رأي

تغيرات المشهد السياسي في السودان

زين العابدين صالح عبد الرحمن

بدأ المشهد السياسي المتعلق بالسودان يتغير بشكل واضح، و التغيير لم يطال الأجندة المتعلقة بالحرب و العمل السياسي فقط، بل سيطال حتى الاعبين في المسرح السياسي، و سوف يتم تغييرهم من خلال التغيير الذي سوف يحصل في الميدان العمليات العسكرية، و هذا ما كنت قد ذكرته في عدد من المقالات السابقة، و كان بعض من المعلقين يعتقدوا ليس بالضرورة أن تكون الحرب عاملا لتغيير الاعبين.. أن مؤتمر القاهرة للقوى المدنية السودانية الذي عقد تحت رعاية الحكومة المصرية، شكل نقطة فارقة بين مرحلتين.. المرحلة الأولى كانت هناك سيطرة كاملة لعدد من الدول التي تدير المشهد هي أمريكا و بريطانيا و السعودية و الاتحاد الأوروبي و يوظفون معهم منظمة الإيغاد و الاتحاد الأفريقي، و هؤلاء كانوا يعتبرون “قوى الحرية و التغيير المركزي” هي القوى المدنية التي يعترفون بها ،و يعملون جاهدين إلي إرجاعهم للسلطة.. و هناك ضغط عسكريا كان يتم من الميليشيا على القوات المسلحة، و تدعم دولة الأمارات الميليشيا عسكريا، و أيضا تدعم القوى السياسية التي تشكل حاضنة للميليشيا، فالقيادات “تقدم” تقع تحت الضغط الأماراتي لكي تنفذ لها الأجندة التي تريدها..

شعرت أمريكا و بريطانيا بضعف ” قحت المركزي” عندما نصحتها أن تذهب للقاهرة و تعقد مؤتمرها هناك و تتفاعل مع القوى السياسية الموجودة في القاهر لكي يشكلوا ضغطا من أجل وقف الحرب،.. و ذهبت “قحت المركز” للقاهرة و عقدت مؤتمرها و اصدرت بيانها، و لكنها عجزت أن تدير حوارا مع القوى السياسية في القاهرة، هذا العجز جعل الداعمين يبحثون عن طريقة تتغير بموجبها القيادة، و تظهر قيادة جديدة تتحمل عبء العمل السياسي، و بالفعل أوكلت المهمة للأربعة الذين كانوا قد أصدروا بيانا بأسم القوى المدنية في أمريكا و هم ” الباقر العفيف و نورالدين ساتي و بكري الجاك و عبد الرحمن الأمين” و بالفعل تحول من بيان إلي واقع بفضل الدعم الأمريكي الأوروبي الأماراتي، و فرضت الأمارات عليهم عبد الله حمدوك الذي احتفظت به منذ قدم استقالته في نوفمير 2021م. و أظهرته بعد الحرب، و سمحت له عقد مؤتمر صحفي في أبوظبي.. أن الأحزاب المناط بها قيادة العمل السياسي تتراجع و تفسح مقاعد القيادة لمستقلين، تؤكد أنها بالفعل عاجزة تماما عن إدارة الأزمة السياسية، و عبد الله حمدوك لأنه قليل التجربة، و كانت الأمارات تعتقد أن الرجل مايزال يحتفظ بمكانة في الشارع السوداني الذي قال له عند تعينه ” شكرا حمدوك” أول خطأ ارتكبته ” تقدم” أنها وقعت إعلان سياسي مع الميليشيا تحت الأضواء الكاشفة للقنوات الفضائية.. ثانيا عندما ذهب لزيارة مصر للقاء القيادة المصرية و التقي برئيس المخابرات، و رفض الذهاب للإلتقاء بالمواطنين السودانين في القاهرا خوفا من ثورتهم.. وجدت “تقدم” دعما من أمريكا و الدول الأوروبية إلا أن الإثنتين شعرتا أثناء المؤتمر التأسيسي كان هناك حضورا كبيرا لعناصر الميليشيا في المؤتمر و تأكدا أن ” تقدم” لا تستطيع إدارة الأزمة كما توقعوا..

لذلك قبلت تقدم توسيع قاعدة المشاركة في حوار فرنسا و سويسر، أما مؤتمر القاهرة؛ كان نقطة تحول كبيرة في العملية السياسية، حيث سقط تماما مصطاح ” لا للإغراق السياسي” و قبلت “تقدم” أن تجلس مع الذين رفضتهم من قبل، خاصة عندما كانت تجرى حوارات ” الإتفاق الإطاري”.. و مؤتمر القاهرة الذي حضره عدد كبير من ممثلي الدول و المنظمات، تأكد لهم أن “تقدم” كانت صنيعة لقيادة فشلت في مهامها، و ايضا لا تسندها أي قواعد اجتماعية واسعة، و في ذات الوقت تحولت الميليشيا من قوى ترفع شعارات سياسية إلي مجموعات من الحرامية و القتلة و النهابين تجوب مدن و قرى السودان، و ليس لها قيادة يمكن أن تسيطر عليها هذه القضايا كانت لابد أن تحدث تغييرات جوهرية في العملية السياسية..

من قبل كانت ” قحت المركزي” و التي أصبحت ” تقدم” هي التي تحدد للاتحاد الأفريقي و الإيغاد من الذي يجب أن يحضر أي حوار تجريه هذه المنظمات أو يتم إلغائه، الآن تقدم أعتذرت بعدم حضور مؤتمر الحوار الذي دعا إليه الاتحاد الإفريقي، و عقد الحوار بمن حضر.. و للتنبيه: إذا كانت هناك قيادة سياسية حكيمة في هذه الأحزاب المنضوية تحت لواء ” تقدم” عليها أن تسحب نفسها، و تجري تعديلات في قيادتها إذا كانت بالفعل تريد الاستمرار مستقبلا في العمل السياسي.. أن الحرب سوف تتوقف أن شاء الله بإنتصار الجيش و تخرج الميليشيا من الدائرتين العسكرية و السياسية، وسوف تصبح تلك الأحزاب في مواجهة مباشرة مع الشعب داخل السودان.. إذا كانت الأحزاب تقبل أن يقودها مستقلين لماذا تكونت أصلا؟. هذا يؤكد أن قياداتها إما ناشطين سياسيين أو بضعف القدرات.

أن زيارة رئيس الوزراء الأثيوبي إبي أحمد لبورتسودان و مقابلة الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة يمثل موقفا جديدا.. في أول اجتماع لرباعية دول الإيغاد في أديس أثناء الحرب، بعظمة لسانه قال إبي أحمد يوجد في السودان فراغ في السلطة، و كان يطالب بدخول قوات من شرق أفريقيا لتجعل الخرطوم منطقة منزوعة السلاح بحدود خمسين كيلومتر.. الآن يركب طائرته و يتوجه لبورتسودان المكان الذي تدار منه الدولة, و يلتقي بالقيادة.. هذا الفعل بغض النظر عن الرسائل و الموضوعات التي يحملها أو طرحها تعد اعترافا و تحول جديد في المشهد له ما بعده.. أما فرض الأراء و الشروط على الآخرين كانت فرصة ” لقحت المركزي” منذ “الاتفاق الإطاري” أن تفتح الباب للمشاركة و الحوار الجامع للوصول لتوافق وطني، و لكن قصر النظر، و الطمع في السلطة، جردتها من الكروت التي كانت في يدها.. و سوف تتحول الآن المهمة لقيادات جديدة عندها خبرة سياسية و فهم كامل لعملية التحول الديمقراطي، التي تؤسس عبر التوافق الوطني الجامع و ليس الفرقة و الإقصاء.. نسأل الله التوفيق و حسن البصيرة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى