تعقيب على حوار الباز مع البلدوزر (2 / 2)
الدكتور إبراهيم كلكة
ختمنا الحلقة الاولى في التعقيب على حوار الاستاذ عادل الباز مع السيد مبارك المهدي بالحديث عن الحركات المسلحة والدور الاماراتي في الحرب، وحتى يكون الحوار حول الحركات المسلحة أو قوي إتفاق سلام جوبا كما تتم تسميتها، موضوعياً يحب الاجابة على سؤال كيف تم الاتفاق مع الحركات في جوبا ؟ و ماهي أهداف الاتفاق وهل كان لتوقيع الاتفاق أي أثر علي عملية الحرب والسلام في دارفور ؟ وهل كان له أي أثر إيجابي علي قضايا وافرازات حرب دارفور كالنزوح والتهجير والأفقار ؟ وهل أسهم في قضايا التعويضات والمصالحات والعدالة ؟ أم كان له أهداف اخرى؟
من الحقائق الجلية الواضحة مثل الشمس في كبد السماء أن اتفاق جوبا هو صنيعة حميدتي والكباشي عندما كانت أهداف المكون العسكري في السلطة متفقة،وهدفه الأساسي الصراع على السلطة مع الحرية والتغير،وتضمن الاتفاق عيوب أساسية،ويعد السيد الصادق المهدي “عليه الرضوان” من أبرز من تناول قصورات وعيوب الاتفاق في مؤتمر صحفي خصصه لتفنيد الاتفاق وإبراز العوار الذي احتواه ورفضه بناء علي ذلك، والدليل على ان اتفاق جوبا ليس له اثر على عملية الحرب والسلام في دارفور ان الحركات المتفق معها لم تكن تقاتل في دارفور عند توقيع اتفاقية جوبا،فقيادتها كانت موزعة بين العواصم الأفريقية أما قواتها فقد عادت ودخلت السودان من ليبيا عندما قرر العالم اخراج المليشيات التي تقاتل مع السراج وحفتر، وجزء آخر من قوات هذه الحركات جاء من جنوب السودان بعد ان حاربت مع سلفاكير وريك مشار،ولم يكن لها مناطق محررة في السودان تتمركز فيها أي قوات تابعة لها،ولم تسمي مناطق سيطرة ووجود لهم داخل السودان،كما لم يتم تحديد أعدادهم ونوع أسلحتهم،فقد كان الهدف الوحيد وصولهم الخرطوم باسلحتهم لاستعراض القوة لارهاب خصوم المكون العسكري وقال حميدتي قولته المشهورة مخاطبا قوي الحرية والتغيير ” إذا ما عاوزين الحركات في تحالفنا أمشو حاربوهم نحن لن نحارب بعد اليوم ” بعدها بدات الحركات عملية التجنيد حتى تجمل التحايل على عملية السلام،ووصل التحايل مرحلة خطيرة عندما عقد رئيس حركة كان لها وجود سابق في النيل الأزرق ومعه معاونه الذي اصبح قيادياً في تقدم إتفاق مع حميدتي وبرعاية إماراتية لاستصحابه حتى يقوم بتجنيد قوات جديدة عددها ١٢٠٠ ومقابل ذلك يحصل حميدتي على مناجم الذهب في الإقليم .
وبعد الاتفاق مع حركات جوبا استمرّ مسلسل الانقسامات الذي لم يقف عن الرقم ٨٠ قبل الاتفاق وتعرضت حركة جبريل للانقسام ال ١٣ وكذلك حركة مناوي وحجر والهادي ادريس لانها حركات إحتجاجية وتمثل شرائح صغيرة من خشوم بيوت قبائل وليست حركات قومية
هذه الخلفية مهمة جداً يا استاذنا العزيز عادل الباز لان استغلال عملية السلام في الصراع السياسي عبر دخول الحركات تتم الان بطريقة مختلفة حيث يريد الفريق البرهان ان يسير في نفس الطريقة ويستغل الحرب والتحرير في خلق بديل لحميدتي من الحركات المسلحة والدليل على ذلك انه ترك المقاومة الشعبية والمستنفرين اللذين تدربوا في معسكرات الجيش دون سلاح بل ان الفريق الكباشي تحدث حديثا سالبا عن المقاومة الشعبية وحذر من خطرها في خطابه الشهير إثناء حفل تخريج قوات عسكرية تابعة لـ«حركة تحرير السودان»، بمدينة القضارف، ولكن رعايته كانت واضحة لحركتي جبريل ومناوي بدفع ملايين الدولارات وفتح معسكرات في شرق السودان للتجنيد مع أن هذه الحركات ظلت في الحياد ورافضة للانضمام لصفوف مقاومة مخطط آل دقلو لأكثر من ثمانية شهور بعد اندلاع التمرد،رغم ان الشعب السوداني باكمله إنخرط في القتال مع القوات المسلحة ومنذ اللحظة الأولى لاندلاع التمرد دون مقابل بل ان المقاومة الشعبية في مناطق مثل المناقل تبرعت باكثر من ٥ مليون دولار لشراء سلاح لها، وفاقت تبرعات الولاية الشمالية ونهر النيل هذا الرقم،و السؤال الأهم إذا كان الجيش قادر علي فتح معسكرات تجنيد وتدريب فلماذا يجندهم ويدربهم لصالح وبإسم حركات دارفور وليس باسم ولمصلحة القوات المسلحة ؟؟
ليس هنالك عاقل وصاحب عقل رشيد سيقف ضد اي دور سياسي للحركات المسلحة فقد كان لها دور نضالي مشهود في مقاومة الانقاذ،ولكن لا يقبل أن يكون هذا الدور السياسي وهي ما زالت محتفظة بسلاحها قواتها في مواجهة القوي السياسية المدنية،فتحولها لقوى سياسية تنافس للوصول إلى السلطة رهين بتسليم سلاحها للقوات المسلحة دون زرائع الترتيبات الامنية المفترى عليها لانها لا تسيطر على اي اراضي في السودان، من الواضح أن ظروف الصراع السياسي بين المكون العسكري والحرية والتغيير كانت سببا أساسيا لأن يتم تجاوز أسس الانضباط العسكري ، وعليه يجب على الحركات تسليم سلاحها وتتحول إلى أحزاب سياسية تشارك مع الآخرين في رسم مستقبل السودان ، والأمر الآخر الذي لابد من الإشارة إليه أن أجل اتفاق جوبا كان ٣٩ شهراً وانتهى ، فقد مر الآن أكثر من ٤٦ شهرا علي توقيع الاتفاق،الثابت ولم يبقى الآن شي اسمه اتفاق جوبا فقد انقضي أجله .
وفيما يتعلق بالحوار حول الدور الإماراتي في الحرب نتساءل اولا عن ماهو الخطاً في رفض وجود الإمارات في اطار المراقبين للتوصل إلى إتفاق لتنفيذ اعلان جدة؟
وبعيدا عن المزايدات ومحاولة قلب الحقائق لابد أن نشير بداية الي أننا كحزب سياسي -وفي وقت مبكر جدا بعيد الحرب – كنا أول الجهات التي أشارت إلى دعم دولة الامارات للدعم السريع وسبقنا الجيش ووزارة الخارجية وكل الحركة السياسية في ذلك وطالبنا حتي يتم محاصرة الامارات ودفعها لإيقاف أو تحجيم هذا الدعم أن تقوم الحكومة بمناقشة الأمر مع دولة الإمارات عبر وسطاء يتكونون من المغرب والأردن وسلطنة عمان أو أن يتقدم السودان بشكوي رسمية ضد دولة الإمارات، ثم جاءت شكوى السودان في مجلس الامن بعد عام من الحرب وحتى بعد الشكوى لم يتم قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات بل ما زالت قائمة وحتي هذه اللحظة في ارفع درجات التمثيل الدبلوماسي فلماذا يتم رفض وجودها في المفاوضات طالما ما زالت العلاقات معها طبيعية ورفيعة ومهاجمة من يقولون بضرورة مناقشة هذا الدعم من خلال منبر جنيف نفسه بدلا من مناقشته في وسائل إعلام محلية ؟
وما يجدر ذكره أن التدخل الإماراتي في حرب السودان كانت البوابة الرئيسية له مجموعة الرباعية ولكن لعبت ابو ظبي دوراً مباشراً فيه لانها تمتلك علاقة مباشرة مع مليشيا الدعم السريع والدليل تورط الرباعية ان المملكة العربية السعودية لا تعطي أذناً لعبور طائرة البرهان فوق اجوائها وهذا يعني ان لها موقف منه،وحجزت بواخر ومنعت الجيش من إستخدام موانيها الخ.
السودان لم يقطع العلاقات الدبلوماسية مع أبوظبي ومعظم التجارة والصادرات تذهب إلى الأسواق في دبي والقاهرة،وكل الذهب السوداني بقيمة 2.5 مليار دولار يتم بيعه في دولة الإمارات والحديث عن الاستبدال السوق وعمل مصفى في قطر أو غيرها حديث ليس له قيمة لان سوق الذهب العالمي في لندن أعطى الإمارات رخصة معتمدة دولياً ولم يمنحها إلى اي دولة في الشرق الاوسط وافريقيا والامارات انشأت مصفى مع تركيا وبذلك اصبح سوق الذهب في المنطقة والي حد كبير حكراً للإمارات وتركيا،و من الواضح أن رؤوس أموال سودانية رسمية ضخمة موجودة في الامارات وإذا اضفنا لذلك أموال رجال الاعمال السودانين الذين هربوا من العقوبات المصرفية كما أن معظم عمليات استيراد السلع الاستراتيجية للسودان خصوصا الوقود والغاز تمر عبر دولة الإمارات، بل ان بنك الخرطوم الذي يقوم باكبر مهمة في هذه الحرب عبر تطبيق بنكك والذي كان له الدور الاعظم في حياة السودانيين عبر التحويلات خاصة من الخارج سواء للأفراد أو المطابخ العامة والتكايا بعد توقف عجلة الإنتاج عن الدوران مملوك بنسبة أغلبية أسهمه لبنك دبي الاسلامي في دولة الامارات فالحقيقة أن حركة الأموال والاقتصاد السوداني مرتبط والي حد كبير بدولة الإمارات، و ذلك يوضح أن المصالح المشتركة مع الامارات كبيرة جدا، نعم الامارات دعمت المليشا وسلحتها ولكن المسؤلية الاولى في ذلك تقع على السودانين الذين قدموا حميدتي لعاصفة الحزم ولاولئك الذي جعلوا منه نائب رئيس وفتحوا له باب علاقات خارجية وظفها لمصالحه الشخصية، وعلنا الان بعد فشل مشروع حميدتي في الاستيلاء على السلطة والجيش أن نواكب التحول الدولي الذي أعلن صراحة أن لا وجود للمليشيا فيي مستقبل البلاد لا سياسيا ولا عسكريا ، ونمضي قدماً لنحاصر داعمي المليشيا سياسيا في كل المنابر الدولية وسوف ننجح في ذلك مثلما نجحت قطر في فك حصارها بالحنكة السياسية وكان مؤلماً على الشعب القطري وعلى الدولة القطرية ومثلما تمت المصالحة مع سوريا،فهذه هي طبيعة الخلافات العربية وليست جديدة فالسادات ضرب ليبيا بالطيران وقبلهم الملك فيصل وعبدالناصر دخلا في صراع مرير في اليمن، الان الإمارات قررت أن تقف مع الرباعية الدولية وان تعمل لوقف هذه الحرب بعد ان فشل مشروعها عبر ال دقلو وعلى السودان البحث عن مصالحة وليس هنالك مجال لاي انتقام لان كل حياة السودان الاقتصادية مرتبطة مكنيكياً مع الاقتصاد الإماراتي ولا يستطيع السودان ان يسبح ضد هذه المصالح لذلك لم يقم الفريق البرهان بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات لانه يعلم علم اليقين انه لايستطيع ان يقوم بزبح هذه المصالح الكبيرة، وقبل لها أن تلعب دور الوسيط في المنامة ومسقط، اذن عليه ان يقبلها في دور المراقب في جنيف ويستخدم المنبر لمحاصرة اي دعم يمكن ان تقدمه للمليشيا لان الهدف ليس الامارات انما حماية الشعب وانقاذ ١٢ مليون سوداني مشرد في دول العالم ومشرد داخل السودان فالهدف الاسمي هو الحفاظ على الدولة والجيش السوداني والشعب السوداني.
عزيزي الاستاذ عادل الباز ان الجدل الدائر وفد عسكري ام وفد يمثل الحكومة مفتعل الهدف منه استخدام قضية التفاوض على اتفاق جدة للمساومة باعتراف مسبق بوضع سياسي قبل السلام لان القضايا المطروحة في اتفاق جدة قضايا عسكرية ليست مدنية وسياسية ومتعلقة بخروج قوات واستلام اسلحة ومعسكرات ومراقبين وغيرها من القضايا الفنية المتعلقة بإنهاء الحرب لذلك منذ البداية ارسل الجيش وفد عسكري واي اتفاق لجداول التنفيذ والمعسكرات المقترحة تحتاج إلى وفد فني عسكري وليس هنالك مجال إلى وفد مدني وخلق صراعات واهية تبعدك عن الهدف الأساسي وهو اخراج المليشيا من الأعيان المدنية وحماية الشعب السوداني.