رأي

الحلقة الثانية عشرة: التمكين والتمدد العسكري (مواصلة) … التجنيد والتحالفات العسكرية والمجتمعية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحلقة الثانية عشرة: التمكين والتمدد العسكري (مواصلة)  ***  التجنيد والتحالفات العسكرية والمجتمعية

عبد الرحمن الغالي

بعد الثورة انزاحت كل رقابة عن الدعم السريع وأصبح قائده حراً فيه، فمن الناحية النظرية أخضعت المادة 12 من قانون الدعم السريع مسألة التجنيد لنفس الضوابط المنصوص عليها في قانون القوات المسلحة، ولكن الواقع بقي خلاف ذلك باتفاق الجميع.

فمنذ وقت مبكر بعد الثورة توسع الدعم السريع في التجنيد واستمر حتى قيام الحرب. وتذخر وسائط الإعلام باحتفالات تخريج دفعات الدعم السريع المتتالية في مختلف بقاع السودان مثل تخريج دفعات مارس 2020 في عدد من المدن مثل سنجة ونيالا، وتخريج أكتوبر 2020 في الفاشر، وتخريجات نوفمبر 2022 في سنار وغيرها، حتى تخريجات القطاع الشرقي في 21 يناير 2023 قبل الحرب بأقل من شهرين في بورتسودان وكسلا، وبلغ عدد الدفعات أكثر من 12 دفعة بمعدل أربع دفعات في السنة. هذا عدا الدورات التدريبية المتخصصة مثل دورات المدفعية وهندسة الميدان والصاعقة والبحرية والمجموعات الخاصة الخ.

 

التحالفات العسكرية:

عقب نجاح الثورة الشعبية في أبريل دعت الإمارات الجبهة الثورية. وتمخض الدعوة عن وثيقة (أبوظبي) التي أعلن عنها في 20 أبريل 2019. رسمت تلك الوثيقة خارطة طريق الحكم الانتقالي الذي يبدأ بمرحلة أولى (المرحلة قبل الانتقالية) تتولى الحكم فيها قوى الحرية والتغيير ما عدا الجبهة الثورية، يتم خلال تلك المرحلة إبرام اتفاق سلام تبدأ بموجبه الفترة الانتقالية لمدة ثلاثة أعوام ونصف تشترك فيها قوى الهامش – حسب تعبير الوثيقة- .

وفعلاً سار هذا السيناريو وبدأت مفاوضات السلام في جوبا برعاية إماراتية (انظر موقع سكاي نيوز العربية 31 أغسطس 2020). وفي 14 يناير 2020 أصدر فريق الخبراء المعني بالسودان والذي كونه مجلس الأمن تقريراً جاء فيه في الفقرة 62 تحت عنوان (التقارب بين الفريق أول حميدتي والجماعات المسلحة الدارفورية) :

( وفقاً لما ذكره قادة مختلفون للمتمردين أجرى الفريق مقابلات معهم، وكجزء من مناقشات السلام في جوبا وأماكن أخرى، حاول الفريق أول حميدتي ورفاقه اجتذاب الجماعات الدارفورية وغيرهم من القادة الدارفوريين ليكونوا في صفهم من خلال استخدام خطاب يركز على المصلحة المشتركة الدارفورية. وفي هذا الخطاب ينبغي على جميع أهالي دارفور، العرب وغير العرب والفريق أول حميدتي والمتمردون أن يتحدوا لتولي الحكم في الخرطوم ضد نخب “الجلابة” التي هيمنت على السودان منذ الاستقلال، وذلك بغية وضع حد لعقود من تهميش دارفور. ص 17 من التقرير).

وربما استخدم حميدتي هذا الأسلوب لاستدرار العاطفة الجهوية للحركات ولكن من المؤكد أنه لم يحصر شبكة تحالفاته على المكونات الدارفورية، فقد توسع في الاتصال بالطرق الصوفية ورجال الإدارة الأهلية في كل بقاع السودان، وفتح الباب لتجنيد مكونات خارج دارفور في الدعم السريع من كردفان ووسط السودان من المكونات القبلية وكذلك فتح باب التجنيد أيضاً في المدن المختلفة كما ذكرنا.

وقبل الحرب صارت حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي ( الهادي إدريس) وتجمع قوى تحرير السودان ( الطاهر حجر) أقرب للدعم السريع وزار قائدا الحركتين دارفور برفقة حميدتي في رحلته الطويلة ( 8/6/2022 – 11/8/2022).

وبعد الحرب ظهر ارتباط كثير من الحركات والأفراد بالدعم السريع، إذ انشقت حركة العدل والمساواة وصار بعض قادتها في الصف الأقرب للدعم السريع. قامت حركة العدل بتجميد سليمان صندل وأحمد تقد لسان قبل انشقاقهم بسبب لقاء غير مأذون لهم مع عبد الرحيم دقلو في تشاد في أوائل يوليو 2023.

وفي تجمع قوى تحرير السودان (الطاهر حجر) انشق نائب رئيس الحركة عبد الله يحيى والقائد عبد الله جنا وانحازا للجيش بينما بقيت الحركة قريبة من الدعم السريع.

وأظهرت الحرب تحالفات أخرى للدعم السريع إذ انضمت قوات درع السودان بقيادة أبوعاقلة كيكل (أغسطس 2023) وهو كيان كان هدفه المعلن الدفاع عن حقوق الوسط والشمال والشرق في مقابل المكاسب التي حققتها اتفاقية جوبا لدارفور.

وكذلك أعلنت حركة تمازج بقيادة محمد علي قرشي والقائد أحمد قجة إنضمامها للدعم السريع (أغسطس 2023)، وهي حركة غامضة إدّعت أنها كانت جزء من الحركة الشعبية قطاع الشمال ولكن قطاع الشمال نفى أية علاقة تربطها به. وهي من الحركات التي أُلحقت بمفاوضات جوبا وتتكون من قبائل التماس على الشريط الحدودي مع الجنوب وتجند بعض المقاتلين من تشاد حسب تقرير للأمم المتحدة.

وفي سبتمبر 2023 وصل القائد جلحة من ليبيا للقتال مع الدعم السريع ومعلوم أن قوات الدعم السريع كان لها مقاتلون مع (حفتر) إذ ذكر تقرير سابق للخبراء قُدّم لمجلس الأمن في يناير 2020 أن مقاتلين من الدعم السريع يقاتلون إلى جانب الجيش الوطني (حفتر) وأن حميدتي وقّع عقداً مع شركة ضغط كندية في مايو 2019 باسم المجلس العسكري الانتقالي ينص على أن الشركة ستحاول الحصول على تمويل من الجيش الوطني الليبي للمجلس العسكري الانتقالي مقابل مساعدة عسكرية يقدمها المجلس في ليبيا ص19 من التقرير).

ومن المعلوم أن قائد في حركة (مظلوم) التشادية حسين الأمين جوجو ظهر مقاتلاً مع الدعم السريع. وهذه أمثلة للتحالفات التي نسجها حميدتي والدعم السريع مع الحركات والفصائل المسلحة.

وانضم العمدة أبو شوتال من قبيلة (الهمج) بالنيل الأزرق للدعم السريع في سياق التنافس المحلي قبل الحرب مع الوالي أحمد العمدة بادي ومالك عقار، وانحيازه لحميدتي الذي كان على خلاف مع البرهان وعقار في قضية الهوسا وقبائل النيل الأزرق الأخرى (أحداث يوليو- أكتوبر 2022).

كما استقطب الدعم السريع مجموعات من جماعة موسى هلال (مثل عبد الله حسين ومحمد خدام وعلي رزق الله السافنا).

التجنيد المعتمد على القبيلة والإثنية:

في 18 يونيو 2022 ذهب حميدتي لدارفور في رحلة طويلة امتدت حتى أغسطس 2022، زار خلالها قاعدته في (الزرق) كما زار جمهورية تشاد لتسوية خلافه مع محمد كاكا. كان أحد أكبر الأهداف المعلنة للزيارة هو إجراء المصالحات المجتمعية ولكن الزيارة جاءت في ظل توتر العلاقات مع البرهان وسنفرد حلقة لهذا الخلاف إن شاء الله.

ومع بداية عام 2023 قام الدعم السريع بحملة ضخمة للتجنيد، ففي يناير 2023 جاءت مجموعة من زعماء القبائل إلى الخرطوم والتقت قائد الدعم السريع وجندوا أبناء قبائلهم في مقابل أموال وسيارات. وذكر تقرير الخبراء الأخير يناير 2024 (أن أكبر حملة تجنيد حول الجنينة تمت قبل أسابيع من الحرب. وفي فبراير ومارس 2023 تم تجميع العديد من الشباب من الأرياف في جنوب دارفور في نيالا ومن ثم تم ترحيلهم لمعسكرات الدعم السريع في الخرطوم، وفي مقابل التجنيد تم منح الإدارات الأهلية الأموال والسيارات وفي بعض الأحيان رتب عسكرية. وعندما حدث هجوم الدعم السريع على فرقة الجيش بنيالا شاركت مجموعات قبلية كبيرة تم تسليحها وإعدادها لهذه العمليات).

ولا شك أن العامل الإثني والقبلي قد لعب دوراً في هذا التجنيد ولكن لا يجب التقليل من عاملي الترهيب والترغيب بالمال والسيارات والنفوذ.

ففي بداية الحرب في مايو 2023 أخذت الإدارات الأهلية موقفاً عاقلاً ومعتدلاً حينما أعلنت 80 قبيلة عن توقيع وثيقة عقد اجتماعي وتراضي مجتمعي. لكن الموقف تغير بعد فترة حينما أعلن كثير من الإدارات الأهلية في جنوب دارفور وقوفها مع الدعم السريع وربما كان التغيير تأثراً بعوامل الترغيب والترهيب المذكور. (أنظر المقال في هذه الصفحة بتاريخ 17 مايو 2023).

ونواصل في الحلقات القادمة إن شاء الله.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى