المجتمع المدني السوداني والتمثيل القسري
د. حسن المجمر
يدرك معظمنا أن دور المجتمع المدني العريض يتمثل في تمكين قيم العدالة والحرية والسلام واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية التي تستند عليها الكرامة الإنسانية.
ولما كانت النخب في أي مجتمع تجدها المتصدرة للمشهد الكلامي والعملي فإن الأمل ظل معقودا عليهم من قبل العامة لأجل تحقيق الرقي الاجتماعي وتحسين مستوى حياتهم في جو فسيح من الحرية التي نادى بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتباره المستوى المشترك الذي ينبغي أن يستهدف كل فرد قبل الشعوب.
هذه الرمية (البسيطة) وددت من خلالها أن ألفت الانتباه ومن غير إسهاب لننظر جميعا في ما آل إليه حال المجتمع المدني في السودان الحبيب… الذي تعدى كل الحدود، ويظهر ذلك جليا من خلال عدة نقاط، منها على سبيل المثال:
• التكالب على ممارسة الإقصاء في جميع المجالات المهنية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
• قبول التمويل الأجنبي في القضايا الوطنية الخالصة التي هي بالأحرى عرضة للتدخلات والأطماع الخارجية
• عدم الالتزام بالغايات الراسخة في القواعد الدستورية المنظمة لمجالات عمل وأهداف المجتمع المدني بمختلف فروعه، والتي سنأتي لشرحها لاحقا.
• فرض التمثيل القسري للشعب وكراهية الانتخابات الحرة النزيهة.
• عدم الصبر على التداول السلمي للسلطة.
هذه النقاط وغيرها تصلح لأن تكون محل دراسة وتحليل، حتى تتجنب الأجيال القادمة العودة لاجترار الحديث حول المأزق التاريخي للوطن أو إدمان النخب للفشل.
في هذه الرمية سأتناول ملمحاً عاماً لقضية التمثيل القسري باعتبارها المعول الذي يهدم أساس الديمقراطية التي تعني حكم الشعب لنفسه. وقد درجت بعض النخب المنتمية للتنظيمات السياسية على تبني نظرية التمثيل القسري للشعب مما أدى إلى تشويه الصورة الذهنية المثالية التي صاغ أهل السودان أحرفها بصدق على المستوى الاجتماعي والثقافي والسياسي وبلغت سيرتهم الآفاق.
• فمن يمارس هذه العادة السيئة؟
• إنهم النخب أنفسهم!!!
• خُذ برهة وقلب في مجموعات التواصل الاجتماعي الخاصة بالروابط المهنية أو الاتحادات سواءٌ كنت مقيما خارج السودان أو داخله، واطرح الأسئلة البسيطة التالية:
• من هم أعضاء الجمعية العمومية؟
• كيف تتم الدعوة لاجتماعات الجمعية العمومية؟ وكم عدد حضورها؟ وما هي نسبة العضوية العاملة من العدد الكلي المستهدف؟ وما هي آليات وأدوات التعريف والدعوة للمشاركة في العضوية؟
• هل يُراعى في المكتب التنفيذي التنوع الذي تزخر بها بلادنا على كل المستويات؟
• ما هي البرامج التي تنظمها هذه الروابط؟
• ما هي الاتجاهات السياسية البارزة التي تتبناها قيادات الرابطة أو الاتحاد؟
• من وجهة نظرك – هل من السهل معرفة قيام الرابطة أو الاتحاد بنشاطات سياسية خارج إطار مهامها؟
• من جهة نظرك – لماذا تقع الراوبط والاتحادات فريسة لأصحاب الأجندات السياسية التابعة للسلطة الحاكمة أو للمعارضة؟
استدراك:
مفهوم المجتمع المدني الواسع يا سادتي وحسب المعايير الدولية لا يقتصر أبدا على الأحزاب السياسية والنقابات فقط إنما يشمل جمعيات وتجمعات الطلاب والشباب والنساء ورجال الدين والأكاديميين والزراع والصناع والمدافعين عن حقوق الإنسان،،، إلخ…
هذا التنوع الكبير يفرض على قادة المجتمع المدني أن يبينوا للجمهور غايات كل مجموعة منهم، فالأحزاب السياسية تسعى إلى المشاركة في السلطة والحكم، بينما لا تسعى المنظمات غير الحكومية الحقوقية إلى الحكم إنما يتمثل دورها حصراً في إدارة حوار فعال حول قضايا حقوق الإنسان المختلفة، وبناء القدرات الوطنية، وحماية حقوق الإنسان من خلال المراقبة والرصد.
وكذلك النقابات والاتحادات المهنية والفئوية التي يجب أن تضع نصب أعينها حماية وتعزيز حقوق الأعضاء فيها كأولوية قصوى وليس من شأنها أبدا أن تسعى إلى الحكم وممارسة الشأن السياسي إلا في أضيق نطاق، مثال- الأوقات التي تنتقص فيها الحكومة حقوق العاملين أو تتخذ من القرارات ما يهدر كرامة الشعب، وينتهي دورها الاحتجاجي بطرق قانونية بالحوار والتعرف على المعالجات التي تقوم بها الجهات التنفيذية.
فهل واقعنا الحالي يمكن مقارنته مع هذه المعايير الدولية.
من وجهة نظري فإن الواقع الذي أفرزته الممارسة يكاد يفسد تلك الصورة الزاهية للبلد والشعب، ويجعل اللبيب في حيرة من أمره.