رأي

الحوار السوداني السوداني.. تصور بديل (2-3) 

 

علي عسكوري

*كان حل ذلك الخلاف في ذلك الوقت بين جيشين قائمين وبتلك الصور السلمية عن طريق تقاسم السلطة امر جديد لم تعرفه الممالك والدول في ذلك الزمان حيث كان الحكم دائما لملك طليق اليد يفعل ما يريد هو القانون نفسه وما يفعله يصبح قانونا. اللافت في الامر ان المجموعتين اتفقا على تقاسم السلطة وليس قسمة البلاد، أي انفراد كل منهما بما تحته من ارض ليقيم عليها دولته او ممتلكته، وقد كان ذلك بوسعهما، خلافا لذلك اتفقا على تقاسم السلطة لكل صلاحياته بدلا عن تقيسم البلاد! رغم انه لم يكن هنالك ما يمنعهما من فعل ذلك، ولو فعلا – اى تقاسما البلاد – لكان السودان دولة غير التى نعرفها اليوم وقطعا كان تاريخ بلادنا سيتخذ مجرى آخر.

 

*هذا هو الرد التاريخي للذين يتحدثون عن دولة الخديوية، فقد كانت مناطق واسعة من بلادنا دولة موحدة قبل غزو الخديوي، اما ما فعله الخديوى فقد تمثل في الحاق جنوب السودان ودارفور في فترات مختلفة لأصل الدولة الذى كان قائما.

 

*إن الذين يتحدثون عن دولة 1956 انما يحاولون محو تاريخ بلادنا وتشويش الذاكرة الجمعية لشعب السودان. فقد كان السودان دولة مستقلة لاكثر من ثلاثة قرون في وقت كانت فيه الفتوحات الاستعمارية الاوروبية تتمدد في جميع الاتجاهات بعد ان خرجت اوروبا من قرونها المظلمة وقامت كالذي يتخبطه الشيطان لتهلك الحرث والنسل في مواقع كثيرة من بقاع الأرض تجارة في الرقيق ونهبا للموارد.

 

*وبينما كانت أوروبا غارقة في البؤس والمجاعات حتى نهاية القرن السابع عشر مثال لذلك (المجاعة الكبرى 1695 – 1697) وهلاك الكثير من الخلق في استونيا واسكتلندا والسويد والاراضي المنخضة شمال فرنسا، كانت دولتنا ترفع علمها خفاقا تدير اراضيها بحكم فدرالى وتدافع عن سيادتها. للاسف لم اعثر على ما يفيد ان سنار ارسلت معونات انسانية لاوروبا في ذلك الوقت لتخفيف المجاعة وانقاذ الارواح، والراجح عندى انه حدث لكن الاوروبين (نكروه حطب)، و على كل لم اعثر على ما يفيد بحدوث ذلك لضعف السجلات في سنار. لكن تبقي الحقيقة التاريخية ان علمنا كان يخفق عاليا (قبل ضم دارفور) بينما كان الاوروبيون يتضورون جوعا في شوارع استكهولم واستونيا وفنلندا واسكتلندا وغيرهم!

 

*ولأننا ننسي تاريخنا، اصبحنا الآن ننتظر الحل من اوروبا التى كانت تتضور جوعا او ننتظره من بعض الافارقة الذين كانوا يصطادون ابناء جنسهم من ادغال بلادهم ويبيعونهم رقيقا للاوروبيين بينما كنا نحن امة لها مجد وسؤدد تهابها الامم.

 

*أوردنا هذه التفاصيل لتذكير من نسى أننا أمة ذات تاريخ تالد لها قدرة متفردة على حل مشاكلها بمبادرات داخليه دون تدخل من آخرين! وللاسف خلف خلف اصبح همه الاساسي تسول الحلول عند الاجانب، الذين (يادوبك) حلوا مشكلة الجوع عندهم بعد ان تمكنوا في غفلة من الزمان من نهب الشعوب! تري متى سننتبه لقدراتنا الذاتية وننهض لنبحث عن حلول لمشاكلنا من واقع تاريخ اسلافنا الذين فتحوا واسسوا لنا الطريق لكيفية حكم بلادنا، ولكن للاسف في بلادنا هناك من يعشق العيون الخضراء بينما عيون نساءنا عسلية! ذلك هو مقتلنا.

 

*اوردنا تلك الخلفية التاريخية للتمهيد لطرح تصور بديل للحوار السوداني- السوداني، وهو كما سبقت الاشارة اصبح كما يراه غالب الناس البلسم الشافي لعللنا السياسية والمدخل لحل مشكلة الحكم في البلاد.

 

*أشرنا إلى المناطق التي مثلت (عظم) دولة سناراو الكتلة الصلبة كما يقال، وهي تشمل اجزاء واسعة من كردفان، والنيل الابيض والجزيرة والنيل الازرق، وشرق السودان بولاياته الثلاثة وو لايتي الشمالية ونهر النيل وبالطبع منطقة الخرطوم. تاريخيا عاشت المجموعات السكانية في هذه المناطق مع بعضها البعض لاكثر من ثلاثة قرون تحت رأية دولة واحدة، حينها لم تكن دارفور جزء من ذلك التعايش والتصاهر والتواصل. نقول ذلك كحقيقة تاريخية ثابتة.

 

*أنتج ذلك التعايش الطويل تقاربا في المفاهيم وطرق الحياة وأسلوبها وثقافة مشتركة وانصهار اجتماعي كبير، فشل الخليفة عبد الله في تفكيكه رغم العسف الشديد بالمكونات الاجتماعية في هذه المناطق، واكتفي بتهجير عشيرته الى ام درمان في أحياء معروفة حتى اليوم. وسريعا ما نسي من هجروا الى امدرمان ثقافتهم البدوية وجرفهم تيار حضارة المكونات السنارية الراسخة فتنكروا لبداوتهم وذابوا في ثقافة الكتلة الصلبة، بل تكاد تكون علاقتهم بجذورهم في دارفور قد انقطعت تماما.

 

*نخلص من كل ذلك إلى أن هنالك مجموعتين اساسيتين في السودان حاليا.

 

*أولهما المجموعة السكانية التى شكلت دولة سنار وعاشت تحت رأيتها لثلاثة قرون وأكثر فتقاربت مفاهيمها وثقافتها ونظرتها للحياة ساطلق عليها اسم (الكتلة السنارية.

 

*الثانية هي دارفور حديثة العهد بالدولة السودانية يختلف تاريخها عن تاريخ الكتلة السنارية وتخلف نتيجة لذلك نظرتها للحياة وثقافتها الخ من واقع انها لم تكن جزء من الكتلة السنارية.

 

*ما اود قوله من كل ذلك هو ضرورة استصحاب حقائق التاريخ عند اقدامنا على الحوار السوداني- السوداني.

 

*تتفق الكتلة السنارية في كثير من القضايا ومقومات التعايش السلمى. فهذه المجموعة لها ارث راسخ في حل الخلافات بالطرق السلمية، واحترام الحرمات والخصوصية ورفض العدوان والعنف والقتل الفوضوى للنساء والاطفال و احترام كبار السن وتوقيرهم وحرمة الاعراض الخ.

 

*مجموعة دارفور تفتقد للاسف الكثير من ما اوردناه عاليه عن الكتلة السنارية! وحتى لا نتهم بالتعميم المخل، انظر مثلا لعدد الحركات المسلحة في دارفور الذى قارب المائة حركة. ولا تكاد تخلوا قبيلة من عدد من الحركات، و(الكل يدعي وصلا بليلي) اى انه مهمش! وان كان ما يزعمون من تهميش صحيحا، فلماذا لا يتوحدون في حركة واحدة! وقد قيل ان المصائب يجمعن المصابينا. لماذا لم تجمع هولاء مصيبة التهميش التى يدعونها! وان كانت هذه الحركات تفشل في الاتفاق فيما بينها فمن الصعب جدا بل ربما يكون من المستحيل اتفاقها مع مجموعات سكانية من خارج اقليم دارفور.

 

هذه الأرض لنا

 

-نواصل –

 

نقلا عن “أصداء سودانية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى