شكرًا تقدم.. ولكن!!
عادل الباز
1
وفيما العجب؟ تستحق “تقدم” الشكر على هذا الموقف…أيُّ موقف؟ رفضت “تقدم”، بحسب ما جاء على لسان ناطقها الرسمي السيد بكري الجاك، فكرةَ عملاء الميليشيا الداعية إلى حكومة موازية أو حكومة منفى أو سلام أو أيٍّ من اللغو الذي يدعون إليه. رسميًا، أعلنت “تقدم” فكَّ الارتباط مع مجموعة داخل التحالف بقيادةالتعايشى ونصر الدين عبد البارى والهادي إدريس وقيادات أخرى، عقب إعلان هذه المجموعة عزمها تشكيل حكومة موازية في فبراير الجاري بمناطق سيطرة الدعم السريع.
2
السبب الذي ساقوه لتبرير تلك الخطوة هو أن إعلان حكومة موازية يهدد وحدة السودان، لأنها “ستضع البلاد في طريق التقسيم”، بحسب بابكر فيصل، والذى قال (إن المعسكر المدني يجب أن يسعى للحفاظ على وحدة السودان أرضًا وشعبًا). وهذا تحليل منطقي تؤكده شواهد كثيرة. وهذا موقف، مهما اختلفنا مع “تقدم”، يستحق الإشادة.
3
لكن أسئلةً حيرى تنتابني حول هذا الموقف الممتاز… أولها السؤال عن موقف مجموعة “تقدم” من الميليشيا نفسها، تلك التي ستؤسس الحكومة الموازية في الأراضي التي تحتلها الآن (إن تبقت لها أرض خلال فبراير، وهو الشهر الذي ستُعلن فيه الحكومة الموازية، بحسب أسامة سعيد، اللاهث وراء مناصب الحكومة الموازية وكراسيها المضرجة بالدم).
4
الحكومة الموازية هي حكومة شراكة بين المجموعة المنسلخة عن “تقدم” والميليشيا، وهي في مجملها مجموعة هزيلة لا جذور لها ولا تملك بندقيةً معتبرة، وهي مجموعة مفلسة من كل النواحي. وهؤلاء المساكين سيتحولون إلى موظفين لدى الميليشيا، وهي أصلاً تستعبدهم. لذا، فإن الموقف القاضي برفض الحكومة الموازية لأنها تهدد وحدة السودان يقتضي بالضرورة اتخاذ موقف من الميليشيا، الشريك الرسمي في تلك الحكومة الموازية، والتي تهدد وحدة السودان. فلا يمكن إدانة التعايشي وأسامة سعيد وبقية الهوام دون إدانة الميليشيا، لأنها تتخذ ذات الموقف الداعي إلى تقسيم السودان والممول له!
كيف يستقيم أن ترفض موقف الموظفين في الحكومة الموازية ولا ترفض موقف الشريك فيها؟ الموقف الصحيح هو أن تدين “تقدم” موقفَ كل الساعين والداعين إلى الحكومة الموازية، وترفض ليس فقط الالتحاق بها، بل الفكرة نفسها، بل ينبغي أن تتخذ منهم موقفًا وطنيًا لأنهم دعاة تقسيم الوطن، وخاصةً أن “تقدم” تدين الإنقاذ ليل نهار وتتهمها بتقسيم السودان لسماحها باستقلال الجنوب، رغم أن الإنقاذ لم تكن أول من وافق على تقرير المصير، إذ سبقها في ذلك التجمع الوطني الديمقراطي عام 1995.
5
السؤال الآخر المحير.. معلوم أن الحكومة الموازية لن تقوم لها قائمة إذا لم يوافق عليها الكفيل، مما يعني بالتالي أن الكفيل مشارك في تهديد وحدة البلاد، وهو الممول الأول لتقسيمها باعتباره الراعي الرسمي لكل الداعين إلى الحكومة الموازية، من التعايشي ونصر الدين عبد الباري إلى مرتزقة حركات صندل والهادي إدريس، الذين يعتاشون من فتات الكفيل. علمًا أن لهذا الكفيل تجربة ثرة في فصل وزعزعة بلاد الآخرين، كما جرى في ليبيا واليمن وغيرها.
يقتضي موقف “تقدم” من الحكومة الموازية اتخاذ موقف من الكفيل وتشجيعه على انفصال أجزاء أو جزء من السودان. كان من المفروض أن تسارع “تقدم” إلى إدانة الكفيل، فليس بعد الكفر وتمزيق الأوطان ذنب… مش كده؟ لكن “تقدم” لم تدن الكفيل المشجع والمؤيد والممول للحكومة الموازية، لماذا؟ لعل المانع خير. لكن، لماذا العجلة؟ دعونا ننتظر إعلان تلك الحكومة “الحفترية” لنعرف أولًا “بكانها وين” والمشاركين فيها والممولين لها، وحينها ننتظر موقفًا أوضح من “تقدم”.
6
السؤال الثالث.. لماذا هذه المواقف “المجهجة” من المجموعة التي تتبنى خطًا انفصاليًا عبر دعوتها إلى الحكومة الموازية؟ مثلًا، الموقف الرسمي المعلن لـ “تنسيقية تقدم”، بحسب إفادة بكري الجاك لـ “سودان تربيون”:
“تم تشكيل لجنة للوصول إلى صيغة فك الارتباط معظم ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين، بحيث يعمل كل منهما بشكل مستقل سياسيًا وتنظيميًا عن الآخر، مؤكدًا احترامهم للخيارات المختلفة التي بنيت على أسس مفهومة لدى كل طرف.”
وقال خالد عمر يوسف:
“إن حزبه ينتمي إلى التيار الرافض لتشكيل حكومة موازية، ولكل تيار حقه في اتباع تقديراته دون فرضها على الآخر.”
وأضاف:
“نحن على ثقة بأن عملية فك الارتباط بين التيارين ستتم في أجواء من الود والتفاهم.”
وقال بابكر فيصل، رئيس التجمع الاتحادي:
“إن تحالف القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) لن يستمر بصيغته الحالية مع وجود فصيل يدعو إلى تشكيل حكومة موازية.”
وأضاف:
“من الصعوبة بمكان وجود فصيل يدعو إلى تشكيل حكومة، وآخر ضدها، ضمن تحالف موحد بقنوات تنظيمية واحدة.”.”
تشعرك هذه التصريحات الودودة والخجولة والمهذبة أن التيار الداعي إلى رفض الحكومة الموازية غير راغب في المواجهة مع اللاهثين خلف تكوينها، ويريدون الابتعاد عنهم بالتي هي أحسن. والسبب في ذلك يعود إلى أمرين:
الأول خاص بالميليشيا، التي كانت ولا تزال تتكفل بكل مصروفات “تقدم”، وخطوة كهذه مؤكد أنها ستغضب الميليشيا التي استثمرت في “تقدم” بل ووقعت معها الاتفاقيات وجعلتها جناحها السياسي. ولذلك قرروا مفارقة خطها المتماهي مع الدعوة للحكومة الموازية بإحسان حتى لا تُفتح عليهم أبواب جهنم، ويخرج كل المخبوء.
الثاني يتعلق بموقف الكفيل نفسه، الذي لا شك أنه راضٍ عن تكوين الحكومة الموازية. ومن كان يظن أن “تقدم” ستتجرأ على رفض الفكرة؟ لذا، يسعى الجناح الرافض لعدم التصعيد، سواء مع الميليشيا أو الكفيل. ومن هنا جاء خطاب فض التحالف هادئًا ورصينًا، رغم التصريحات العنجهية لثلة اللاهثين.
7
على العموم، مهما كانت الملاحظات، فإن موقف “تقدم” بعدم الانجرار وراء أهواء ثلة الانتهازيين، المسرعين إلى تكوين حكومة موازية في فبراير الجاري، والتي تهدد وحدة البلاد، موقفٌ ممتازٌ تستحق عليه الاحترام والتشجيع، فقط أتمنى ألا يكون هذا الموقف على نهج “اذهب إلى القصر رئيسًا، وسأذهب أنا إلى السجن حبيسًا”، وذلك بحسب تقديرات محمد المبروك.
8
في الختام، ندعو “تقدم” إلى مواصلة سيرها في هذا الدرب، والتمسك بقرارها المستقل، وفض تحالفها مع الميليشيا بالسرعة اللازمة، وقبل أن تنهار نهائيًا، كما ندعوها إلى الخروج من خيمة الكفيل وتنسم هواء الوطن الحر قريبًا في شارع النيل.