دور إيرادات النفط فى التنمية الاقتصادية خلال الفترة ( 2000-2012م)
بروفسور أحمد مجذوب أحمد
ظل استخدام إيرادات (النفط) البترول السوداني محل نقاش بين النخب السياسية والاقتصادية، بين من يرى أنه قاد عمليات التنمية التى شهدتها البلاد خلال الفترة (2000-2011) ومًن يرى أنه لم يحسن استخدامه بما يتناسب وأولويات الوطن ، علماً بأن غالب الذين يتحدثون عنه، ينطلقون من مواقف سياسية مسبقة، لا ترى إلا ما تعتقد ، أو ممن لم يقفوا على بيانات الأداء من مصادرها الصحيحة واعتمدوا على المعلومات السماعية، وبهذه الدوافع السياسية، يحاولون تجريد الحكومة التي كانت قائمة من أي إنجاز فيما يلي استخدام هذا المورد فى إحداث التنمية الاقتصادية.
شهدت الفترة الممتدة بين (2000-2012) وهى فترة استخراج البترول، تحسن الأداء المالي بمساهمة ايرادات البترول فى الموازنة العامة، ومن المعلوم أن إنتاج النفط يخضع لاتفاقيات بين الشركات المستثمرة فى هذا القطاع وبين حكومة السودان ، ولهذا فإن ايرادات النفط خاضعة ابتداء لاتفاقيات قسمة الانتاج الموقعة بين الحكومة والشركات المنتجة، وتتولى إدارة هذا الملف إنابة عن الحكومة السودانية، المؤسسة السودانية للنفط التابعة لوزارة النفط بالسودان، وتخضع عمليات تصدير إنتاج النفط لعطاءات عالمية مفتوحة يتم بموجبها تحديد المشتري ، وتورد حصة الحكومة من عائد المبيعات، فى بنك السودان المركزي ، ويخصص منه ( 5% ) من جملة الإيرادات لصالح تكلفة تشغيل المؤسسة السودانية للنفط ودفع مساهمتها فى أي استثمارات فى قطاع النفط ، وعدلت هذه النسبة أخيرا إلى ( 3%).
ومن المعلوم أن الحكومة جهزت بنية تحتية متكاملة لقطاع النفط تبدأ من خطوط نقل النفط وموانئ التصدير ومستودعات التخزين والمصافي ، وقد انفقت على هذه المشروعات مبالغ كبيرة ، بعضها كمساهمات فى تأسيس المشروعات، والآخر صرف مياشر على البنى التحتية كموانئ التصدير ، وهذه في حد ذاتها بنية تحتية لاتقدر بثمن لإنتاج لم يتجاوز في أحسن حالاته نصف مليون برميل ، وكان متوسط الإنتاج ( 300) ألف برميل يومياُ، انخفضت فى الآخر حتى وصلت إلى (100) ألف برميل فى أواخر عام 2019 وبدأت فى التراجع حالياً إلى (80) ألف برميل.
ونشير إلى أن الاقتصاد السوداني حقق معدلات نمو عالية خلال الفترة المذكورة ، شهدت بها المؤسسات الاقتصادية المالية الاقليمية والعالمية بلغت فى أعلاها 10.9% فى عام 2007 وفى أدناها 2.5% فى عام 2011 عام انفصال جنوب السودان، وبلغ متوسط النمو خلال الفترة من (2000-2011) (6.4%) انعكس هذا التحسن على تطور وتزايد موازنات الحكومة السنوية ، كما أدت إلى زيادة متوسط دخل الفرد السوداني من الدخل المحلى؛ فشهد الانفاق العام زيادات سنوية بدأت بنسبة (18.9%) فى عام 2000 وواصلت فى الارتفاع حتى بلغت 49% فى عام 2004 وتارجحت بين 25% و(31%) فى عامي 2005 وع 2006 ، وبدأت فى التراجع فى عام (2009) واستمرت الزيادة ببطء فيما بعد ذلك.
هذا وقد بلغ إجمالي الإيرادات للفترة من (2000-2006) مبلغ (5624) مليون دينار ، بينما بلغ اجمالى الايرادات البترولية ( 2765) مليون بنسبة 49.2% ، وبلغ إجمالي الانفاق ( 6342 ) مليار دينار ، بينما بلغ الانفاق على التنمية ( 1417) مليون دينار بنسبة 22.3% من جملة الانفاق ، وبلغت نسبة الانفاق على التنمية إلى إيرادات البترول 51.2% ، أى أن اكثر من 50% من إيرادات النفط ذهبت للتنمية فى هذه الفترة. وإذا أخذنا فى الاعتبار أن الانفاق على الجنوب كان تمويلا لمشروعات تنموية ، تحت عنوان جعل الوحدة جاذبة ، وأن الانفاق على الولايات يذهب أكثر من 80% منه لخدمات التعليم والصحة والمياه ، وهو إنفاق يتعلق بالتنمية البشرية ، فقد شهدت الفترة إنفاق ماجملته (2701) مليون دينار، وهي تمثل نسبة (97.7%) من ايرادات النفط فى ذات الفترة ، مما يبين أن كل إيرادات النفط ذهبت للتنمية فى البنى التحتية وتنمية الموارد البشرية.
أما إذا أخذنا الفترة الممتدة من (2007حتى2012) فنلاحظ أن إجمالي الإيرادات بلغ (124408) مليون جنيه ، بينما بلغ إجمالي الإيرادات البترولية (52781) مليون جنيه بنسبة 42.4 % من الإيرادات الكلية ، فى الوقت الذي بلغ فيه إجمالي الإنفاق (160507) مليون جنيه ، وتم إنفاق مبلغ (22323) مليون جنيه على التنمية بنسبة 13.9 % من الانفاق العام ، ونسبة 42.3% من الايرادات البترولية ، وبذات المنطق فى أن الانفاق على الولايات تنمبة للموارد البشرية ، وان ما يحول للجنوب بعد اتفاقية السلام الشامل التي وقعت في 2005 ، هو خصم من إيرادات النفط السنوية ، وفقا لهذه الاتفاقية التى بدأ نفاذها مالياً فى عام (2006) و بلغ إجمالي هذا الانفاق (78641) مليون جنيه ، بنسبة تجاوزت جملة الإيرادات البترولية خلال الفترة ، حيث بلغت (148.7%) من الإيرادات البترولية.
وهذا التحليل تناول مقارنة الإنفاق على التنمية وما في حكمها (الولايات والجنوب) فقط مع إيرادات البترول ، ولم يتناول الإنفاق على بند الأجور و تسيير خدمات الدولة ولا البنود الممركزة التى تخدم مناشط كثيرة تشمل العلاقات الخارجية ، وهى فى النهاية مصروفات تنمية غير مباشرة للمجتمع ، وفوق ذلك ما كان ينفق على الأمن من تطوير وتحسين ـ، انعكست آثاره على تنفيذ الموازنات السنوية، وعلى تحسين بيئة الاستثمار التى جعلت السودان يتبوأ مواقع متقدمة فى قائمة الدول الجاذبة للاستثمار في الفترة.