رأي

سياسة الاسترضاء الغربية تجاه الإمارات ومليشيات الدعم السريع التي ترعاها إدامة لفظائع الحرب والكوارث الإنسانية في السودان

محمد أحمد آدم

 

 

تماماً وكما حدث في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، عندما خانت القوى الأوروبية الحبشة، الدولة العضو في عصبة الأمم آنذاك، من أجل عيون إيطاليا الفاشية، فها هو التاريخ يعيد نفسه اليوم: ها هم من جديد يخذلون الشعب السوداني، عربوناً أيضاً ولكن هذه المرة من أجل مصالحهم التجارية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، القوة الرئيسية التي تؤجج نار الحرب في السودان.

ومن المؤسف حقاً أنهم إنما يخونون أحد أهم الجيوش الوطنية في القارة الأفريقية التي ساعدت الحلفاء  على هزيمة الفاشية في الحرب العالمية الثانية. فالقوات المسلحة السودانية والتي تحتفل بذكرى تأسيسها المئوية في العام المقبل، كانت قد لعبت أدواراً حاسمة في تحرير الحبشة (إثيوبيا الحالية) وإريتريا وليبيا.

إنه لمن المحزن وفي الوقت الذي كانت فيه مشاهد جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة من جهة، واستعار جبهات القتال بين روسيا وأوكرانيا من الجهة الاخرى، تهيمن على المشهد الإعلامي الدولي، كان أفراد مليشيا الدعم السريع في السودان،  يرتكبون جرائم ضد السكان المدنيين السودانيين العزل، وسط صمت دولي وإقليمي بل وتواطؤ دولي مريب، لا تقل فظاعة من حيث الشكل أو المضمون، عن الجرائم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة.

لعل أوجه الشبه كبيرة في المشهدين، إن التواطؤ مع الطرف المعتدي لم يقتصر على الاستمرار في إمداده بالسلاح ليمضي في جرائمة فحسب، بل يمتد لتوفير الغطاء السياسي والدبلوماسي، وتسخير عدد من القنوات  الإعلامية العالمية الكبرى التي تعمل على مدار الساعة، لإنكار وقوع هذه الجرائم الموثقة، إنكاراً للشمس في رابعة النهار، أو محاولة لتبريرها في أحيان أخرى. لكن القاسم المشترك الأعظم وربما  غير المرئي يبقى كما هو، الرغبة الجامحة والتدافع اللامحدود من أجل السلطة والثروة.

 

تشجيع المعتدي

وفي الواقع، فإن نموذج الدعم الغربي غير المحدود لإسرائيل، يكاد يكون مطابقاً للدعم الإماراتي للمليشيات المتمردة في السودان، حيث أن كلا الحليفين، في وحدة فريدة من نوعها في الوسائل والأهداف، ينشطان كراعٍ إقليمي للمعتدين في كلا الحالتين: الإمداد والتشوين العسكري المتواصل بترسانات السلاح الأكثر تطوراً والأشد فتكاً في العالم، فينغمس المعتدي في المزيد من عمليات القتل والإرهاب والاضطهاد الهمجي، بهدف تعميق حالة الرعب وسط المدنيين، وبالحجم والهول اللازمين  لإجبارهم فى نهاية المطاف، على الفرار نجاة بحياتهم. ليتم لاحقاً استبدالهم وتدريجياً، بعرقيات أخرى مختلفة، يتم نقلها بصورة مرتبة سلفاً لهذا الغرض تحديداً ومن دول بعينها، وتحت الإشراف المباشر لأجهزة مخابرات دولية وإقليمية، كما سيتم تفصيله لاحقاً.

يكتسب هذا السيناريو مصداقية أكثر، عندما نأخذ في الاعتبار ضخامة الموارد الطبيعية البكر التي يزخر بها السودان وفي مقدمتها النفط والذهب واليورانيوم، على سبيل المثال لا الحصر، ومن الجانب الآخر أيضاً، لعله لم يعد سراً على الإطلاق، أن حقل غزة مارين الواقع قبالة سواحل قطاع غزة، يحتوي على احتياطي يقدر بأكثر من تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.

التاريخ يعيد نفسه

للأسف، يبدو أن بعض الحكومات الغربية اختارت التمنع والتهرب، وفي أحسن الأحوال، ربما أُجبرت على إظهار بعض الإدانات الخفيفة، خاصة بعد تكشف استمرار عمليات الدعم العسكري الشامل الذي ظلت تقدمه أبوظبي لمليشيا قوات الدعم السريع، والذي بلغ من الضخامة بالقدر الذي أفضى لحالة الفوضى والدمار والكارثة الإنسانية الحالية وغير المسبوقة في السودان. لذلك فإن دموع التماسيح التي تذرف هنا وهناك وآخرها في باريس هي بطبيعة الحال، آخر ما يحتاجه السودان.

التاريخ يميل إلى تكرار نفسه، هذه المواقف الغربية الملطخة بكثير من النفاق والخذلان،  تعيدنا بالذاكرة إلى صفقة تاريخية مماثلة في حقبة الثلاثينات من القرن الماضى، عندما اختارت بريطانيا وفرنسا، في مكيافيلية صرفة لا تحسدان عليه، اختارتا مع سبق الإصرار والتعمد، غض الطرف عن طموحات التوسع النازية والفاشية، فيما يعرف اليوم في العلوم السياسية، باسم سياسة الاسترضاء، والتي كانت تبطن هدفين: الأول للحد من النفوذ المتزايد لروسيا الشيوعية آنذاك من ناحية، ولجذب إيطاليا إلى جانب الحلفاء ضد ألمانيا النازية، من الناحية الأخرى.

كان على الحبشة (إثيوبيا) أن تكون قرباناً وكبش فداء لتلك السياسة، حيث تم إبرام الاتفاقية الفرنسية الإيطالية في السابع من  يناير للعام 1939، والتي قضت في النهاية، بإطلاق يد إيطاليا عسكرياً في أفريقيا، مقابل تعاونها في الحلفاء في أوروبا، حيث أخبر بيير لافال، رئيس الوزراء الفرنسي في ذلك الوقت، موسوليني، أنه يسعى لخلق تحالف فرنسي إيطالي ضد ألمانيا النازية، وفي المقابل يمكن لإيطاليا أن يكون لها “يد حرة” في الحبشة. وهو اتفاق مضى بنحو أو بآخر على خطى إعلان بلفور المشين عام 1917 «وعد من لا يملك لمن لا يستحق» .

 

مؤامرة الصمت

إن مؤامرة الصمت الدولية والإقليمية المثيرة للاشمئزاز، والتخاذل في التصدي اللازم لكبح جرائم مليشيا قوات الدعم السريع المتمردة، هي بمثابة شيك على بياض لها لمواصلة فظائعها وانتهاكاتها ضد المدنيين العزل في مختلف أنحاء السودان. وحالياً بينما الشغل الشاغل للعالم والمنظمات الدولية الآن، الحيلولة دون إقدام إسرائيل على تنفيذ  هجومها العسكري البري المخطط له على مدينة رفح في أقصى جنوب غزة، فإن دعوات مماثلة وإن كانت مازالت خجولة لإنقاذ مدينة أخرى من مصير رفح، مع أنها تبعد عنها مئات الأميال، إنها مدينة الفاشر السودانية، حيث ترتفع دعوات المنظمات الدولية تخوفاً من وقوع مذبحة جماعية جديدة ضد المدنيين. وبطبيعة الحال فإن التاريخ لن يكون ابداً رحيماً، إذا تجاهل العالم هذه المناشدات.

تحشد قوات الدعم السريع المتمردة الآلاف من مقاتليها لشن هجوم واسع النطاق على مدينة الفاشر، حيث يعيش الملايين بجانب حوالي 800.000 نازح، هم الناجون من هجمات سابقة لذات المليشيا،  وهم الذين نجوا بإعجوبة من جحيم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في مدينة الجنينة وأماكن أخرى في دارفور (نشير هنا إلى التقرير الأخير لهيومن رايتس ووتش الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في دارفور)، لقد هربوا إلى الفاشر ضمن جهات أخرى لا لشيء إلا البحث عن الملجأ والأمان. وعشية المذابح المنتظرة، تأبى ذات العواصم الغربية إلا أن تكرر نفسها، وبالنحو الذي سجله التاريخ من قبل في رواندا وسبرينيتسا، اختارت موقع المتفرجين، ولسان حالها بالكاد يقول: “يا إلهي، ليس مرة أخرى يا إلهى!”

الاستسلام لدبلوماسية الإمارات العربية المتحدة

في رديهات مجلس الأمن في نيويورك، يتكشف فصل آخر من المسلسل السمج، حيث ترضخ   بريطانيا (العظمى)  للضغوط الإماراتية، طالبة من مجلس الأمن الدولي تأجيل مداولاته بشأن اتهامات السودان للعدوان الإماراتي، بدعم مليشيات الدعم السريع المتمردة لشن الحرب على الجيش السوداني. متذرعة بتبرير يمكن وصفه بأنه واهٍ على أقل تقدير (عدم توفر الترجمة الإنجليزية للشكوى).

لقد كان مقرراً أن تكون جلسة مجلس الأمن المعنية بمثابة اجتماع خاص درج على تقديم الدعوة فيه للدول المعنية غير الأعضاء إليه لحضوره. لكن بمكر شديد تحولت صيغته إلى مشاورات مغلقة، وبالتالي لم يعد مسموحاً بمشاركة الدول غير الأعضاء في مداولاته. وكان الهدف واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار: الحيلولة دون إقدام السودان على ممارسه الحق الذي تكفله له الشرائع والقانون الدولي بمطالبة مجلس الأمن، بإحالة الدولة المعتدية إلى المحكمة الجنائية الدولية.

جدير بالذكر هنا أن السودان سبق وأن قدم للمجلس الموقر ملفاً شاملاً عن تورط الدولة المعتدية.

 

سبحان الله لم يمض وقت طويل إلا وتكشف السر وراء الموقف التآمري البريطاني في مجلس الأمن (كحامل القلم)، فقد كشف تقرير ل”بلومبرج”، أن دولة الإمارات سارعت مهددة  بإلغاء عدد من الاجتماعات التجارية المقررة سلفاً مع مسؤولين بريطانيين،  احتجاجاً على انضمام بريطانيا إلى الولايات المتحدة في الضغط على الإمارات لوقف دعمها المتواصل لمليشيا الدعم السريع التي تخوض حرباً شعواء ضد الجيش السوداني منذ أكثر من عام، بل وصمّت آذانها عن كل المناشدات الدولية والإقليمية وهاجمت وما زالت تهاجم مدينة الفاشر لارتكاب مجازر جديدة وإن كانت قد ردت على أعقابها حتى الآن.

تقدم السودان بشكوى رسمية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، متهماً الأخيرة بارتكاب أعمال عدوانية ضد السودان وانتهاك سيادته بصورة صارخة، وبما يجعلها شريكاً في جميع الجرائم والفظائع التي تقوم بها مليشيات قوات الدعم السريع في السودان، بالتالي يحق للسودان  مطالبتها بتعويض عن الأضرار والخسائر  وفقاً لمبادئ القانون الدولي الراسخة المتصلة بمسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دولياً.

حالة الإنكار التي تتشبث بها دولة الإمارات العربية المتحدة، يفندها سيل التقارير الدولية الصادرة من عدة جهات كموقع مثل ميدل إيست آي المرموق على سبيل المثال لا الحصر، والذي يؤكد استمرار عمليات التشوين والإمداد العسكري الإماراتي للمليشيا عبر دولة تشاد الحدودية، وهي ذات الحقائق التي توصل إليها خبراء الأمم المتحدة وكشفتها العديد من  وسائل الإعلام الدولية. ولعل كل ذلك هو ما أجبر  أعضاء في الكونجرس الأمريكي، على خط رسالة لوزير الخارجية الإماراتي، يدعون فيها  الإمارات صراحة، للكف عن دعمها لقوات مليشيا الدعم السريع في السودان.

من جانبه، انتقد مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة السفير الحارث إدريس، انتقد تدخل بريطانيا، الدولة حاملة القلم (الدولة المسؤولة حالياً عن صياغة القرارات الخاصة بالسودان)، ووصفه بـ”التعسفي وغياب المحايد”. مرجحاً بأن تكون الإمارات وكما هو متوقع قد انزعجت من الشكوى وضغطت على أعضاء مجلس الأمن الغربي لتأجيل الاجتماع، مؤكداً في الوقت نفسه أن هذا التأجيل “لن يمنع إدانة الإمارات”، وأن النقاش يمكن أن ينتقل إلى رئاسة موزمبيق في مايو المقبل.

 

وفي الولايات المتحدة، قدمت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين والجمهوريين مشروع قانون يصنف “أعمال قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها ضد المجتمعات العرقية غير العربية في دارفور على أنها إبادة جماعية”. وهو ما أكده بالفعل مؤخراً تقرير الهيومن رايتس ووتش الصادر في 186 صفحة. وفي ذات السياق، اتهم مراقبون مستقلون تابعون للأمم المتحدة، في تقرير قدموه إلى مجلس الأمن في يناير الماضى، اتهموا قوات الدعم السريع والمليشيات العربية المتحالفة معها بارتكاب أعمال عنف عرقية مروعة في الجنينة، غرب دارفور، أدت إلى مقتل خمسة عشر ألف شخص، باعتبارها جرائم يمكن أن ترقى إلى مستوى “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”. كما وصف التقرير أن الاتهامات بأن الإمارات تقدم الدعم العسكري لهذه المليشيات  “بأنها اتهامات ذات مصداقية”.

 

تثبت الشهادات الدولية المذكورة أعلاه، مراراً وتكراراً، أن الفجوة  والمفارقة الهائلة بين الكلمات والأفعال، لا تزال تعد سمتاً بارزاً لبعض الحكومات الغربية. ويكفي أن ندلف القارئ المحترم إلى تدبر مواقف هذه العواصم من الأحداث المروعة التي تشهدها غزة. وهي المواقف المخزية التي وضعتهم في النهاية، أمام مأزق اخلاقي تحول فيما بعد إلى مواجهة شرسة وغير مسبوقة، مع شعوبهم التي كانت تتطلع إلى مواقف مغايرة من حكوماتهم في اتجاه سيادة العدالة والسلام في فلسطين وغيرها.

 

ومن جانب آخر،  وتعليقاً على التصريح الأخير الذي أدلى به ماثيو ميلر، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، رفضت وزارة الخارجية السودانية ما وصفته بـ”المماثلة الكاذبة” التي تشكل  الإدارة الأمريكية يوم 24 الجاري. بتاريخ أبريل 2024، إذ ظلت تتعمد والعواصم الغربية الأخرى، المساواة بين القوات المسلحة السودانية، وهي الجيش الوطني المحترف، الذي يحتفل وكما أشرنا في صدر هذا المقال، بمئويته في العام القادم 2025، و”المليشيا الإرهابية” التى تمردت عليه وعلى سلطته، مستقطبة عددا كبيرا من المرتزقة الأجانب للقتال في صفوفه من الناحية الأخرى، وبالشكل الذي يطمس عمداً ويشوه الحقائق على الأرض.

 

وإنه لمن المثير للدهشة والريبة، أن تسمح لكل هذه الأدلة الدامغة عن  تورط الإمارات العربية المتحدة، بالتحليق فوق رادارات واشنطن. ولعل ذلك ما حدا ببعض المدافعين عن حقوق الإنسان، لانتقاد إدارة بايدن، لعدم ممارسة ضغوط سياسية كافية على الإمارات العربية المتحدة، لكبحها وإرغامها لوقف تقديم الأسلحة والذخيرة لمليشيات الدعم السريع. وعلى نفس المنوال، ووفقاً لمجلة فورين بوليسي، فإن مجموعة من المشرعين الأمريكيين وكما أشرنا من قبل، خاطبوا وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة، في ديسمبر 2023، مطالبين بالوقف الفوري لهذا الدعم، والذي من شأنه – والحديث للمشرعين – أن يعمق الصراع على أسس قبلية وعرقية، وبما يؤدي في نهاية المطاف إلى تفاقم الصراع بالنحو الذي يزيد من خطر انهيار السودان وتفككه.

 

 

وفي ذات السياق،  كتبت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي إلى الرئيس جو بايدن ودعته “بشكل عاجل” لتحديد ما إذا كان ينبغي اتخاذ إجراءات عقابية بموجب قانون ماغنيتسكي، ضد مليشيا قوات الدعم السريع، بعد أن طالتها  اتهامات متتالية بالتورط  في “انتهاكات جسيمة” لحقوق الإنسان في سياق حربها ضد السودانيين.

 

لكن الدهشة المشار إليها  عن خذلان الإدارة الأمريكية، يكاد أن يتلاشى خاصة عندما نستدعي بالذاكرة من جديد، مع ما أشرنا إليه آنفاً من ضغوط إماراتية أرغمت المملكة المتحدة على الخروج على المألوف في مجلس الأمن بخصوص شكوى السودان، واحدة من الفضائح الشهيرة التي هزت الرأي العام في أمريكا، والخاصة باعتقال السيد توماس باراك، مستثمر الأسهم الخاصة، الذي تم القبض عليه مع رجلين آخرين، بتهم تتعلق بممارسة ضغوط بشكل غير قانوني على صديقه المقرب الرئيس السابق دونالد ترامب،  لصالح دولة الإمارات العربية المتحدة، بينما كان ترامب يترشح للرئاسة ويشغل منصب الرئيس. بمعنى آخر، اتُهم المدعى عليهم بتعزيز مصالح دولة الإمارات العربية المتحدة سراً بتوجيه من كبار المسؤولين في تلك الدولة، من خلال التأثير على مواقف السياسة الخارجية لحملة ترامب لعام 2016، ثم مواقف الحكومة الأمريكية خلال رئاسة ترامب حتى أبريل 2018. فهذه بتلك!

 

ذريعة الإسلام السياسي

ويبقى السؤال المحير، ما الذي يجمع كل هذه الأوساط لإستعداء السودان، هل هو حقاً ما يسمى بالإسلام السياسي في السودان؟ وحتى لو افترضنا وسلمنا بذلك جدلاً، فإن السؤال الأخلاقي الذي يفرض نفسه، هل الخلاف السياسي أو حتى العداء تجاه مجموعة سياسية معينة في السودان، يبرر كل هذه الويلات وكل عمليات العقاب الجماعي الأعمى، التي لا تستثني  الأطفال والنساء والشيوخ؟ هل يستحق ذلك تدمير البنية التحتية التي بناها الشعب السوداني بيديه وكفاحه وكدحه لعقود طويلة؟  هل يبرر إقدام المليشيات ومرتزقتها على الحرق والتدمير الممنهج للمصانع والمزارع والبنوك والجامعات والمتاحف ودور الوثائق والمكتبات العامة وسجلات الأراضي والسجل المدني على سبيل المثال لا الحصر؟

 

لذلك وعوداً على بدء وكما أشرنا لماماً في افتتاحية هذا المقال، إلى أوجه الشبه الكبيرة التي تكتنف المشهدين الماثلين في غزة والسودان. بمعنى آخر، فهي نفس الأسلحة الملحة التي يطرحها الضمير العالمي في وادٍ من الصمت هذه الأيام حول المرامي والأهداف الخفية  لسياسة العقاب الجماعي التي تنفذها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة والآن في رفح. أم هي غطاء  لمشروع  أكبر كمشروع الشرق الأوسط الكبير،  تتجلى فصوله المتقدمة من خلف الستار؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى