الشاعر فى السديم
السر السيد
هذا العنوان مأخوذ من كتاب (الشاعر في المسرح)، تأليف رونالد بيكوك وترجمة الشاعر والكاتب المسرحي ممدوح عدوان، وقد صدرت طبعته الثانية عن منشورات وزارة الثقافة السورية في العام 1994.
جاء استلهامي لهذا العنوان ومحاولة إسقاطه على تجربة جماعة السديم المسرحية، التي تأسست في أبريل 1980 في المعهد العالي للموسيقى والمسرح آنذاك، بسبب أن الجماعة قد ضمت في عضويتها عدداً مقدراً من الشعراء، وهم الفقيد أستاذنا محمد محي الدين وقاسم أبوزيد ويحى فضل الله وحاتم محمد صالح وعباس الزبير والفقيد حامد جمعة.. هذه الأسماء وبالنظر إلى تجربة الجماعة ودونما إغفال لدور الذين لا يكتبون الشعر من أعضاء الجماعة، كان لها دور كبير في مسيرة الجماعة على أصعدة الإخراج والتمثيل والتأليف، والسياسات.
*الشعر في تجربة الجماعة*:
يمكن القول إن المعهد العالي للموسيقى والمسرح قد مثٌل حاضنة نموذجية للجماعة خاصة في الفترة الممتدة من أبريل 1980 إلى العام 1983 حيث كان هو وداخلياته، المنصة التي انطلقت منها الجماعة
ولما كانت هذه الفترة كما أرى هي فترة (تسويق الشعر)، عبر التنقل به إلى الفضاءات المفتوحة كميادين الجامعات والمعاهد العليا والساحات ليصبح الشاعر بحضوره الحي ناشراً للمتعة والمعرفة، وربما يكون هذا التنقل المتعمٌد هو ما مكٌن الشعر في أن يكون سيد المشهد الإبداعي في تلك الفترة وأن يصبح الشاعر معبراً عن الأمل والحلم ونشدان الحق والخير والجمال.. هذا التسيٌد للشعر على المشهد الإبداعي، كانت له انعكاساته على وضعية الشعر فقد ظهرت في هذه الفترة الكثير من الكتابات النقدية التي اتخذت من القصيدة موضوعاً لها.
كنت قد أشرت إلى أن المعهد، قد مثٌل منصة نموذجية للجماعة، وأضيف أنه وعبر داخلياته والتي كانت بمثابة الملتقى والمنطلق لمعظم شعراء تلك الفترة،(محمد مدني وعبدالمنعم رحمة ومحمد محمدخير وأسامة الخواض ومحمد نجيب محمد على وحميد ومحمدالفاتح أبوعاقلة والفقيدين عادل عبدالرحمن ومحمد طه القدال، ويعود هذا بالطبع لشعراء الجماعة وفي مقدمتهم حاتم محمد صالح الذي كان حلقة الوصل بين الجماعة وهؤلاء الشعراء.
لقد كنا في الجماعة وبالرغم من ممارستنا للمسرح محتفين بالشعر ومروجين له، فقد كنا نتسابق في اقتناء دواوين الشعر ونتبارى فى حفظ القصائد، كما كنا نقرأ لبعضنا ما نكتبه من قصائد، فقد شهدت ولادة الكثير من القصائد التي كتبها يحى أو قاسم أو عباس.
لقد شكٌل الشعر في تجربة الجماعة كما أرى المرجعية الخفية لتماسك الجماعة وربما لنظرتها للمسرح نفسه، لذلك لم يكن غريباً أن تكون بداية الجماعة بعرضين كتب نصيهما شاعران، الأول (مطر الليل) لمحمد محى الدين وهو نص يمكن أن يقع وبلا جدال في دائرة المسرح الشعري برغم ما يتخلله من حوارات نثرية هنا وهناك، والثاني (حب على الطريقة السودانية) للفاتح مطيع، وهو نص ينهض على شاعرية شفيفة وإن غلب على حواره النثر.
*المسرح الشعرى في تجربة الجماعة*:
يمكن القول إن فترة الثمانينيات اتسمت بتحولات نوعية في المشهد الثقافي السوداني ذات ملمح (ديمقراطي)، منها تأسيس اتحاد الكتاب السودانيين وجماعة تجاوز وفرقة السمندل الموسيقية وجمعية التراث والثقافة العربية وجماعة السديم المسرحية، وما صحب هذا من تبلور (حساسية جديدة) خاصة في حقل النقد، ولأن السديم لم تكن بعيدة عن هذه التحولات بل كانت في قلبها، وبما أن الشعر في تلك الفترة كان سيد المشهد كما أشرنا وجد النص المسرحي الشعري مكانة واهتماماً خاصاً في مشروع الجماعة، برغم التحدي الذي تمثله المقولة التي كانت رائجة بين المسرحيين آنذاك والتي مفادها أن: (الشعر أبعد ما يكون عن لغة العرض المسرحي)، فكان أن أقدمت الجماعة على إخراج المسرحية الشعرية (السديم) للشاعر أدونيس والتي كانت من اقتراح الشاعر محمد مدني ذات مساء بهيج. تلك المسرحية التي أصبحت بعد ذلك إسما وعنواناً للجماعة.. بعدها واصلت الجماعة في إخراج نصوص المسرح الشعري فقدمت “مسافر ليل” لصلاح عبد الصبور و”جندي بين الأموات” لأدونيس و”مأساة يرول” للخاتم عبدالله وتوغلت أكثر فقدمت قصيدة “السيل” لمحمد طه القدال، بل إن حضور (الشاعرية) لم يغب حتى في النصوص النثرية التي تعاطت معها الجماعة كنصوص يونسكو وبيكيت وبنتر وروبير ميرل وذوالفقار حسن عدلان.
أخيراً وليس آخراً أقول: إن الشاعر في تجربة جماعة السديم، ظل حاضراً على الدوام سواء فى نوعية النصوص أو في (تنازع) الهوية الإبداعية بين (الشاعر والمسرحي)، كما في حالة قاسم أبوزيد ويحى فضل الله ومحمد محى الدين وحامد جمعة.