيف التجارة الدولية العابرة عبره وعبر مينائي جدة وبورتسودان والسويس، وقد أدت هجمات جماعة الحوثي لبعض السفن ، في العام الماضي، إلى إحداث أضرار إقتصادية كبيرة على حجم التجارة العالمية بأعتبار أن هذا الممر الذي يربط القارات الثلاث الآسيوية والإفريقية والاوربية هو الأقصر للسوق الأوربية ومن المعلوم أن الطريق عبر قناة السويس يقلل من مسار حركة السفن الناقلة للتجارة العالمية بما يقارب الخمسة عشر يوماً إذا ما استغلت حركة الملاحة التجارية الإلتفاف عبر القارة الأفريقية ” عبر رأس الرجاء الصالح” .
وتشير بعض التقارير أن نقص واردات قناة السويس جراء إضطراب الأمن في باب المندب قد وصل لما يقارب الخمسة مليار دولار سنوياً، كما ان حالة عدم الأمن والإستقرار في التجارة الدولية عبر الممرات المائية في المنطقة وتزايد عمليات القرصنة البحرية أدى لزيادة أسعار التأمين البحري على البضائع كما أعلنته شركات النقل البحري العالمية ” كميرسك” و ” هاباج لويد” .
العمل المطلوب من دول الإقليم
بالرغم من الرفض الدولي والإقليمي المتعاطف مع الصومال والداعي لوحدته وسلامة أراضيه ورفض محاولات إضعافه وتقسيمه من قبل الأمم المتحدة والإتحاد الأوربي والجامعة العربية والإتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي، إلا أن المطلوب من الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر التحرك العاجل والإسراع بأحياء فكرة مجلس منظمة الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر والذي أجيز ميثاقها من قبل والدعوة الطارئة للقمة للإنعقاد بهدف تدشين المنظمة وذلك للإتفاق حول السياسات والمواثيق والإتفاقيات المشتركة التي تحمي البحر الأحمر من الإستهداف والإختراق والسيطرة عليه من دول خارج الإقليم تحاول أن تفرض سيطرتها بالإستحواذ على الموانئ والممرات البحرية دون وجه حق. إن إنعقاد هذه القمة لهو مطلب إستراتيجي تفرضه التحديات المتعاظمة والتي تستهدف زعزعة أمن وإستقرار البحر الأحمر، وينبغي النظر لما وراء الخطوة الاسرائيلية من أعتراف بما يسمى جمهورية أرض الصومال ليس بإعتبارها خطوة معزولة وإنما كواحدة من سلسلة السيناريوهات في إطار الصراع الجيوسياسي وخطط تقسيم العالم العربي من الصومال، واليمن، والسودان وليبيا بهدف التغيير الديمغرافي وبناء موازين القوى والتحالفات الجديدة الأمر الذي يتطلب تنامي الوعي لحماية ثوابت الأمن القومي العربي، وحماية المصالح الإستراتيجية الكبرى في تحقيق الأمن والوحدة والإستقرار لبلداننا وشعوبنا .



