ببساطة مصر أولى.. بالشراكة مع السودان
د/ عادل عبد العزيز الفكي
adilalfaki@hotmail.com
توجد فرصة هائلة للشراكة الاستراتيجية ما بين السودان ومصر. مصر التي دخلت قائمة العشرين الكبار على مستوى العالم بناتج محلي إجمالي يبلغ 1.4 ترليون دولار في العام 2022 (إحصاء كتاب حقائق العالم CIA Factbook) يمكن أن تمثل أملاً اقتصاديا للسودان في فترة ما بعد الحرب بإذن الله.
تتوفر معايير قياس العلاقة الاستراتيجية الثمانية في علاقة السودان مع مصر. على المستوى السياسي والدبلوماسي عبرت الحكومة المصرية عن احترامها للمؤسسات السودانية، وتقود جملة من المبادرات لمعالجة الأوضاع في السودان، وتدعم موقف السودان في مختلف المؤسسات الدولية والإقليمية.
أما على مستوى العلاقات العسكرية والأمنية فيوجد تاريخ قديم جداً للتعاون ما بين الجيشين السوداني والمصري، حيث نشأت قوة دفاع السودان من رحم الجيش المصري، وفي حرب العام 1967 ما بين مصر وإسرائيل انتقل سلاح الجو المصري، والكلية الحربية المصرية ليعملا من منطقة جبل الأولياء في السودان. وشاركت فرق من الجيش السوداني ضمن الجيش المصري في حروب الأعوام 1948/ 1967/ 1973 ما بين مصر وإسرائيل، كما شاركت في حرب الاستنزاف.
وفي العهد الحديث نفذت القوات الجوية السودانية والقوات الجوية المصرية تدريبات مشتركة انطلاقاً من قاعدة مروي الجوية. وتم التنسيق ما بين الجيشين في مناورات النجم الساطع مع القوات الأمريكية في عدة جولات لهذه المناورات. فيما تدرب عدد من ضباط الجيش السوداني، وضباط الشرطة، والمخابرات السودانية في أكاديمية ناصر العسكرية والمؤسسات الأكاديمية العسكرية والشرطية والأمنية المصرية، وبالمقابل تدرب عدد من ضباط الجيش المصري بأكاديمية نميري العسكرية بالسودان والمؤسسات الأمنية الأخرى.
فيما يلي العلاقات الاقتصادية بين السودان ومصر نجد أنه حسب الإحصاءات الرسمية للعام 2022 فقد بلغ حجم الصادرات السودانية لمصر حوالي 520 مليون دولار، فيما بلغ استيراد السودان من مصر حوالي 620 مليون دولار. أي أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يبلغ 1140 مليون دولار (مليار ومائة وأربعون مليون دولار). وهي قيمة تعتبر أقل كثيراً من القيمة الحقيقية، لأن جانب كبير من التجارة بين القطرين يمر غير الطرق الرسمية.
تكتسب الحركة التجارية فيما بين السودان ومصر في ظروف الحرب القائمة الآن أهمية قصوى باعتبارها شريان الحياة الأكثر فعالية في الوقت الحالي لإمداد ولايات السودان المختلفة بالمواد الغذائية وبمدخلات الإنتاج الزراعي والصناعي.
تبدو الفرصة مواتية لزيادة الصادرات السودانية لمصر في السلع الأساسية، على سبيل المثال فإن مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم. فوفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن مصر استوردت في العام 2020 حوالي 12.9 مليون طن قمح بقيمة 3.2 مليار دولار. يمكن زراعة هذه الكمية في التروس العليا بولايتي نهر النيل والشمالية في السودان، باستخدام تقنيات الطاقة الشمسية لري المساحات الزراعية من مياه الحوض النوبي الجوفي المتجددة.
هناك العديد من المشروعات الاقتصادية المشتركة ما بين السودان ومصر في طور التنفيذ أهمها مشروع الربط الكهربائي ومشروع الربط السككي. بالنسبة للربط السككي فقد تم خلال شهر أبريل 2022 تقديم منحة من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بقيمة 750 ألف دينار كويتي “ما يعادل 2.5 مليون دولار” للمساهمة في إعداد دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية والبيئية لمشروع إنشاء خط سكة حديد يربط بين مصر والسودان بطول 570 كم. فيما يتم الآن إمداد السودان بحوالي 100 ميقا واط من الطاقة الكهربية من مصر يتوقع أن تصل الى 300 ميقا واط قريباً، والهدف النهائي 1000 ميقا واط مستقبلاً.
في جوانب العلاقات الاجتماعية والثقافية ارتبطت مصر بالسودان بعلاقات أزلية تقوم على روابط القرابة والدم والتاريخ الواحد واللغة والدين الواحد، واستقبل السودان البعثات العلمية من مصر منذ عهد الفراعنة كما توافد الطلاب السودانيون لتلقي العلم بالأزهر الشريف في مصر، مما أدى إلى تأثر السودان بالنظام التعليمي في الأزهر، وتم إنشاء رواق خاص للسودانيين بالأزهر عام 1836 عرف باسم رواق السنارية.
في الجانب الإنساني استمر السودان خلال الحرب في استلام قوافل مساعدات إنسانية ضخمة من جمهورية مصر العربية. بناءً على توجيهات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية تحتوي على مواد الإغاثة المختلفة (مواد غذائية ودوائية وخيام ومراتب وبطاطين…)، فضلاً عن قوافل الإمداد بالأدوية والمستلزمات الطبية.
بناءً على هذه العناصر فإن مصر هي الدولة الأولى بالشراكة الاستراتيجية مع السودان بعد انتهاء الحرب.
والله الموفق.