الرد على مقال غزالي آدم موسى

بقلم: لام دينق نوت شول
حين كتب غزالي آدم موسى مقاله الأخير عن “مهند فضل” لم يكن بصدد مناقشة مصطلح “الشهيد” كما توهّم البعض، بل كان ينفّذ مهمة أيديولوجية قديمة: ضرب الرابط بين الدين والتضحية، وتشويه أي رمز يذكّر الناس بأن هناك ثمنًا يُدفع من أجل العقيدة والوطن.
أولاً: لماذا استهدف “الشهادة” بالذات؟
من يقرأ المقال بعين ناقدة يرى أن القضية ليست “لغة قرآنية” ولا “تأصيلًا علميًا”، بل محاولة ممنهجة لتفريغ دماء الشهداء من معناها. اليسار – في السودان كما في غيره – يدرك أن كلمة “شهيد” تُحرّك الناس وتلهمهم، وتكشف زيف دعاوى المادية البحتة. ولذلك يسعى إلى تشويهها: إن مات شاب مثل مهند، فلا يجوز – في نظرهم – أن يكون رمزًا، بل مجرد “ضحية” لخطاب ديني.
اليسار هنا لا يحارب شخص مهند، بل يحارب ما يمثله: شاب مؤمن، حمل السلاح دفاعًا عن قضيته، وترك وراءه معنى لا تستطيع سرديات المادية الجافة أن تفسّره.
ثانياً: البعد السياسي في سخرية الكاتب
لماذا سخر الكاتب من استشهاد مهند وكتب مقاله بتلك الحدة؟ الجواب بسيط:
اليسار السوداني يعيش أزمة عميقة بعد سقوط مشروعه الفكري عالميًا وانهيار الاتحاد السوفيتي. لم يبقَ له سوى معاداة الدين ورموزه.
استشهاد شاب مثل مهند يفضح هشاشة أطروحتهم: بينما يضحّي هؤلاء الشباب بأرواحهم، يكتفي “المناضل اليساري” بالكتابة من خلف مكتبه، أو بتمجيد ثورات انتهت إلى لا شيء.
اليسار يخشى أن يصبح “شهيد الإسلاميين” أيقونة تلهم جيلًا جديدًا، فيتآكل رصيده السياسي. لذلك لجأ إلى السخرية والهجوم الاستباقي.
ثالثاً: الشهادة في ميزان الشرع
الكاتب تجاهل عمدًا نصوصًا صريحة:
{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا}
قال ﷺ: «من قُتل في سبيل الله فهو شهيد» (البخاري ومسلم).
وسمّى حمزة رضي الله عنه: سيد الشهداء.
فهل كان رسول الله ﷺ يردد “أكذوبة سياسية” اخترعها الأمويون؟!
رابعاً: المفارقة الفاضحة
الكاتب يسخر من “شهادة” مهند، لكنّه لا يجرؤ أن يصف آلاف “شهداء اليسار” الذين يمجّدهم خطابه بالوهم! أليس في أدبيات اليسار نفسه حديث عن “شهداء النضال الطبقي” و”شهداء الثورة”؟ كيف يصبح لقب “شهيد” مقدسًا إذا كان يساريًا، ومجرّد كذبة إذا كان إسلاميًا؟
هذا التناقض ليس بريئًا: إنه دليل على أن المقال ليس نقدًا علميًا، بل خصومة أيديولوجية صريحة.
خامساً: الحقيقة التي يخشاها اليسار
استشهاد مهند فضل أثبت أن “الموت من أجل فكرة” لم يمت بعد، وأن شبابًا ما زالوا يرون في الدين قضية تستحق التضحية. هذا ما يرعب اليسار، لأن مشروعه قائم على إقناع الناس أن “الدين أفيون”، وأن المعركة لا معنى لها إلا إذا كانت مادية/طبقية.
لكن الدماء تسيل لتقول عكس ذلك: أن الدين ما زال حيًا، وأن الأوطان لا تُصان بلا تضحيات.
إذن، مقال غزالي موسى لم يكن إلا هروبًا إلى الأمام. هروب من مواجهة النصوص القطعية في القرآن والسنة، وهروب من الاعتراف بأن فكرة “الشهادة” هي ما يُبقي هذه الأمة حيّة، وأنها أكبر من كل مشاريع اليسار الفاشلة.
فليكتبوا ما يشاؤون. الشهداء ليسوا بحاجة إلى اعترافهم. لأن الله تكفّل بأمرهم:
{بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.



