خطاب تخيلي للرئيس البرهان في الأمم المتحدة
فيما أرى
عادل الباز
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
السادة زعماء ورؤساء وقادة الأمم غير المتحدة.. (صمت وهمهمات)
أسمع همهمات سرت بينكم، حسناً لابد أنكم تعتقدون أنني أخطأت، لا لم اٌخطئ بل أنتم المخطئون، مخطئون حين تدّعون أنكم أمم متحدة!!. تعلمون أننا نجتمع سنوياً هنا لنمارس ذات الطقوس الخادعة، نتبادل الكلمات والابتسامات واللقاءات، ولكن لا شيء حقيقي يوحّد بيننا، لا قيم ولا مبادئ ولا قوانين، ترى على ماذا نتحد؟. دلوني على شيء واحد نحن عليه متحدين؟. مخطئون حين تظنون أن الشعوب تصدق أنكم أمم متحدة.
أيها السادة
إن خداع الشعوب بالكلمات الرنانة والشعارات قد ولى زمانها، لأن الشعوب أصبحت قادرة على أن تسمع وترى ما يجري في الكواليس مباشرة، ولذا حين تسمع الشعوب كلماتنا وترى أفعالنا يقع في وعيها أننا ليسوا أكثر من منافقين، هل تريدون أن أضع مرآة أمام حضراتكم لترون فيها حقيقة أنفسكم؟ هل تريدون أمثلة تكشف لكم أي درك من النفاق سحيق سقطنا فيه؟.
الآن وأنتم تلقون كلماتكم، في هذه الأثناء التي تتحدثون فيها عن العدالة والحرية وحقوق الشعوب والقانون الدولي الإنساني، عشرات الطائرات الإسرائيلية تدك منازل المواطنين على رؤوسهم في جنوب لبنان وتبيد أسر كاملة وتقصف أعياناً مدنية ومستشفيات ولكن لا أحد منكم رفع إصبعه للاعتراض على تلك الجرائم التي تحتقر وتنسف كافة القوانين والشرائع التي تأسست عليها هذه المنظمة، لم تتحدوا يوماً لوقف الظلم والعدوان، منذ أكثر من عام هنالك شعب كامل تحت القصف والإبادة الجماعية، وكلكم تشاهدون اثنين مليون فلسطيني في غزة يتعرضون للإبادة ولم تستطع الأمم المتحدة ولا مجلس أمنها اتخاذ قرارات ملزمة تقضى بوقف العدوان، السؤال الذي يواجههنا، إذا لم تستطع الأمم المتحدة أن تتخذ قراراً يمنع إبادة شعب تجرى أمام أعينها فعلى ماذا ستتفق وتتحد؟. لقد أصبحنا أضحوكة بين الشعوب، نقول مالا نفعل، نفعل كل شيء ضد الإنسانية ونتحدث عن حقوق الإنسان، نعلن عن احترام سيادة الشعوب ونسمح بغزوها ونهب مواردها، ندّعى أننا رسل سلام ونحن نشعل الحروب فى كل أرجاء الكوكب!!.
السادة أعضاء الجمعية العامة،
سأترك لكم تأمل ما يجري في العالم الآن، وأحدثكم عن ما يجرى في بلدي السودان، قبل كل شيء يؤسفني أن أقول لكم أن موقف الأمم المتحدة ومجلس أمنها مما يجري في بلدي السودان كان مخزياً. لقد تركت الآن خلفي وطن من أجمل الأوطان مدمر بفعل صمتكم، بل ودعم بعضكم للمرتزقة المتمردين.
أيها السادة
عام ونصف هي عمر الحرب في بلدي، تلك التي شنتها وحدة من وحدات جيش البلاد الوطني الذي عمره الآن تجاوز مائة عام، بدأت تلك الوحدة بتمرد هدف للاستيلاء على السلطة بالقوة وعندما فشلت خطة الانقلاب على الحكومة الشرعية حولتها مليشيا الجنجويد لحرب دمرت كل شيء في البلاد، وسرعان ما تحولت الحرب الداخلية لغزو بواسطة مرتزقة من شتات عرب أفريقيا، غزو تجرى الآن وقائعه وتشترك فيه 18 دولة، تتزعمه دولة تعلمونها جيداً وأخطر ما تقوم به تلك الدولة هو تعهدها بتمويل هذا الغزو بالمال والسلاح، وأنشأت لذلك قواعد عسكرية في دولة تشاد، كل ذلك معلوم أثبتته تقارير مجلس الأمن (لجنة الخبراء) وتفيض الصحافة الأمريكية بالأدلة التي تثبت كل يوم فعل هذا العدوان، والحال كذلك.. ناشدنا الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإدانة هذا الغزو وهذا العدوان ولكن للأسف صم العالم آذانه عن الاستماع إلينا ورفض إدانة المعتدين، ورفض إدانة المتمردين والغزاة، بل المدهش أنه ساوى بين المرتزقة المتمردين والحكومة الشرعية بالبلاد، متجاهلاً الشرعية القانونية والدولية للحكومة في السودان التي أمثلها الآن أمامكم.
إذا كانت بلادى تتعرض لغزو وتهديد وجودي من أعضاء بينكم، وأنتم تلوذون بالصمت وعاجزون، ليس عن الردع، بل حتى عن الإدانة اللفظية، فإذا كان هذا هو موقفكم، فما حاجتي الآن لأكون بينكم، بل ماحاجة بلادي للبقاء في أمم لا يعنيها إذا أبيد شعبي أو شُرد أو قتل أو اُغتصب، بل ماحاجة كل الدول المستضعفة التي تنشد العدالة أن تبقى في منظومة يتأسس بنيانها على الظلم، ما حاجة الإنسانية لمنظمة لا تحترم قيمها ولا قوانينها، وماحاجة عالمنا الثالث للبقاء داخل جدارن منظمة يفعل فيها المستكبرون ما يشاؤون دون النظر لحاجات الآخرين وحقهم في العيش الكريم في هذا الكوكب، وخاصة أنهم أثبتوا أن تلك القيم السامية التي يسوقوها لنا كمثل عليا، تبصق في كل منعطف خطر، كما تشاهدون الآن في شاشة ما يجري في العالم.
أيها السادة القادة والزعماء
أرجو ألا أكون قد أضعت وقتكم في ما هو معلوم لديكم، إلا أنني أجزم أني أضعت وقتاً عزيزاً على بلادي، تاركاً خلفي حرباً مستعرة وشعب مشرد وغزاة متربصين وعالم صامت، لاجغل أن أُسمعكم صوت شعبي، وأقول إنني ما سعيت إليكم وتجشمت مصاعب مخاطبتكم لتتخذوا قراراً أوموقفاً، إنما صعدت هذا المنبر لغرض مخاطبة ضمير العالم وقواه الحية حول الظلم الذي تتعرض له بلادي، لعل صحوة ضمير تنتاب شعوب العالم المقهورة فتنتصر للمظلومين وتضبط ميزان العدالة على بوصلة الحق. والله من وراء القصد.. والسلام عليكم.