رأي
حوار مع مبارك الفاضل (1-2)
فيما أرى
عادل الباز
1
لا يشككن أحد في المواقف الوطنية للسيد مبارك الفاضل، فمنذ أن بدأت حرب الجنجويد ضد السودان كان من أبرز السياسيين الذين دعموا الجيش ولم يتخاذل في كل المواقف التي احتاجت لموقف وطني موحد، بل ظل يحاجج بقوة في كل المنابر ضد المليشيا المتمردة وأذيالها. وقد كنت متابعاً جهده مع قادة البلاد وهو ينصح ويجتمع ويناضل في سبيل دحر الغزاة. هذا ما يجب التنويه به قبل أن ندخل إلى صلب الحوار مع سيد مبارك في مواقفه الأخيرة.
2
منذ مؤتمر القاهرة الذي شهد خلافاً طارئاً بين السيد مبارك والحركات المسلحة التي كان معها في حلف واحد ضد المتمردين، منذ ذلك المؤتمر اتخذ سيد مبارك موقفاً من الحركات المسلحة التي رفضت التوقيع على مخرجات مؤتمر القاهرة ثم تطور هذا الخلاف إلى هجوم وهجوم مضاد من الحركات عليه. وكان يمكن أن ينتهي الخلاف هناك ولكنه للأسف تطور إلى موقف شامل من الحركات وما تلعبه من أدوار مهمة في القتال ضد المتمردين.
3
تفجر الخلاف بين سيد مبارك والحكومة أيضاً حول التقدير السياسي والموقف من مفاوضات جنيف التي دعت لها أمريكا، فكان من رأي السيد مبارك أن يشارك السودان في تلك المفاوضات بالطريقة التي دعت لها أمريكا، وبالطبع ليس ثمة إشكال أن تتباين المواقف السياسية بين الذين يقاتلون في خندق واحد. ولذا يجب الحوار مع سيد مبارك حول ذلك الموقف المستجد بكل احترام. ومن هنا نبدأ.
3
في تغريدة له بالأمس قال سيد مبارك “لقد ألغت مصر وأمريكا اجتماع القاهرة مع الوفد السوداني حول تنفيذ اتفاق جدة بسبب كسر المسؤولين في السودان بروتوكول الاتفاق الذي تم مع مصر وأمريكا على أسماء الوفد العسكري السوداني وإضافتهم لممثلين للحركات المسلحة التي يرفض المجتمع الدولي والإقليمي مشاركتها في المفاوضات ويرفض مساواتها بالجيش السوداني.”. لأول مرة أفهم ما قصده المبعوث الأمريكي توم بيرلو من حديثه حول”البروتوكول الملغي”، يعني سبب فشل لقاء القاهرة هو إضافة ممثلين للحركات المسلحة خرق الجيش أو الحكومة البروتوكول غير المتفق عليه؟. سمح.. ولكن السيد رئيس مجلس السيادة في تصريحات صحفية كان قد قال “إن الأمريكان دعوا الجيش ولكننا سنرسل لهم وفداً حكومياً”. إذن لم توافق الحكومة أصلاً على المقترح الأمريكي بأن يشارك في مفاوضات القاهرة وفدٌ من الجيش فقط حتى يقال أن الجيش خرق البروتوكول. هذا البروتوكول المقترح تم رفضه ابتداءا، إلا أن يكون السيد مبارك يعتقد أن أوامر الأمريكان واجبة الطاعة بحذافيرها، فتتركهم الحكومة يختارون الوفد الذي يناسبهم، وإذا رفضت الحكومة مقترحاتهم يعني ذلك خرقاً للبروتوكول المفروض من أمريكا أو حتى المقترح من مصر.!!
4
كيف يمكن للرئيس البرهان أو أيا كان أن يدعو الحركات المسلحة أن تقاتل معه، وحين يأتي أوان التفاوض وتقرير المصائر يٌترك الجيش وحده ليقرر، يعني مطلوب من الحركات أن تقاتل وتموت وتترك للجيش حرية التفاوض؟!!. هذا ليس عدلاً وخاصة أن تلك الحركات وتضحياتها التي قدمتها مشهودة تستحق أن تكون على كل موائد التفاوض، وخاصة الحرب الحالية بالنسبة لها حرب وجود، أي مساومة مستقبلية تعنيها تماماً فكيف تخوض حرباً في ساحات المعارك ويذهب آخرون للتفاوض بالنيابة عنها.!!. الما بتريدو خاف الله فيه يا سيد مبارك.
كنت أتوقع أن يطالب سيد مبارك الجيش بإشراك ممثلين للقوى السياسية التي دعمت الجيش والمستنفرين والمجاهدين ومبارك من ضمنهم ولكن ما جرى أن سيد مبارك فعل العكس تماماً. هل هذا معقول. وإذا يُحاس الحَيْسُ يُدعى جُنْدبُ
وإذا يُحاس الحَيْس يُدعى جندب!.” الحيس هو طعام يخلط بالتمر والسمن”، وكما ترون هناك موت أحمر في الحرب ورهق في المفاوضات ولا حيس ولايحزنون.!!
5
عجبت من حديث سيد مبارك حين يقول إن المجتمع الدولي والإقليمي يمكنه المساعدة في انفاذ اتفاق جدة.!!. ياتو مجتمع دولي وإقليمي ده يا سيد مبارك؟. أليس هو ذات المجتمع الدولي الذي وقف متفرجاً لمدة عام ونصف عاجزاً عن إلزام المليشيا المتمردة بإعلان جدة الذي وقعت عليه، وهو نفسه الذي وقع عليه شهود من المجتمع الدولي.؟ كيف يعتقد سيد مبارك أن ذات المتآمرين الذين يمنعون إدانة التمرد في مجلس الأمن ومموليهم بعد ما كل ما فعلوه سيكونون الآن عوناً لإنفاذ ذلك الاتفاق.!! لماذا لم يفعل المجتمع الدولي سابقاً ولماذا يهرول الآن، وكيف نثق بذات المجتمع الدولي والإقليمي أنه سيلزم المتمردين بإنفاذ ذلك الإعلان هذه المرة؟. من هو المجتمع الدولي يا سيد مبارك؟ أليس هو من تتزعمه ذات “الرباعية” الغبية التي أشعلت الحرب حين أصرت على الإطاري.؟ أليس هو ذات المجتمع الإقليمي الذي طالب بحظر الطيران ومنع السلاح عن الجيش السوداني؟ أليس هو الذي أنكر منذ أول أيام شرعية حكومة السودان؟ عن أي مجتمع دولي تتحدث يا سيد مبارك.؟.
6
الحقيقة أنه حين عرف المجتمع الدولي أن مشروع المليشيا بالاستيلاء على السودان قد فشل وسيشفل، جاء الآن مهرولاً لإنقاذ ما تبقى من مليشيا آل دقلو، ذلك هو التفسير الصحيح يا سيد مبارك وليس لأن المجتمع الدولي المؤتمر قد انتابته (حنية) مفاجئة على الشعب السوداني الفضل !
نواصل