المنتخب القومي فوق كل انتماء

د. حسن المجمر
لم يكن ذلك المشجع المتدثر بعلم السودان في كل المباريات الدولية في عقد الثمانينات والغالبية من أبناء جيله ينظرون إلى لاعبي المنتخب القومي من زاوية الانتماء الضيق للناديين الكبيرين المريخ والهلال، ولا حتى الضلع الثالث الموردة قبل أن يجور عليها الزمان فتردى.
فالمنتخب هو راية الوطن التي يستظل بها الجميع حول العالم، سوى عند قلة من الجمهور في بلدنا وبلدان أخرى قليلة في المنطقة. لذلك تلامس أخبار انتصاراته شغاف القلوب وتحرك وجدان الناس، مثلما تدمي هزائمه الأفئدة المتطلعة للكؤوس.
عندما يلعب المنتخب يجب أن تذوب الانتماءات الضيقة وتأتلف قلوب الشباب كافة القادمون من كل ربوع السودان من الخرطوم من الجنينة إلى كسلا ومن حلايب إلى قيسان، ومن العوينات إلى أم دافوق، ومن حلفا إلى الجبلين.
فكرة القدم لم تعد مجرد لعبة ينتهي أثرها بعد صافرة الحكم داخل الاستادات أو على شاشات القنوات الفضائية إنما هي دبلوماسية شعبية عابرة للحدود، كم أسهمت في انهاء النزاعات وبناء السلام، وتحفيز المشاركة ولفت الانتباه إلى أولويات التنمية.
هذه الرياضة أبطالها هم الأشهر من الساسة، فكم من دولة لا يعرف الناس رئيسها لكنهم يعرفون هداف منتخبها ومدربها الخبير.
معظم البلدان المتقدمة كرويا تعاني من الأزمات الاقتصادية الشديدة، بل بعضها عانى من النزاعات التي سكت دوي أسلحتها عبر الاستجابة لنداءات اللاعبين، مثلما فعل ديديه دروغبا في إيقاف الحرب الأهلية في بلاده من قلب الخرطوم.
إن كرة القدم التي تجلب السلام وتناهض خطاب الكراهية والتعصب تبدأ من وعي اللاعبين، وتتوج بدور الإعلام المهني الذي يقدم الوطن على الانتماء الضيق.
نحن في بلد مأزوم قاتلت فئة من شبابه بالسلاح لإخراج المتمردين من بيوت المواطنين في ولايات الخرطوم وسنار والنيل الأزرق والنيل الأبيض وشمال كردفان وما زالت تقدم التضحيات لفك حصار الفاشر وتحرير النهود ونيالا وزالنجي والجنينة.
وفئة أخرى تقاتل في الميدان ليبقى اسم السودان بارزا كمؤسس للاتحاد الأفريقي لكرة القدم.
بين هؤلاء وأولئك تضحك قطرات الندى حبا وتسيل السماء غيث خير لكل الناس.
الأمل معقود في أن نغتنم جميعا بكل اختلافاتنا النتائج الجيدة التي حققها منتخب السودان للمحليين لتعزيز خطاب السلام وتعبئة وحشد الجهود لإنهاء خطاب التعصب والكراهية في المجال الرياضي وبصفة أخص بين جمهور المريخ والهلال من الشباب الذين يشكلون عماد مستقبل السودان.
بلادنا الحبيبة بتاريخها الرياضي الكبير لها من الإنجازات بطولتان قاريتان فقط تحققتا باسم كرة القدم السودانية على المستوى الأفريقي تمثلتا في فوز المنتخب القومي ببطولة أمم أفريقيا في العام 1970، وفوز نادي المريخ بكأس الكؤوس الأفريقية في العام 1989. سوى ذلك نجد أربع بطولات أخري إقليمية (كأس شرق ووسط إفريقيا- سيكافا-) فاز بها فقط المنتخب ونادي المريخ أيضا ودون سواهما.
خمسة وخمسون عاماً لم يكتب القدر لمنتخبنا صعود منصات التتويج للتلويح بكأس أمم أفريقيا للمحترفين أو للاعبين المحليين، وخمسة وثلاثون عاماً لم يكتب للمريخ العودة بإحدى بطولات الاتحاد الأفريقي لكرة القدم.
أمام نادي الهلال الند الكبير فقد رماه حظه العاثر خارج قوائم الأبطال على المستويين القاري والإقليمي رغم إنفاق ملايين الدولارات ووصوله لنهائي الأبطال مرتين 1987 و1992.
الأجدى أن ينصرف جل اهتمام الزملاء والزميلات من قبيلة الإعلام بتناول هذه الإحصاءات المتواضعة لكرة القدم السودانية بشيء من المنطق والموضوعية بعيدا عن التمجيد الكذوب الذي يمارسه البعض لدرجة تخال أن خزائن أنديتنا ومنتخبنا متخمة بالكؤوس والميداليات الذهبية، وشعاراتها مرصعة بالنجوم.
والأمر نفسه ينطبق على الكثيرين من أعضاء مجالس الإدارات الذين عجزوا عن إعلاء قيم التكاتف والتعاون بين الأندية وخاصة الناديين الكبيرين، بل ويعتقد بعضهم أن حشد العواطف والإثارة المبنية دون أساس هي كقصور الأطفال التي يشيدونها على رمال الشواطئ المتحركة.



