رأي

انتهى عصر الاستعمار والاستبداد وبدء عصر الاستعباد

 

 

اللواء (م) مازن محمد إسماعيل

 

🧨سبعون في المائة من احتياطات المعادن النادرة في أوكرانيا تقع في المساحة التي احتلتها روسيا ، والتي تعادل حوالي ٢٥%-٣٠% من مساحة أوكرانيا ، وروسيا بالفعل بدأت استغلال هذه المعادن خلال الحرب لاستعواض خسائرها المادية ، وما حازته روسيا من احتياطات معدنية في أوكرانيا تقدر قيمته بحوالي ١٥-٢٠ تريليون دولار.

 

🧨أمريكا تريد أن تتخلص من استيراد هذه المعادن والتي تحتاجها لصناعتها التكنلوجية الحديثة (رقائق الكترونية ، هواتف نقالة ، ذكاء اصطناعي ، نانو تكنلوجي ، أقمار صناعية ، ..الخ) وذلك بالاستحواذ على ٥٠% مما تبقى لأوكرانيا من هذه المعادن ، ومن المعلوم أن المستفيد الأول في أمريكا من هذه المعادن سيكون إيلون ماسك صاحب أكبر شركات التقنية الحديثة.

 

🧨روسيا أعلنت بوضوح أنها لن تكتفي بالأقاليم الأربعة التي تحتلها بالفعل بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم التي حازتها منذ العام ٢٠١٤م ، وأنها لن توقف الحرب إلا بضم أوديسا إلى روسيا ، وبذلك سيصبح ما تبقى من أوكرانيا دولة حبيسة ، وستكون روسيا قد حققت هدفها بالوصول إلى البحار الدافئة.

 

🧨أوربا قدَّمت أكثر من مائة مليار دولار لأوكرانيا على شكل قروض يستحيل استردادها إذا فقدت أوكرانيا كل ثرواتها الطبيعية ، فضلاً عن حاجة أوربا المُلِحة لهذه المعادن الأوكرانية ، ولذلك لم تجد أوربا أمامها سوى تحريض زيلينسكي على رفض الصفقة مقابل وعود أوربية (كاذبة بالتأكيد) على استمرار دعمه ، وهكذا رفضت أوكرانيا الصفقة ، ولكنها ستُنفِّذها مُرغمة ، وستسجد أوربا تحت أقدام ترمب رغم أنفها.

 

🧨إيلون ماسك أعلن أنه سيقطع خدمات استار لينك عن أوكرانيا ابتداءاً من مطلع مارس القادم إذا استمرت في رفض صفقة ترمب ، وهو ما سيجعل الأوكران صمٌّ بُكمٌ عُمْيٌ لا يرجعون في مواجهة موجة الاجتياح الروسي التي احتدمت هذه الأيام ، مع شبه نضوب لمخزونات الأسلحة والذخائر في أوربا.

 

🧨في أمريكا بدا واضحاً من التصريحات وموجات التطبيل والتفويض أن ترمب ينوي البقاء حاكماً بعد ٢٠٢٨م ، وقد نشر ترمب قبل أيام تغريدة بها صورته وعلى رأسه تاجٌ مصحوباً بعبارة *Long Live The King* ، وهو ما سيعني أن (إصلاح أو إلغاء) الدستور سيكون أحد المشروعات في جدول أعمال ترمب ، ويؤكد ذلك أنه عندما سُئل عن التجاوزات الدستورية والقانونية والإدارية التي يقوم بها إيلون ماسك في إجراءاته (الإصلاحية) .. اقتبس ترمب في إجابته مقولة الإمبراطور نابليون *He who saves his Country does not violate any Law* ، وهو ما يفتح الباب واسعاً على مستقبل الدستور والقانون ونظام الحكم في أمريكا نفسها ، ولا شك أن شهوة شجرة الخُلد والمُلك الذي لا يبلى التي تُصيب الحُكام فتجمع حولهم قوَّادي السياسة والإعلام .. ليست حصريةً في السودان أو دول العالم الثالث فقط ، بل إنها تتجلى اليوم في أرض الأحلام ذاتها.

 

🧨الديمقراطية ليست فردوساً ، بل إنها أسوأ أنظمة الحُكم كما قال سُقراط وشرحنا ذلك تفصيلاً في مقال سابق أوضحنا فيه عيوبها المعلومة ومآلاتها المحتومة ومزايا الشورى عليها ، ويكفيكم أن زيلينسكي وكل حُكام أوربا وأمريكا الذين أججوا الحرب وقادوا بلادهم وشعوبهم لهذه النتائج المأساوية قد جاءت بهم الديمقراطية ، وهم اليوم كحكام سابقين .. ينعمون بغنائمهم التي اكتسبوها غير عابئين بما خلفوه وراءهم من كوارث يستحيل على شعوبهم الفكاك منها.

 

🧨في عالم اليوم قد انتهى عصر التحالفات وحتى الاستعمار ، ولم يَعُد مقبولاً سوى الاستعباد ، والقوة وحدها هي الحق ، فلا شرعية ولا قوانين دولية ولا منظمات أممية ولا حدود جغرافية ولا دبلوماسية ولا مرونة ولا علاقات أزلية ولا مصير مشترك .. فهذه المفاهيم أصبحت محض هراء … ونحن في السودان لن نكون بمعزِلٍ ولا منجى عمَّا يجري وقد ابتلانا الله بنعمة الثروات الهائلة التي لم نُحسِن استغلالها وفشلنا في الحفاظ عليها وتجتهد نُخبنا السياسية في بيعها بلا ثمن ، والناس في السودان اليوم منوطٌ بهم حِفظ الأمانة التي سيسألهم عنها الله والأجيال القادمة ، وقد جاءت الفِتَن يُرَقِّق بعضها بعضاً ، ولا مجال للنجاة إلا بالتشبث بأعلى درجات القيم ، واكتساب أقصى مُمسِكات القوة ، والعزم والحزم في الأمر كله ، وحشد قوى الدولة الشاملة لمجابهة التحديات ، والخشية قائمةٌ وراجحة في أن يكون مصير السودان أسوأ من أوكرانيا ، والبعرة تدُلُّ على البعير ، والمُؤَشِّر لا يُبَشِّر ، فالذين تتقلَّب قلوبهم ومواقفهم كل ٢٤ ساعة فيرتَدُّن من أقصى المواقف إلى نقيضها ، ولا يزالون يسيرون على خُطى الوسيخة الدستورية .. سيصلون بكم إلى غاياتها القحتية يوماً .. ولات ساعة مندم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى